جدول المحتويات
«نبض الخليج»
تتجه محافظة السويداء جنوبي سوريا، على ما يبدو، نحو مرحلة حاسمة تتمثل بدخول قوات الجيش السوري والداخلية إلى مركزها، بعد تصعيد أمني غير مسبوق، انتهى خلال 24 ساعة بإجراءات ميدانية متسارعة وصدور ثلاثة بيانات رسمية دفعت المشهد إلى نقطة التحول، بدءاً من فرض حظر تجول، وإعلان دخول قوات وزارتي الداخلية والدفاع إلى مركز المدينة، وانتهاء بمواقف واضحة من الرئاسة الروحية للطائفة الدرزية تدعو إلى تسليم السلاح وترحب بدخول القوات الحكومية.
في غضون ساعات قليلة، انتقلت السويداء من حالة فوضى دامية سقط فيها عشرات القتلى والجرحى إثر اشتباكات بين فصائل محلية ومجموعات من البدو، إلى تحركات عسكرية وأمنية منظمة، معزّزة بتصريحات متزامنة من قادة الأجهزة الأمنية ووزارة الدفاع، تؤكد أن الحسم بات أولوية، وأن التنسيق قائم بين الجيش ووجهاء المحافظة لإنهاء ما وصفته البيانات بـ “الاشتباكات العبثية” والممارسات الخارجة عن القانون.
تزامن ذلك مع بيان شديد اللهجة من وزارة الدفاع، وصف فيه المتحدث باسمها، العقيد حسن عبد الغني، الوضع العسكري في السويداء بأنه “حالة اشتباك شديدة لكنها تتجه نحو السيطرة”، مشيراً إلى أن القوات المسلحة باتت على مشارف المدينة، وتنسق مع فصائل داخلية من أبناء المحافظة، تصريح جاء بعد ساعات من حدث أودى بحياة 18 عنصراً من الجيش السوري إثر تعرضهم لكمين من قبل مجموعات وُصفت بـ “الخارجة عن القانون”.
في موازاة هذا التصعيد، صدرت مواقف داعمة من الرئاسة الروحية للمسلمين الموحدين الدروز، رحّبت بدخول القوات الحكومية، واعتبرت أن حقن الدماء واستعادة الأمن يمران عبر بسط سلطة الدولة، داعية الفصائل المسلحة إلى تسليم سلاحها وعدم مقاومة القوات، كما دعت إلى فتح حوار مع الحكومة السورية لتدارك تداعيات ما جرى وتفعيل المؤسسات الرسمية في المحافظة.
ويبدو أن هذه التطورات، مدعومة بتحركات عسكرية على الأرض وغطاء سياسي وديني من داخل السويداء، قد وضعت حداً لحالة الفراغ والفوضى التي هيمنت على المشهد منذ أشهر، لتفتح الباب أمام مرحلة جديدة، وسط ترقّب لما ستسفر عنه الأيام المقبلة من نتائج على الصعيدين الأمني والإداري.
بداية الأحداث
بدأت الأحداث عند اندلاع اشتباكات عنيفة، صباح الأحد، في مدينة السويداء بين فصائل محلية ومجموعات مسلحة من عشائر البدو، ما أسفر عن سقوط عشرات القتلى والجرحى، إذ تركزت المواجهات في حي المقوّس شرقي المدينة، وسط توتر غير مسبوق، وتبادل للاتهامات بين الأطراف المتنازعة بشأن مسؤولية التصعيد.
وعلى إثر ذلك، قال وزير الداخلية السوري، أنس خطاب، إن “غياب مؤسسات الدولة، وخصوصاً العسكرية والأمنية منها، سبب رئيسي لما يحدث في السويداء وريفها من توترات مستمرة، ولا حل لذلك إلا بفرض الأمن وتفعيل دور المؤسسات بما يضمن السلم الأهلي وعودة الحياة إلى طبيعتها بكل تفاصيلها”.
بدوره، قال المتحدث باسم وزارة الداخلية السورية، نور الدين البابا، صباح الأمس: “الأمور تذهب باتجاه الحسم لصالح الدولة السورية ضمن الرؤية التي وضعتها رئاسة الجمهورية، ونتوقع أن يكون الأمر في محافظة السويداء محسوماً مع حلول عصر اليوم”.
وحققت قوات الجيش السوري والداخلية تقدماً سريعاً، إذ سيطرت على عدد من القرى ووصلت مع مساء الأمس إلى أعتاب مدينة السويداء، في حين قال الشيخ حكمت الهجري، أحد مشايخ العقل للدروز: “نحمّل كامل المسؤولية لكل من يشارك في الاعتداء على مناطقنا وأهلنا، وكل من يسعى إلى إدخال الأمن العام إلى مناطقنا، ونؤكد على طلب الحماية الدولية الفوري”.
من جهته، قال السياسي اللبناني والرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي، وليد جنبلاط: “نرفض نداءات الحماية الخارجية والإسرائيلية، ونتمنى أن يعود الأمن والوفاق إلى السويداء من خلال حل سياسي وتحت رعاية السلطة السورية التي نحن على تواصل معها”.
وبعد يوم من الاشتباكات، أكد المتحدث باسم وزارة الدفاع السورية، العقيد حسن عبد الغني، مقتل 18 عنصراً من الجيش بهجمات مجموعات مسلحة في السويداء، مشيراً إلى عزمهم على إنهاء الاشتباكات العبثية وملاحقة المجموعات الخارجة عن القانون في السويداء.
وقال في كلمة مصورة: “لقد آلم السوريين جميعاً وأحزن قلوبهم ما شهدته محافظة السويداء خلال الساعات الـ48 الماضية من اشتباكات محلية مؤسفة أدت إلى سقوط كثير من الضحايا والجرحى. جاءت هذه الأحداث نتيجة مباشرة لحالة الفراغ المؤسسي والإداري التي تعيشها المحافظة منذ عدة أشهر، والتي فتحت الباب أمام الفوضى والانفلات الأمني”.
ثلاثة بيانات غيّرت المعادلة في السويداء
خلال الساعات الأولى من صباح اليوم، شكّلت ثلاثة بيانات رسمية متتالية نقطة التحول الحاسمة في مشهد السويداء. البيان الأول صدر عن قائد قوى الأمن الداخلي في المحافظة، العميد أحمد الدالاتي، الذي أعلن صراحة عن بدء دخول قوات وزارتي الداخلية والدفاع إلى مركز المدينة، وفرض حظر تجول اعتباراً من الثامنة صباحاً، داعياً الأهالي إلى الالتزام التام بالبقاء في منازلهم، كما حمّل المرجعيات الدينية وقادة الفصائل المسلحة مسؤولياتهم الوطنية، مطالباً إياهم بالتعاون الكامل مع الدولة لضمان استقرار المحافظة.
وفي تطور لافت، صدر البيان الثاني عن الرئاسة الروحية للمسلمين الموحدين الدروز، ليمنح التحرك الحكومي غطاء دينياً واجتماعياً، إذ رحّبت الرئاسة بدخول القوات الحكومية، وأكدت أن استعادة الأمن تتطلب بسط سلطة الدولة عبر مؤسساتها، داعية الفصائل المسلحة إلى عدم المقاومة وتسليم السلاح، ومطالبة في الوقت ذاته بفتح حوار جدي مع الحكومة لمعالجة تداعيات ما جرى وتفعيل مؤسسات الدولة بالتعاون مع أبناء المحافظة.
البيان الثالث، والذي جاء كرد مباشر على بيان الرئاسة الروحية، صدر مجدداً عن العميد الدالاتي، مشيداً بموقف الشيخ حكمت الهجري، وواصفاً إياه بـ”الوطني والمسؤول”. ودعا البيان باقي المرجعيات والفعاليات الاجتماعية إلى اتخاذ موقف موحد يدعم تحركات الدولة، كما توجّه برسالة صريحة إلى قادة المجموعات المسلحة، مناشداً إياهم وقف أي تحركات تعيق دخول القوات وتسليم أسلحتهم، حفاظاً على السلم الأهلي وضماناً لأمن المواطنين.
وفي ضوء الأحداث المتسارعة التي شهدتها محافظة السويداء خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية، يبدو أن القرار بالحسم قد أُتخذ بالفعل، مع بروز ثلاث رسائل رسمية شكّلت أساس التحرك الميداني والسياسي، إذ قالت إدارة الإعلام والاتصال في وزارة الدفاع في تصريح لموقع تلفزيون سوريا: “بدأت قوات الجيش دخول مدينة السويداء”، وهو ما يشير إلى أن طي الملف بشكل نهائي مسألة وقت فقط.
فراغ إداري منذ سقوط النظام
منذ سقوط النظام المخلوع، بقيت محافظة السويداء خارج نطاق السيطرة المباشرة لأجهزة الحكومة التنفيذية، بما في ذلك الجيش السوري وقوى الأمن الداخلي، ما جعلها ساحة مفتوحة لتنامي قوى محلية وغياب سلطة الدولة التقليدية، ما أسّس لواقع خاص في المحافظة، تميّز بتركيبة محلية معقدة من الفصائل والمجموعات المسلحة.
وفي هذا السياق، حاولت فصائل محلية تنظيم صفوفها لمواجهة محاولات الحكومة استعادة السيطرة على المحافظة، مدعومة في ذلك برؤية حكمت الهجري، أحد مشايخ العقل لدى طائفة الموحدين الدروز، الذي عبّر مراراً عن استيائه من أداء الحكومة، وذهب إلى حد المطالبة بتدخل دولي.
ومع تواصل الغياب الرسمي، لم تبقَ تداعيات الفوضى داخل حدود السويداء فقط، بل امتدت إلى مناطق في محيط دمشق، مثل جرمانا وصحنايا وأشرفية صحنايا، التي شهدت هي الأخرى توتراً أمنياً واضطرابات مماثلة. إلا أن الدولة استطاعت لاحقاً حسم تلك الملفات عبر تدخلات أمنية مكثفة، في حين ظلّ وضع السويداء معلّقاً بين محاولات الاحتواء وخشية التصعيد.
للمزيد: تابع موقع نبض الخليج ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر
مصدر المعلومات والصور : شبكة المعلومات الدولية