«نبض الخليج»
في الأول من ديسمبر/كانون الأول، تولت الولايات المتحدة الرئاسة الدورية لمجموعة العشرين، بعد أن تولت إندونيسيا والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا، وجميعها من دول الجنوب العالمي، رئاسة المجموعة.
وخلال الرئاسات الأربع السابقة، شهد جدول أعمال المجموعة وعضويتها تطورا، وانتهت الدورة الكاملة الأولى للرئاسة الدورية للمجموعة. ومنذ تحولت اجتماعاتها من مجرد اجتماع سنوي متواضع لوزراء المالية إلى مؤتمرات قمة على مستوى القيادة، في استجابة للأزمة المالية العالمية التي اندلعت في خريف عام 2008، تولت كل بلدان المجموعة رئاستها مرة واحدة على الأقل.
ولأول مرة منذ عام 2009، تعود رئاسة مجموعة العشرين إلى الولايات المتحدة.
وتتكون مجموعة العشرين من الأرجنتين وأستراليا والبرازيل وكندا والصين والاتحاد الأوروبي وفرنسا وألمانيا والهند وإندونيسيا وإيطاليا واليابان والمكسيك وروسيا والمملكة العربية السعودية وجنوب أفريقيا وكوريا الجنوبية وتركيا وبريطانيا والولايات المتحدة.
وفي تحليل مشترك نشر على موقع معهد كارنيغي لأبحاث السلام الدولي، قال غوستافو روميرو، الزميل الباحث في برنامج النظام العالمي والمؤسسات التابع للمعهد ومدير برنامج النظام العالمي والمؤسسات ستيوارت باتريك، إن “نقل رئاسة مجموعة العشرين إلى الولايات المتحدة لن يكون مجرد إجراء شكلي، بل يمثل تحولا أساسيا من رؤية أوسع وأكثر شمولا وتركز على التنمية لمجموعة العشرين، إلى رؤية أضيق وأكثر تركيزا على القضايا الوطنية”.
كما أبدت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب رغبتها في عودة الجماعة إلى النهج التقليدي، الأمر الذي سيؤدي إلى تقليص حاد في الكثير مما تم إنجازه خلال السنوات الأربع الماضية. ويثير هذا التحول تساؤلات جوهرية حول غرض وشرعية وفعالية مجموعة العشرين، في وقت حيث يتعرض العمل المتعدد الأطراف ذاته لضغوط متزايدة.
ويمثل هذا التحول فرصة لتقييم مسار مجموعة العشرين وأهميتها في الحوكمة الاقتصادية العالمية.
لقد شكلت السنوات الأربع الماضية، تحت قيادة دول الجنوب العالمي، مرحلة مميزة في تطور مجموعة العشرين. ولم يحدث من قبل قط أن تولى اقتصادان ناشئان رئاسة المجموعة، وكانت هذه الاستمرارية ذات أهمية كبيرة.
إضافة إلى ذلك، اتسمت هذه الرئاسات بالتوافق الملحوظ فيما بينها، مما وفر درجة من الاستمرارية لعمل المجموعة، خاصة وأن القمم التي عقدت في (بالي، ونيودلهي، وريو دي جانيرو، وجوهانسبرغ) تقاسمت العديد من القضايا.
وكانت أولى هذه القضايا هي السعي الدؤوب لتحقيق قدر أكبر من الإدماج والتمثيل. ومثلت رئاسة الهند للمجموعة عام 2023 نقطة تحول حاسمة، حيث حصلت على العضوية الدائمة في الاتحاد الأفريقي، مما وسع بشكل كبير نطاق تمثيلها، ورفع تمثيلها في العالم من 65% إلى 80% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.
وبحلول رئاسة جنوب أفريقيا في عام 2025، كان لدى المنظمة 22 مجموعة عمل، وثلاث فرق عمل، و13 مجموعة حول قضايا مثل العمل والعلوم.
أما الموضوع الثاني فكان أزمة الديون وإصلاح النظام المالي الدولي. وخلال رئاستهما للمجموعة، شددت إندونيسيا والهند على الحاجة إلى تعزيز بنوك التنمية المتعددة الأطراف وتسريع التقدم نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
وفي حين أعطت البرازيل الأولوية لإصلاح المؤسسات المالية الدولية، أثارت جنوب أفريقيا أيضا قضية إعادة هيكلة الديون السيادية وتمويل التنمية، مؤكدة على عدم كفاية الآليات الحالية وخطر آليات تسوية الديون الغامضة والمطولة على الاستقرار المالي والاقتصادي لبلدان الجنوب العالمي على وجه الخصوص.
وخلال رئاستها، سلطت دول الجنوب الأربع الضوء أيضًا على قضية تغير المناخ، باعتبارها تحديًا تنمويًا وليست قضية بيئية معزولة.
وأخيرا، ساهمت هذه الرئاسات في إدراج قضايا عدم المساواة والحماية الاجتماعية والجوع ضمن مداولات مجموعة العشرين.
ومع تولي أميركا رئاسة المجموعة في بداية هذا الشهر، أشارت إدارة ترامب بالفعل إلى أن رئاستها سوف تتبنى أجندة أكثر تركيزاً على النمو الاقتصادي، وإلغاء القيود التنظيمية، وأمن الطاقة، والتكنولوجيا، وهو ما من شأنه أن يؤدي حتماً إلى تقليص عمل مجموعة العشرين في مجالات تشمل المناخ، ومواجهة عدم المساواة، والتنمية.
ورغم أن تقليص الأجندة العريضة لمجموعة العشرين ليس خطأً بالضرورة، لأنها ظهرت كمنتدى محدود ولأن توسعها أضر بتماسكها، فإن درجة وطريقة التقليص تشكل أهمية بالغة.
وفي الوقت نفسه، فإن تكرار حقبة انفصال الولايات المتحدة عن عمل المجموعة في بعض القضايا، كما حدث خلال ولاية ترامب الأولى، سيكون السيناريو المثالي لمجموعة العشرين في عام 2026.
لكن هذا السيناريو يبدو مستبعدا، إذ تتولى الولايات المتحدة رئاسة المجموعة هذا العام، وبدلا من الالتزام بتفضيلات الحكومات الأخرى، ستحظى الإدارة الأميركية بالحرية في فرض رؤيتها وتحديد توجهاتها. والنتيجة الأكثر ترجيحاً هي أن عام 2026 سيكون عاماً مضطرباً بالنسبة لمجموعة العشرين، وسيتسم بالدبلوماسية النفعية، والتهديدات المتكررة بفرض الرسوم الجمركية، وتجاهل استمرارية المؤسسات أو الأعراف الدبلوماسية.
للمزيد: تابع موقع نبض الخليج ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر
مصدر المعلومات والصور : شبكة المعلومات الدولية