جدول المحتويات
كتب: هاني كمال الدين
في ظل التحولات الجيوسياسية المتسارعة وتزايد التنافس على الموارد الحيوية، تتجه الأنظار الأمريكية نحو منطقة آسيا الوسطى التي تزخر بثروات غير مستغلة، وعلى رأسها المعادن النادرة. هذه المواد التي تعد العمود الفقري للصناعات التكنولوجية والعسكرية الحديثة، أصبحت ورقة ضغط استراتيجية، خاصة مع استمرار اعتماد واشنطن على الصين كمصدر رئيس لهذه المعادن. وبحسب تقارير إعلامية أمريكية، فإن الولايات المتحدة بدأت خطوات فعلية لإعادة تشكيل خارطة إمداداتها، حيث تبرز المعادن النادرة في آسيا الوسطى كمفتاح جديد لتقوية أمنها الاقتصادي والدفاعي.
ما هي المعادن النادرة؟
تمثل المعادن النادرة مجموعة من 17 عنصرًا كيميائيًا في الجدول الدوري، تُعرف بخصائصها الفيزيائية والكيميائية الفريدة، مثل الموصلية العالية والمغناطيسية القوية. وتشمل هذه المجموعة عناصر اللانثانيدات، بالإضافة إلى السكانديوم والإيتريوم. تُستخدم هذه المعادن في تصنيع البطاريات، الشاشات، المغناطيسات القوية، وفي تطبيقات الطاقة المتجددة مثل توربينات الرياح، فضلاً عن استخدامها في المركبات الكهربائية والمجالات الطبية والصناعات الدفاعية، بما فيها أنظمة التوجيه والرادارات والليزر.
ورغم تسميتها بـ “النادرة”، فإن وجودها في الطبيعة ليس نادرًا بالمعنى الحرفي، لكنها توجد غالبًا بتراكيز منخفضة وفي صيغ يصعب فصلها، مما يجعل استخراجها عملية مكلفة ومعقدة.
الهيمنة الصينية والتحديات الأمريكية
تشير بيانات السوق إلى أن الصين تستحوذ على ما يقرب من 80% من إنتاج المعادن النادرة عالميًا، ما يمنحها نفوذًا كبيرًا على الصناعات المتقدمة في العالم، وخاصة في الولايات المتحدة. هذا الواقع فرض على واشنطن البحث عن مصادر بديلة ومستقرة، لا سيما في ظل تصاعد التوترات الجيوسياسية بين البلدين.
وفي هذا السياق، تبدو آسيا الوسطى خيارًا واعدًا، إذ تحتوي دول مثل كازاخستان وأوزبكستان وتركمانستان على احتياطيات مهمة من هذه المعادن، بحسب تقارير صادرة عن مركز سياسة بحر قزوين والمركز الدولي للضرائب والاستثمار.
آسيا الوسطى: كنز استراتيجي تحت أعين واشنطن
الولايات المتحدة، مدفوعة بالحاجة إلى تنويع مصادرها وتقليل اعتمادها على الصين، وجدت في آسيا الوسطى أرضية خصبة لإقامة شراكات استراتيجية. فالدول الخمس في هذه المنطقة (كازاخستان، قرغيزستان، طاجيكستان، تركمانستان، أوزبكستان) تتمتع بموقع جغرافي فريد وثروات معدنية كبيرة، لكنها في الوقت نفسه تتطلع لتقليل تبعيتها الاقتصادية للصين وروسيا، مما يفتح الباب أمام واشنطن لتوسيع نفوذها الاقتصادي عبر بوابة الموارد.
وقد برز هذا الاتجاه بوضوح في لقاء الرئيس الأمريكي جو بايدن مع قادة دول آسيا الوسطى في سبتمبر 2023، حيث ناقش الطرفان أهمية تطوير سلاسل التوريد الخاصة بالمعادن الحرجة وتوفير الدعم اللوجستي والتقني لهذه الدول من أجل تنمية قدراتها الإنتاجية.
فرص استثمارية تتنامى
في فبراير 2025، أعلن وزير الصناعة والتعدين الكازاخي آنذاك، قنات شارلاباييف، أن بلاده تعتزم فتح مناجمها من المعادن النادرة أمام المستثمرين من الولايات المتحدة وأوروبا والصين، من خلال تنظيم مزادات رسمية لمنح حقوق الاستغلال. وقد لقي هذا الإعلان ترحيبًا واسعًا من الشركات العالمية التي تسعى لتأمين موطئ قدم في المنطقة الواعدة.
هذا التوجه يعكس رغبة دول آسيا الوسطى في تنويع شراكاتها الاستراتيجية والتقليل من هيمنة القوى المجاورة، وفتح الباب أمام استثمارات طويلة الأمد تسهم في تنمية اقتصاداتها الوطنية وتعزيز أمنها المالي والطاقة.
شراكة أمريكية جديدة مع أوكرانيا نموذجًا
وفي إطار التحرك الأمريكي لتأمين الموارد الحيوية، وقعت الولايات المتحدة في مايو 2025 اتفاقًا مع أوكرانيا يمنحها أفضلية في الاستثمارات في قطاع الموارد الطبيعية، بما يشمل الألمنيوم والجرافيت والنفط والغاز. هذه الاتفاقية جاءت بعد مفاوضات شاقة، لتعكس رغبة واشنطن في تعزيز تحالفاتها الاقتصادية مع شركاء استراتيجيين خارج الدائرة الصينية.
ويرى مراقبون أن هذا النموذج يمكن تكراره مع دول آسيا الوسطى، بما يسمح بتأمين إمدادات مستقرة من المعادن النادرة وفي الوقت نفسه دعم التنمية المستدامة في هذه الدول.
المنافسة الصينية والحاجة إلى التوازن
رغم أن الصين تتمتع بميزة القرب الجغرافي والروابط التجارية الراسخة مع دول آسيا الوسطى، إلا أن تغير المزاج السياسي في المنطقة يشير إلى رغبة متزايدة في التحرر من الهيمنة الصينية. وهو ما يمنح الولايات المتحدة فرصة ذهبية لتقديم نفسها كشريك موثوق يوفر تمويلًا واستقرارًا سياسيًا واستقلالًا في اتخاذ القرار.
لكن هذه المهمة لن تكون سهلة. فبكين لا تزال تمتلك بنية تحتية قوية وخبرة واسعة في التعامل مع هذه الدول، فضلاً عن اعتماد العديد منها على السوق الصينية لتصريف صادراتها. لذا فإن بناء شراكات طويلة الأمد مع آسيا الوسطى سيتطلب من واشنطن تقديم حوافز مالية وتكنولوجية مغرية، بالإضافة إلى التزامات واضحة بعدم استغلال الموارد دون مردود تنموي حقيقي.
أبعاد استراتيجية بعيدة المدى
في العمق، لا يتعلق الأمر فقط بالمعادن النادرة، بل بإعادة صياغة النفوذ الجيوسياسي في إحدى أكثر مناطق العالم حيوية. فآسيا الوسطى تشكل نقطة التقاء بين الصين وروسيا وإيران، وأي وجود أمريكي مؤثر هناك سيكون له أبعاد استراتيجية تمس توازنات الطاقة والتجارة والأمن.
كما أن تعزيز العلاقات الاقتصادية مع دول آسيا الوسطى يمنح واشنطن فرصة لتوسيع نفوذها في مشروع “الطريق البديل” لمبادرة الحزام والطريق الصينية، وبالتالي خلق بدائل لوجستية وتجارية تخدم مصالح الغرب على المدى الطويل.
للمزيد: تابع موقع نبض الخليج ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر