جدول المحتويات
«نبض الخليج»
نشرت مجلة ناشيونال إنترست الأميركية تقريراً تناولت فيه مستقبل سوريا بعد أكثر من عقد من الصراع، مشيرة إلى أنّ البلاد تقف اليوم أمام مرحلة حساسة قد تحدد شكل نظامها السياسي في السنوات المقبلة. التقرير استعرض التحديات التي تعيق بناء دولة مستقرة، بدءاً من غياب التسوية الشاملة مروراً بمخاوف عودة الفوضى وصولاً إلى التعقيدات الإقليمية والدولية التي ترسم حدود أي حل محتمل.
يعرض موقع تلفزيون سوريا هذا التقرير في إطار التغطية الإعلامية للملفات المتعلقة بواقع الأمن في سوريا، مع الإشارة إلى أن ما ورد فيه يعكس رؤية الصحيفة ومصادرها، ويُقدّم كمادة تحليلية تساعد على فهم طريقة تناول الإعلام الدولي للملف السوري، من دون أن يُعد توثيقاً شاملاً لكامل المشهد أو تبنياً لاستنتاجاته.
وفيما يلي ترجمة موقع تلفزيون سوريا لهذه المادة:
من المعروف عن العمليات الانتقالية التي تأتي بعد النزاعات بأنها تتم بغاية الصعوبة في المجتمعات التي خاضت حرباً طويلة الأمد، وتلك هي الحقيقة التي تبدت في سوريا للسوريين اليوم للأسف. إذ بعد أيام من الاقتتال الطائفي الذي ألقى جنوب البلد في أتون حالة من الاضطراب والفوضى، أصبح كثيرون يشككون من جديد بإمكانيات السلطات الجديدة المؤقتة في دمشق ومصالحها، والشكوك المحيطة بالسلطات المؤقتة باتت أبعد من قدرتها على التعهد بضمان المستقبل، بما يوحي بضرورة ممارسة قادة العالم لضغوطات منطقية إلى جانب إدخال تعديلات مهمة على سياساتهم فيما يخص الحكومة السورية وذلك من أجل تعديل المسار.
لحسن الطالع، انحسر الاقتتال في محافظة السويداء بين الدروز والعشائر البدوية من العرب السنة، إذ اتفقت الأطراف على وقف إطلاق النار في 20 تموز الجاري، على أن تشرف قوات الأمن الداخلي التابعة لدمشق على انسحاب مقاتلي البدو، والسيطرة على عملية الدخول إلى تلك المحافظة، إلى جانب نشر بعض القوات لتأمين المحافظة مع الفصائل الدرزية.
يمثل الدروز أكبر طائفة في تلك المحافظة، ويشكلون 3% من عدد سكان سوريا، وهنالك حضور قوي لكل من الدروز والبدو في السويداء، ولديهم تاريخ مشترك من الحرب والسلام، غير أن حالة انعدام الاستقرار أدت إلى نزوح ما لا يقل عن 93 ألف مدني من كلا الطرفين، كما تسببت بظهور أزمة إنسانية.
انتهاكات وتضليل إعلامي
مع الأسف، يمثل انتهاء العنف الخبر الوحيد الإيجابي بين تلك التطورات، إذ خلال مرحلة التحقق من الأرقام الرسمية، ثمة من يرجح مقتل المئات في تلك الأحداث، بينهم نساء وأطفال وعجائز. كما يرجح ارتكاب الفصائل الكبرى من كل الأطراف لانتهاكات لحقوق الإنسان، ولقد قام بعض المقاتلين بنشر ما ارتكبوه من جرائم عبر الإنترنت، ولهذا لا يمكن لأي طرف أن ينسب لنفسه التفوق الأخلاقي بعد كل ما حدث.
تسبب الممثلون الفاشلون والمخربون بزيادة الطين بلة وبمنع وقف الاقتتال والسيطرة على الوضع، بعد أن أصبحت سوريا تحتل المركز الأول في مجال التضليل الإعلامي، ولعل أوكرانيا هي الدولة الوحيدة التي تنازعها على ذلك المركز. وقد برز الوجه القبيح لتلك العملية من جديد عبر حملات التأثير السافرة التي حضت على الطائفية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ودفعت مزيداً من المقاتلين إلى التورط في هذا الاقتتال، وخاصة بين العناصر العربية السنية البدوية.
مشكلة غياب الثقة
والحقيقة هي أنه بعد رحيل الأسد، أصبحت التكتلات السياسية والعسكرية الكبرى تقيم هذا الميدان لضمان تأمين معسكراتها مع تحقيق أفضل نتيجة ممكنة. وبالنسبة للأقليات في سوريا، فإن ذلك يعني بقاء وجودها ضمن الأغلبية العربية السنية التي لا تثق تلك الأقليات بها، ويقوم هذا الموقف على تجربة مؤلمة بعد صدمات كثيرة، ويتبنى هذا الموقف نفسه حكام سوريا الجدد وغالبية الشعب السوري من العرب السنة الذين يؤيدونهم. والفرق بين الموقفين يتجلى في أن المجموعة الأخيرة تحس بأنها أضحت مبرأة من كل إثم وكل أخطائها مغفورة وذلك بعد الانتصار في الحرب، ولهذا تتوقع من الدولة التي صار السنة يديرونها اليوم أن تتمتع بسيطرة مركزية على كامل البلد.
في ظل هذا السياق، لا عجب أن يظهر العنف في السويداء، وهذا بحد ذاته أمر مؤسف، فقد عانى البلد من الانقسام طوال سني النزاع، وترسخت تلك الانقسامات بمرور الزمن. أما نظام الأسد فهو من غرس الشك والريبة طوال عقود من خلال نهجه الاستبدادي الكلاسيكي في الحكم والقائم على قاعدة فرق تسد. إلا أن ذلك لا يعني بأن السوريين لا يعتزون بتنوعهم، غير أن نتائج نموذج الحكم الشمولي لم تختف ببساطة بعد هزيمة الرئيس السابق بشار الأسد في كانون الأول 2024.
“أدلبة سوريا”.. السيناريو المستحيل
بعد مرور نحو 14 عاماً من القتال، بات من المفهوم عدم توحد القادة الكثر والفصائل المتعددة في هذا البلد على الفور، ولكن آن الأوان لتغيير هذه الآلية حتى تستعيد سوريا عافيتها وتعيش مرحلة انتقالية ناجحة بعد النزاع.
وفي نهاية الأمر يتوقف الأمر كله على رئيس سوريا المؤقت أحمد الشرع، إذ في الوقت الذي نتقبل منه بل نرى أنه من المنطقي بالنسبة له أن يطالب ببسط سلطة الحكومة المركزية على كامل البلد، فإن نهجه لتحقيق ذلك يولى أهمية كبرى. إذ لا تكفي البزة الرسمية ولا ربطة العنق ولا بضع كلمات معسولة لبناء الثقة على الفور مع الفسيفساء السورية التي تضم جماعات عرقية ودينية متنوعة. بل يتعين على الشرع إبداء حسن طويته تجاه تلك الجماعات، لا إظهار الريبة تجاهها، أي لا يجوز له تكرار نموذج إدلب على كامل سوريا، والمقصود بذلك تطبيق القوة المفرطة لإخضاع الناس.
ولهذا يتعين على الشرع أن يقوم بدلاً من ذلك بالتعامل مع الأقليات العرقية الرائدة وذلك عبر السماح لها بالسيطرة عبر اعتماد ديناميات أمنية محلية. كما يجب على حكومته كبح جماح الفصائل العربية السنية، وخاصة بعد أن انخرطت ضمن القوات المسلحة. وهذا النهج يتطلب مهارة وعناية، بما أنه ثمة سبب يمنع الشرع من الالتزام الكامل بتطبيق العدالة الانتقالية التي يمكن أن تؤدي إلى إدانة تلك الفصائل.
الخطر الأكبر على سوريا
دخلت كثير من الجماعات التي كانت في السابق عبارة عن فصائل من العرب السنة الجيش السوري الجديد كتكتلات كاملة، كان من بينها فرقة السلطان سليمان شاه وفصيل الحمزات اللذان يخضعان للعقوبات الأميركية ويتصفان بالوحشية والتطرف وانفلات العناصر. لذا فإن الخطر الأشد الذي يهدد الحكومة الانتقالية يتمثل بهذين الفصيلين، وليس بالأقليات التي اعتمدت في السابق على “الحماية” الزائلة الزائفة التي وفرها لهم نظام الأسد البائد، وذلك لأن الشرع لا يمكنه كبح جماح قوة هذين الفصيلين ونفوذهما، كما لا يمكنه محاسبتهما على ما ارتكبتاه من أمور وحشية اليوم من دون أن يهدد ذلك بقيام انتفاضة ضده، في وقت يحتاج الشرع للقوات العسكرية وللشرعية حتى يوطد حكمه.
غير أن المشكلة تتمثل أيضاً في خوف الشرع من بلقنة سوريا وتقسيمها في حال انسحاب فصائل الأقليات والعرقيات من المشهد، وفي ذلك خوف مشروع، بما أن دولاً مثل إسرائيل وإيران تتلهف لابتلاع أي جزء من سوريا في سبيل تحقيق مخططاتها الإقليمية. ولكن ينبغي على الشرع أن ينظر إلى تلك الجماعات بوصفها حليفاً محتملاً بوسعه مساعدته على خلق حالة توازن مع الفصائل العربية السنية، إذ عبر قيامه بذلك، بإمكانه أن يقطع الطريق على عناصر النظام البائد وعلى المخربين الساعين لإضعاف العملية الانتقالية في سوريا.
بيد أن هذا التحول يتطلب قفزة نوعية في الثقة، بما يتيح لفصائل الأقليات الانضمام للجيش كتكتلات كاملة، تماماً كما فعلت الجماعات العربية السنية. وتمثل هذه القفزة الخطوة اللازمة لكسب ثقة الأقليات السورية ولمجابهة أكبر خطر يهدد سلطة الشرع. ومن خلال ذلك، يمكن للشرع إطلاق عملية عدالة انتقالية ملائمة يعبر من خلالها للشعب السوري عن جديته في بناء سوريا الجديدة، بعيداً عن تكرار الكابوس نفسه الذي جثم على صدر البلد لعقود طويلة.
الدور الدولي في سوريا
ومن دول أي تدخل كبير، يمكن للدول الإقليمية والأجنبية أن تساعد الشرع على إعادة التوازن للوضع الأمني في سوريا، إذ لديها مصلحة كبيرة لتقوم بذلك، بعد تردي الوضع الجيوسياسي في الشرق الأوسط ونظراً لأهمية استقرار سوريا في تهدئة أوضاع المنطقة.
كما يمكن للعلاقات القطرية-السعودية التي بنيت على مدار السنين من خلال دفع الرواتب للفصائل ومدها بالسلاح، أن تسهم في كبح جماح الفصائل التي يستحيل ضبطها. وبوسع الولايات المتحدة تقديم حوافز اقتصادية أخرى تشمل تخفيفاً آخر للعقوبات، وإزالة أسماء بعض الدول من لائحة الدول الراعية للإرهاب، وإلغاء قانون قيصر برمته. وبإمكان واشنطن هي أيضاً أن تحث كبرى فصائل الأقليات وعلى رأسها قوات سوريا الديمقراطية على الالتقاء بالشرع عند نقطة وسط في خضم المفاوضات بينهما وذلك بهدف إعادة شمال شرقي سوريا إلى حضن دمشق. ويبدو بأن المبعوث الأميركي الخاص توم باراك يعمل على تحقيق هذا الهدف المرجو من خلال قنوات دبلوماسية.
ولتوضيح هذه النقطة نقول: لا ينبغي لإدارة ترامب تبني سياسة تشدد على بناء الدولة في سوريا، بعد أن فشل هذا النهج فشلاً ذريعاً في السابق، وتحول إلى لعنة على نظرة أميركا للعالم. ولكن، إذا كانت واشنطن تنظر إلى عملية الانتقال السياسي في سوريا على أنها عملية ضرورية وأساسية بالنسبة لسياستها الإقليمية، ويبدو أن ذلك هو ما يحدث، لذا يتعين عليها مواءمة ملف سوريا وطريقة التعاطي الأميركي بالشأن السوري مع حكومة الشرع ومصالحها، وهذا يعني دعم السلطة المؤقتة خلال العملية الانتقالية من خلال سبل تسهم بإنجاحها، وذلك من أجل دعم الهدف الأساسي لأميركا والذي تود تحقيقه على المدى البعيد، ألا وهو الانسحاب العسكري من تلك المنطقة.
المصدر: The National Interest
للمزيد: تابع موقع نبض الخليج ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر
مصدر المعلومات والصور : شبكة المعلومات الدولية