جدول المحتويات
«نبض الخليج»
مرّت 13 عاماً على واحدة من أبشع المجازر التي ارتكبتها قوات نظام الأسد المخلوع بحق المدنيين في منطقة الحولة بريف حمص، والتي راح ضحيتها أكثر من مئة شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، في ليلة دامية لم تُمحَ من ذاكرة السوريين.
ورغم مرور السنوات، ما زالت مشاهد المجزرة حاضرة في ذاكرة أهالي الحولة، الذين عاشوا ساعات من الرعب تحت وابل القصف والرصاص، قبل أن تقتحم قوات النظام والميليشيات الموالية لها المنطقة، وتنفّذ عمليات قتل ميداني بحق عائلات بأكملها.
واليوم، ولأول مرة منذ سقوط النظام، يستعد أهالي الحولة لإحياء ذكرى المجزرة، في مشهد يحمل الكثير من الألم والأمل معاً، وسط دعوات شعبية واسعة لتخليد الضحايا ومحاكمة المتورطين بالمجزرة، وفي مقدّمتهم رئيس النظام المخلوع بشار الأسد.
ويأمل أهالي الضحايا أن تكون هذه الذكرى بداية لمسار عدالة حقيقية، تُفضي إلى محاسبة المتورطين في المجزرة، بعد سنوات من الإفلات من العقاب، والسكوت الدولي عن واحدة من أبشع الجرائم التي ارتُكبت بعد بدء الثورة السورية.
فعاليات متعددة في حمص والحولة لتوثيق الجريمة
قال أحمد الشمالي، عضو المكتب الإعلامي في منطقة الحولة، إن الأهالي والناشطين يستعدّون هذا الأسبوع لإحياء الذكرى الثالثة عشرة لمجزرة الحولة، التي ارتكبتها قوات النظام المخلوع في 25 أيار 2012، وراح ضحيتها 108 مدنيين، بينهم أكثر من 50 طفلاً، في واحدة من أبشع الجرائم التي شهدها ريف حمص خلال الثورة السورية.
وأضاف الشمالي، في حديث مع موقع تلفزيون سوريا، أن فعاليات هذا العام تحمل طابعاً مختلفاً، إذ تُقام للمرة الأولى بعد سقوط النظام، ما يمنح الأهالي هامشاً واسعاً لاستعادة صوتهم ومطالبة المجتمع الدولي بتحقيق العدالة ومحاسبة المسؤولين عن المجزرة.
وأوضح أن الفعاليات ستشمل معرضي صور في مدينتي حمص وتلدو في الحولة، يتضمّنان توثيقاً بصرياً لأسماء وصور الضحايا، إضافة إلى زيارة جماعية لمقبرة الشهداء بمشاركة ذوي الضحايا والناشطين المحليين، إلى جانب تنظيم عرض فيلم وثائقي وشهادات حيّة في قصر الثقافة بمدينة حمص.
وأشار إلى أن الهدف من هذه الأنشطة هو التأكيد على أن الذاكرة لا تُدفن، وأن العدالة المؤجّلة لا تسقط بالتقادم، مضيفاً: “إن حضور الناس هو رسالة سياسية وأخلاقية تقول بوضوح: لن ننسى، ولن نصمت”.
وختم الشمالي بدعوة عامة إلى السوريين والإعلاميين والحقوقيين لحضور الفعاليات، قائلاً إن “كل من يشارك يساهم في حفظ الحقيقة، ويقف مع المظلومين ضد الإفلات من العقاب”.
“العدالة لا تسقط بالتقادم”
وفي سياق إحياء الذكرى الثالثة عشرة لمجزرة الحولة، أصدر المكتب الإعلامي في الحولة بياناً أكّد فيه أن الذكرى تأتي هذا العام في ظل تحوّل سياسي كبير تشهده البلاد، يتمثّل في سقوط النظام البائد وتسلّم الدولة السورية الجديدة مقاليد السلطة، وهو ما يوفّر لأول مرة إطاراً قانونياً فعّالاً لملاحقة المتورطين في الجرائم الجماعية ومحاسبة الجناة.
وأشار البيان إلى أن هذه المرحلة المفصلية تتيح فتح ملفات الانتهاكات الجسيمة التي طالت المدنيين، ومن ضمنها مجزرة الحولة التي راح ضحيتها 108 شهداء، بينهم أكثر من 50 طفلاً. ولفت إلى أن السلطات القضائية ألقت بالفعل القبض على عدد من المتورطين، في خطوة أولى نحو تفعيل مسار العدالة الانتقالية.
وأكد المكتب أن محاسبة مرتكبي المجازر لا تخضع للمساومة أو التسويات السياسية، وأن حقوق الضحايا وذويهم لا تسقط بالتقادم، بل تظل قائمة ما دامت هناك إرادة لتحقيق العدالة، ومؤسسات قادرة على إنفاذ القانون وفق المعايير الوطنية والدولية.
وأضاف البيان: “دماء الشهداء أمانة في أعناقنا، وصفحات الألم التي خلّفتها المجزرة لن تُطوى قبل استكمال إجراءات المحاسبة القضائية الكاملة، دون أي انتقاص من الحقوق أو تمييع للمسؤولية الجنائية”.
وختم المكتب بيانه بالتأكيد على أن مجزرة الحولة ستبقى محفورة في الذاكرة الجماعية للشعب السوري، لا كجريمة فقط، بل كدافع للاستمرار في بناء دولة قائمة على المساءلة والكرامة وحقوق الإنسان، مشدّداً على أن تحقيق العدالة واجب لا يسقط بالتقادم، وضمان لعدم تكرار ما حدث في المستقبل.
اعتقال 5 متورطين في مجزرة الحولة
كشفت مصادر في وزارة الداخلية السورية لموقع تلفزيون سوريا أن الأجهزة الأمنية ألقت القبض على عدد من المتورطين في ارتكاب مجزرة الحولة.
وبحسب المصادر، فقد تمكّن جهاز الأمن العام، خلال الأسابيع الماضية، من اعتقال خمسة أشخاص تورّطوا في تنفيذ الجريمة، وتم نقلهم لاحقاً إلى مدينة تلدو في ريف حمص الشمالي، حيث أُجريت عملية تمثيل للجريمة داخل عدد من المنازل التي وقعت فيها عمليات الإعدام الميداني آنذاك.
وأفادت مصادر محلية أن العملية الأمنية نُفّذت بسرية، قبل أن يُعاد المتّهمون إلى مدينة حمص لاستكمال التحقيقات.
ونفت المصادر ما تداولته بعض صفحات التواصل الاجتماعي بشأن تنفيذ حكم الإعدام بحق الموقوفين، مشدّدة على أن الملف ما يزال قيد التحقيق.
مجزرة الحولة
قبل 13 عاماً، أصبحت منطقة الحولة شمال غربي مدينة حمص محطّ أنظار العالم، وتصدّرت أخبارها عناوين الصحف وشاشات التلفزة، وعُقدت لأجلها الاجتماعات وأصدرت الدول البيانات، وذلك بعد أن ارتكبت قوات النظام المخلوع مجزرة غير مسبوقة فيها، راح ضحيتها عشرات المدنيين، أكثر من نصفهم من الأطفال.
في صباح الخامس والعشرين من أيار عام 2012، وبينما كان سكان المنطقة يستعدّون للخروج بجمعة “يا دمشق موعدنا قريب”، بدأت الحواجز المحيطة بقصف الأحياء السكنية بقذائف الدبابات والهاون، وكان مصدر القصف حاجز الدوّار الذي يقع وسط مدينة تلدو، ومؤسسة المياه التي حوّلها الأمن العسكري و”الفرقة 11” إلى ثكنة عسكرية منذ الأيام الأولى للاحتجاجات.
ونجحت قوات النظام في فضّ المظاهرة بشكل سريع بعد تكثيف القصف على المنطقة عموماً ومحيطها خصوصاً، وهو ما أدّى إلى سقوط عدد من القتلى والجرحى، إلا أن ذلك لم يكن كافياً لوقف الضربات التي باتت تتركّز بشكل أكبر على الطريق الواصل بين مدينتي كفرلاها وتلدو، وعلى الأحياء السكنية في الأخيرة.
ومع غروب شمس ذلك اليوم، كثّفت قوات النظام من قصفها على مدينة تلدو، وركّزت على حي طريق السد والطرق المؤدية إليه، وهذا الحي يقع في الجهة الجنوبية من تلدو، ويُعدّ أحد أكثر أحياء المدينة قرباً من القرى الموالية للنظام، والتي كانت بمنزلة خزان بشري لقواته.
نجحت قوات النظام في عزل الحي عن باقي المدينة، وباتت تستهدف الطرق المؤدية إليه. في تلك الأثناء، بدأت تتوارد أنباء عن وجود ضحايا بسبب القصف المكثف على الحي، الأمر الذي دفع المدنيين إلى التوجّه إليه رغم سقوط القذائف في محاولة لإسعاف من يمكن إسعافه.
يقول محمد الحسن، وهو أحد الأشخاص الأوائل الذين تمكّنوا من دخول الحي، إنه “بعد عملية تسلّل تخلّلها قصف بالدبابات والرشاشات، تمكّنا من الوصول إلى المنازل الأولى في الحي، لنتفاجأ بتعرّض جميع قاطنيها للإعدام الميداني، ذبحاً بالسكاكين وبأدوات حادّة، أو ضرباً بحراب البنادق ورمياً بالرصاص من مسافة قريبة”.
وأضاف الحسن في حديث لموقع تلفزيون سوريا أن الشباب الذين دخلوا تمكّنوا من إخلاء عدد من الجثث ونقلها إلى المساجد والبرادات في مدينة كفرلاها لتكفينها ودفنها، في حين عجزوا عن الوصول إلى باقي المنازل وتفقّدها بسبب كثافة القصف.
ومع تقدّم الوقت، يشير محدثنا إلى أن القصف تجدد بكثافة أكبر، وبمشاركة الكلية الحربية في حي الوعر بحمص وكتيبة الدفاع الجوي القريبة منها، حيث كانت تخرج منهما الصواريخ وقذائف المدفعية الثقيلة، بالتزامن مع قصف بالدبابات من حاجز مؤسسة المياه الذي يقع على تلة مرتفعة جنوب شرقي تلدو.
ووثّقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان مقتل 108 مدنيين في ذلك اليوم، من بينهم 49 طفلاً و32 سيدة، منهم 83 شخصاً من عائلتي السيّد وعبد الرزاق.
الجدير بالذكر أن المجتمع الدولي أبدى في اليوم الأول للمجزرة ردّة فعل قوية ضد النظام المخلوع، حيث أدانتها الأمم المتحدة والجامعة العربية والاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي، كما قرّرت الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا وكندا وأستراليا طرد سفراء النظام وسحب بعثاتها الدبلوماسية من دمشق.
للمزيد: تابع موقع نبض الخليج ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر
مصدر المعلومات والصور : شبكة المعلومات الدولية