«نبض الخليج»
في خضم التطورات المتسارعة التي تشهدها الساحة السورية، وتحديدا في محافظة السويداء، قدم الدكتور مروان قبلان، الباحث والأستاذ الجامعي، قراءة معمقة لما يجري، مؤكدا بصفته مواطنا سوريا ذي خبرة واسعة، أن ما يحدث ليس مجرد تفصيل ميداني، بل هو مظهر أو تجلٍّ لأزمة سياسية عميقة تمر بها البلاد. هذه الأزمة، بحسب قبلان، تدفع سوريا اليوم إلى أخطر مرحلة في تاريخها المعاصر، محذرة من خطر حقيقي يهدد بتفككها إلى “كنتونات طائفية” ما لم يتم تدارك الوضع.
عمق المشكلة ورفض الحل الأمني
يرى الدكتور قبلان أن الأزمة السورية الراهنة، التي انفجرت “ألغامها” تباعًا من الساحل إلى صحنايا وجرمانا وصولاً إلى السويداء، هي انعكاس مباشر لغياب الحل السياسي. وشدد على أن لا حل أمنيًا ولا حل عسكريًا للأزمة السورية. فلو تم حل الأزمة السياسية، لعادت الأطراف جميعها “طوعًا” إلى الدولة السورية. ويؤكد أن سوريا اليوم أبعد ما تكون عن استعادة وحدتها وسيادتها على كامل أراضيها، مع وجود قوى أخرى تراقب عن كثب ما يجري، مثل قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، مما يزيد من تعقيد المشهد ويجعل استعادة وحدة البلاد أصعب مما كانت عليه قبل أسابيع.
في هذا السياق، وجه قبلان نداءً ضمنيًا إلى القيادة السورية، مؤكدًا أن الرئيس أحمد الشرع يقف أمام “منعطف تاريخي”: إما أن يسجل له التاريخ تفكك سوريا، أو ينجح في إنقاذ وحدتها. ورفض فكرة حكم سوريا “كلون واحد” مشددًا على ضرورة الاعتراف بوجود أزمة سياسية عميقة.
مبادرة “مؤتمر الإنقاذ الوطني”: خارطة طريق نحو الحل
لوضع حد لهذا الانزلاق الخطير، طرح الدكتور مروان قبلان ما سماه “مؤتمر الإنقاذ الوطني” أو “الحوار الوطني الشامل”، معتبرًا إياه السبيل الوحيد لإطلاق أفق سياسي يدفع الناس إلى وضع السلاح. وتتضمن هذه المبادرة عدة خطوات محورية:
- وقف شامل لإطلاق النار ووقف التحريض: يجب أن يكون هناك وقف فوري لإطلاق النار بين كل الأطراف المتناحرة، وليس فقط بين بعضها، مع ضرورة وقف التحريض الطائفي المنتشر على وسائل التواصل الاجتماعي.
- بناء إجراءات الثقة: تبدأ هذه الإجراءات بـ”مبادرة وطنية متكاملة” قوامها مؤتمر الإنقاذ الوطني.
- مؤتمر جامع وغير شكلي: أكد قبلان أن هذا المؤتمر يجب ألا يكون “شكليًا” أو “مطبوخًا بسرعة” على غرار ما حدث في فبراير الماضي. بل يجب أن يدعى إليه “ممثلون حقيقيون” عن كل الفئات والمكونات والقوى السياسية السورية والأفراد السوريون، مؤكدًا على ضرورة التنظيم السياسي وليس دعوة أفراد لا يمثلون شيئًا.
- تشكيل حكومة وحدة وطنية: ينبثق عن المؤتمر تشكيل “حكومة وحدة وطنية” برئاسة الرئيس الشرع. يجب أن تضم هذه الحكومة ممثلين حقيقيين عن المكونات السورية المختلفة، ليس بالضرورة على أساس “المحاصصة الطائفية”، بل بتمثيل المكونات المجتمعية التي تشكو من التهميش والإقصاء.
- الاتفاق على شكل الدولة والدستور: يجب أن يستمر المؤتمر لأيام أو أسابيع أو حتى شهور للاتفاق على شكل الدولة والنظام السياسي. كما ينبغي تشكيل لجنة لوضع “إعلان دستوري جديد” ودستور دائم للبلاد، يشارك في صياغته ليس فقط الخبراء القانونيون، بل ممثلون عن القوى السياسية السورية المختلفة، كون الدستور “عقدًا اجتماعيًا”
تحديات رئيسية ومعالجات مقترحة
تطرق قبلان إلى عدة تحديات يجب مواجهتها:
- غياب العدالة الانتقالية والمساءلة: اعتبر أن عدم المحاسبة على الانتهاكات، سواء في عهد النظام السابق أو بعد سقوطه، يولد شعورًا بالمرارة ويدفع الأفراد لأخذ حقوقهم بأيديهم. وشدد على ضرورة أن تقوم الدولة بمسؤوليتها في تحقيق العدالة الانتقالية حتى يشعر الناس بالاطمئنان.
- ضبط القوات الحكومية: انتقد الانتهاكات التي حدثت بعد دخول القوات الحكومية إلى بعض المناطق، مثل الساحل والسويداء. وطالب بأن تسيطر الدولة على قواتها وتضبط عناصرها، محذراً: “يا أما ما ما في داعي ترسل”.
- دور إسرائيل والوحدة الداخلية: يرى أن إسرائيل تستغل الانقسامات الطائفية والمذهبية وعجز الدولة عن حماية مواطنيها، مقدمة نفسها “حامية”. لكنه أكد أنه يمكن عزل وتهميش الدور الإسرائيلي عبر الوحدة السورية الداخلية.
- خطر الوصاية الدولية: حذر من أن استمرار الوضع الحالي قد يؤدي إلى تدخل دولي أو وصاية دولية على سوريا، لأن العالم يخشى الفوضى فيها. وأكد أن المبادرة لا تزال في أيدي السوريين لحل مشكلاتهم بأنفسهم، وعليهم أن يقدموا تنازلات لبعضهم بعضا بدلاً من تقديمها للخارج.
- دخول قوات الأمن إلى السويداء: يأمل أن يكون دخول قوات الأمن إلى السويداء، وهو أمر “مطلوب” لفرض سيطرة الدولة، في إطار اتفاق سياسي. هذا الاتفاق يضمن أن يتم الترحيب بها كقوة حامية، لا أن تكون مصدر خوف من انتهاكات.
العقلانية طريق الإنقاذ
في الختام، شدد الدكتور قبلان على أن جوهر المشكلة هو أزمة سياسية وأزمة ثقة. وأن الحل يكمن في الحوار الشامل والمستمر بين جميع السوريين. مؤكدًا أن الوقت لم يتأخر بعد، وأن السوريين، بتاريخهم الحضاري ووعيهم، قادرون على التوصل إلى حلول لمشكلاتهم من دون الحاجة إلى وصاية خارجية.
للمزيد: تابع موقع نبض الخليج ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر
مصدر المعلومات والصور : شبكة المعلومات الدولية