«نبض الخليج»
رأت صحيفة الغارديان البريطانية في افتتاحيتها أن سوريا تقف اليوم أمام تحديات كبيرة رغم نهاية عهد طويل من الحكم السلطوي، وبدء مرحلة سياسية جديدة برئاسة أحمد الشرع. ورغم ما أثاره هذا التحول من آمال لدى كثير من السوريين، فإن الصحيفة حذّرت من أن الطريق إلى الاستقرار لا يزال محفوفاً بالمخاطر، في ظل تزايد التوترات الطائفية، وتعدد القوى المسلحة، وتداخل المصالح الإقليمية والدولية.
واعتبرت الصحيفة أن تجاوز آثار العقود الماضية يتطلب جهداً مضاعفاً على مستوى المصالحة المجتمعية وتحقيق العدالة. وأشارت إلى أن بناء الثقة بين السوريين، بمختلف أطيافهم، يستدعي خطوات واضحة لوقف الانتهاكات، ومحاسبة المسؤولين عنها، وتعزيز الحوار الوطني، مؤكدة أن حماية النسيج الاجتماعي هي الأساس لنجاح أي مشروع سياسي في سوريا.
يعرض موقع تلفزيون سوريا المقال في إطار التغطية الإعلامية للملفات المتعلقة بواقع الأمن في سوريا، مع الإشارة إلى أن ما ورد فيه يعكس رؤية الصحيفة ومصادرها، ويُقدّم كمادة تحليلية تساعد على فهم طريقة تناول الإعلام الدولي للملف السوري، دون أن يُعد توثيقاً شاملاً لكامل المشهد أو تبنياً لاستنتاجاته.
وفيما يلي ترجمة موقع تلفزيون سوريا لهذه المادة:
بعد خمسة عقود من حكم آل الأسد، وقرابة 14 عاماً من الحرب، أدرك السوريون بأن تحقيق مستقبل مشرق يحتاج إلى كفاح كما احتاج أمر إسقاط الديكتاتور، فقد رحب كثير من السوريين وبكل حماسة بقدوم الرئيس الجديد أحمد الشرع الذي كان في السابق أحد مقاتلي تنظيم القاعدة وقائداً لحركة هيئة تحرير الشام الثورية الإسلامية، في حين نظرت إليه الأقليات بتفاؤل حذر. والآن، أصبح العنف الطائفي يهدد الأمل الضعيف بغد أفضل على الرغم من صدقه.
في شهر آذار الماضي، قتل مئات المدنيين العلويين في مجزرة بالساحل، بعد كمين نصبه لقوات الأمن السوري مؤيدو الديكتاتور المخلوع، بشار الأسد، الذين ينتمون لطائفته نفسها. وخلال هذا الشهر، وقع نزاع بين أحد رجال العشائر البدوية وأحد أفراد الطائفة الدرزية في منطقة السويداء بالجتوب السوري، وسرعان ما جرى تصعيد الأحداث لتتحول إلى عنف طائفي مروع طال الجميع، وتورطت فيه قوات الحكومة السورية.
قتل مئات الأشخاص، بينهم مدنيون، بسبب الاشتباكات المسلحة والقصف والإعدام الميداني ثم بسبب الغارات الجوية الإسرائيلية. ولم يستغرب أحد سرعة تطور الأحداث وتصاعدها، وعجز الحكومة الجديدة أو عدم رغبتها بالسيطرة على جيش قوامه مجموعة من الميليشيات وأمراء الحرب.
أبدى الرئيس الشرع براعة في كسب تأييد جمهوره الأجنبي، لكنه لم يبد تلك البراعة عندما خاطب شعبه، كما أنه قدم لفتات بخصوص تبني الصفة الجامعة التي تمثل جميع أطياف الشعب السوري، ولكن من حيث الجوهر لم يكن ذلك واضحاً. ولذلك يتعين على قيادته التوفيق بين حالة تقوم على تناقض كبير، إذ يتعين عليه الاحتفاظ بتأييد قاعدة طائفية متطرفة، في وقت يحاول تنظيم الدولة الإسلامية وغيره استمالة عناصر وتجنيدها ضمن صفوفهم. كما يتعين على الشرع تطمين بقية أبناء وبنات البلد المقسم الذي أثخنته الجراح بخصوص قدرته على حمايتهم وتلبية احتياجاتهم الأساسية على أقل تقدير.
موقف خطر
استخدم الأسد الانقسامات الطائفية كسلاح لترسيخ حكمه، ولهذا فإن معظم السوريين يطالبون اليوم بجبر الضرر أو الانتقام بخصوص الانتهاكات التي ارتكبت في ظل النظام البائد. غير أن انتشار الأسلحة في كل مكان بعد سنوات الحرب ورغبة قادة الميليشيات بالدفاع عن مصالحهم تزيد من خطورة الموقف، كما تزيد من تلك الخطورة حالة التزاحم على الموارد الاقتصادية الشحيحة في هذا البلد.
تعمق هذا النزاع بسبب التدخل الإسرائيلي الذي حدث هذا الشهر بحجة حماية الدروز الذين يشكلون أقلية في إسرائيل، كما احتلت إسرائيل مزيداً من الأراضي وسعت بكل وضوح لتقييد الإمكانيات العسكرية السورية وتقويض قيادتها، ولذلك لم تكتف ضربة الأركان في دمشق بتوجيه رسالة مفادها: “هذا من أجل الأحداث التي وقعت في السويداء” بل أيضاً وجهت رسالة أخرى بخصوص النوايا الأكبر التي تضمرها إسرائيل، ولذلك سعت الولايات المتحدة التي أقرت بأن تقسيم سوريا لا يصب في مصلحتها، إلى كبح جماح إسرائيل ولابد لها من الاستمرار في ذلك.
مطالب أساسية محقة
في ظل هذا المشهد السوداوي، ماتزال رسائل الأمل موجودة، وتتمثل على وجه الخصوص في الجهود الشعبية المستمرة لمعالجة العنف الطائفي من خلال الحوار مع السعي لتحقيق العدالة الانتقالية، بما أن هاتين الأولويتين تتصلان ببعضهما بشكل لا يمكن فصم عراه، إذ من دون القضاء على الحصانة وحالة الإفلات من العقاب بحق من تسببوا بالأحداث التي وقعت خلال الشهور الماضية بل العقود الماضية، لن تحلم سوريا بخلق الثقة التي سيبنى على أساسها حوار مهم.
وبخصوص العدالة الانتقالية، تحدثت الحكومة السورية بأعذب الكلام، لكنها لم تورد بعد أسماء من تعتقد أنهم مسؤولين عن المجزرة التي وقعت في شهر آذار، على الرغم من ظهور أدلة تثبت تورطهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي فضلاً عن شهادات الشهود. ولقد أعلنت الحكومة السورية أنها “لن تبدي أي تسامح” تجاه أي انتهاك ارتكبه أي شخص في السويداء. بيد أن الأقليات التي أضحت مذعورة اليوم ترغب بأن ترى الدليل على ذلك بعد كل هذا التأكيد. لأن تحسين عملية المحاسبة والالتزام ببناء علاقات بين الطوائف ليسا مجرد ضمانة لمستقبل أسعد وأكثر ازدهاراً، بل إنهما حجر الأساس اللازم وضعه لبناء دولة ناجحة، وسوريا إن لم تبن على الجمع بين مختلف أطيافها وحمايتهم، فلن يكون أمامها أي أمل بالبقاء وتحقيق الازدهار.
المصدر: The Guardian
شارك هذا المقال
للمزيد: تابع موقع نبض الخليج ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر
مصدر المعلومات والصور : شبكة المعلومات الدولية