جدول المحتويات
«نبض الخليج»
وصل الرئيس السوري أحمد الشرع إلى الولايات المتحدة الأميركية في رحلة تاريخية، وصفت بأنها من النوادر التي يصل فيها رئيس سوري إلى نيويورك، ويعتلي منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة لإلقاء خطاب رسمي أمام زعماء العالم، بعد أكثر من نصف قرن على آخر خطاب لسوريا أمام الجمعية العامة.
وتأتي هذه الجولة في وقت حساس، حيث تلقّت الزيارة اهتماماً واسعاً محلياً وعربياً وعالمياً، وسط ترقب للنتائج والتوجهات التي قد تحدد مسار العلاقات السورية الدولية في المرحلة المقبلة. لا سيما أن الملفات المطروحة أمام الرئيس الشرع تشمل الأمن، مكافحة الإرهاب، الاتفاقيات الإقليمية، الاقتصاد، وملفات إنسانية معقدة تتعلق بالمعتقلين والمفقودين وعودة اللاجئين.
وتتركز الأنظار على هذه الزيارة كونها تمثل أول حضور رسمي لسوريا منذ عام 1967، مع لقاءات مرتقبة مع الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، ومسؤولين عرب ودوليين، في محاولة لتقديم صورة جديدة عن سوريا، وتعزيز فرص التعاون في ملفات الأمن والاستثمار وإعادة الإعمار، وسط تحديات داخلية وخارجية كبيرة تواجه الدولة السورية الجديدة.
أهمية زيارة الرئيس الشرع إلى نيويورك
تحمل زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع إلى الولايات المتحدة، وإلقاؤه خطاباً في الجمعية العامة للأمم المتحدة، رمزية تاريخية كبيرة، بحسب ما أكد الباحث في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، رضوان زيادة.
وقال زيادة في حديث لتلفزيون سوريا إن هذه الزيارة لها ثلاثة أبعاد رئيسية: أولاً، تاريخية كونها أول حضور لرئيس سوري منذ عام 1967. ثانياً، أنها تأتي مع لقاء محتمل مع الرئيس الأميركي، في خطوة لم يشهدها أي رئيس سابق منذ حافظ الأسد. وثالثاً، الجرأة السياسية التي أظهرها الرئيس الشرع في إدارة السياسة الخارجية، بما يشمل زيارة واشنطن وإلقاء خطاب أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في أقل من عام من توليه الرئاسة، رغم أن صورته كانت مرتبطة سابقاً بلائحة الإرهاب الأميركية.
وأشار زيادة إلى أن هذه الخطوة تعكس تغيراً دراماتيكياً في الوضع السوري، وتفتح الباب أمام تحسين العلاقات الدولية والاقتصادية، مع تسليط الضوء على دور الولايات المتحدة كقطب رئيسي في النظام الدولي. وهو ما يتطلب من سوريا التحرك بحذر ولكن بفعالية نحو إقامة علاقات مثمرة على مختلف الأصعدة.
ويرى زيادة أن زيارة الشرع تهدف إلى “تسويق سوريا الجديدة بعد عقود من تصويرها كدولة داعمة للإرهاب”، مشيراً إلى أن هذه الخطوة “ستفتح المجال للقاء عدد كبير من القادة العرب والدوليين، بما يعزز فرص التعاون والاستثمار في البلاد”.
بداية مسار جديد أم محطة بروتوكولية؟
تشمل زيارة الشرع عدة محاور رئيسية، ففي المجال الأمني، هناك محادثات حول اتفاق مع إسرائيل تحت إشراف أميركي، وهي مسألة حساسة تتعلق بالحدود والأمن الداخلي، وتستحضر ذكريات اتفاق فك الاشتباك لعام 1974.
من جانب آخر، تركز الزيارة على الجانب الاقتصادي، أبرزها العقوبات الأميركية، ولا سيما قانون قيصر، الذي يشكل عائقاً أمام أي جهود إعادة إعمار أو جذب استثمارات دولية. كما تتناول أيضاً الوضع الإنساني، بما في ذلك ملف المعتقلين والمفقودين وعودة اللاجئين، حيث تهدف دمشق لتقديم مقاربة تدريجية لإظهار جدية الدولة السورية في معالجة هذه القضايا.
ويشير المستشار السابق في وزارة الخارجية الأميركية، حازم الغبرة، في حديث لتلفزيون سوريا إلى أن زيارة الشرع ليست مجرد حدث بروتوكولي، بل اختبار جدي لالتزام الطرفين بفتح صفحة جديدة، وتحديد ما إذا كانت اللقاءات ستفضي إلى تفاهمات طويلة الأمد أم ستبقى تبادلاً للرسائل السياسية.
ويرى الغبرة أن الملفات الداخلية، مثل مكافحة الإرهاب وتأثير إيران، بالإضافة إلى الوضع الاقتصادي، تحتاج إلى متابعة حثيثة من الحكومة السورية، بينما تبقى الولايات المتحدة مهتمة بتسهيل رفع العقوبات وشروط السلام الإقليمي لضمان استقرار الوضع.
ووفقاً للغبرة، فإن زيارة الشرع “تمثل حدثاً تاريخياً بعد أكثر من نصف قرن لم يأتِ فيها رئيس سوري إلى الأمم المتحدة”، لكنه حذر من أن هذه الزيارة “ليست وقت الراحة، بل وقت مضاعفة العمل لحل مشاكل داخلية قد تُستغل من أطراف خارجية”.
كما شدد على أن “اللقاء المرتقب مع إسرائيل ربما يشمل اتفاقاً أمنياً لتجنب اعتداءات إضافية، وهو أمر أساسي لحماية الاستثمارات وتحقيق استقرار داخلي”، مشيراً إلى أن اللقاءات المرتقبة في الولايات المتحدة “تمثل فرصة لتسويق سوريا وإظهار صورة جديدة أمام المجتمع الدولي والمستثمرين، لكنها لن تحل كل المشكلات بشكل فوري”.
ويتوافق الدبلوماسي السابق، تحسين الفقير، مع ما ذكره الغبرة من ناحية أن زيارة الشرع “ليست مجرد حدث بروتوكولي، بل محطة فارقة تحمل رسائل للداخل السوري وللمجتمع الدولي”، مضيفاً أن “رفع العقوبات هو خطوة أساسية لإعادة الإعمار، والولايات المتحدة تبدو جادة في استخدام هذا الملف لتحقيق مصالحها ومصلحة سوريا معاً”.
وأشار الفقير إلى أن “الاستثمارات المستقبلية تتطلب استعداداً قانونياً وأمنياً مناسباً، والجيل القادم في سوريا يحتاج إلى برامج تعليمية تتوافق مع متطلبات السوق العالمية”، مضيفاً أن “المواطن السوري يجب أن يكون شريكاً في عملية البناء، وأن تساهم الجالية السورية والخبرات الخارجية في إعادة البناء والتطوير”.
الأبعاد الاقتصادية ورفع العقوبات
جاء رفع العقوبات في مقدمة الملفات الاقتصادية التي تُطرح بالتزامن مع الزيارة، خصوصاً قانون قيصر، والذي يتطلب تنسيقاً بين السلطة التنفيذية الأميركية والكونغرس. وفي هذا السياق، يشير الفقير في حديث لتلفزيون سوريا إلى أن استمرار العقوبات يمثل عائقاً أمام إعادة الإعمار، بينما رفعها يمكن أن يسرّع من انفتاح سوريا على الاستثمار الدولي وإعادة بناء اقتصادها.
وبحسب الفقير، فإن الولايات المتحدة تنظر بعين الجدية لهذه الخطوة، وأن هناك نية حقيقية لرفع العقوبات، لكن تنفيذ ذلك يحتاج إلى خطوات قانونية دقيقة لضمان ثقة المستثمرين، مع مراعاة الاستقرار السياسي الداخلي.
من جانبه، أكد الباحث رضوان زيادة أن زيارة الشرع تمثل فرصة لتسويق سوريا، ليس كسلعة، بل كدولة جديدة قادرة على جذب الاستثمار والثقة الدولية بعد عقود من العزلة والحرب. فصورة الدولة السورية كانت مشوهة في وسائل الإعلام الغربية والعربية على حد سواء، والوجود الشخصي للرئيس على منصة الأمم المتحدة يتيح إعادة تقديم الدولة للجمهور العالمي بطريقة جديدة، تركز على قدراتها واستقرارها النسبي، فضلاً عن فرص الاستثمار والتعليم والتبادل الثقافي.
التحديات الداخلية ومسؤولية الحكومة
رغم الأهمية الرمزية والتاريخية للزيارة، أكد محدثونا أن الطريق أمام الحكومة السورية لا يخلو من التحديات. فالقضايا الأمنية الداخلية، واستقرار مناطق الجنوب والشمال الشرقي والساحل، وإعادة بناء المؤسسات القانونية، تمثل أولوية قصوى لضمان نجاح أي تفاهمات دولية.
وفي هذا السياق، لفت الباحث رضوان زيادة إلى وجود “تحديات كثيرة تواجه الرئيس الشرع، خصوصاً في ما يتعلق بالشكل السياسي للنظام الداخلي وإشراك مختلف المكونات السورية في العملية السياسية”، معتبراً أن “الزيارة تهدف إلى تعزيز صورة سوريا الجديدة، لكنها لن تحل كل الملفات الداخلية مباشرة”.
من جهته، شدد المستشار حازم الغبرة على أن “أي نجاح في السياسة الخارجية مرهون بتحقيق توافق داخلي أولاً، ويجب معالجة الملفات الاجتماعية والسياسية لضمان استقرار الدولة”.
وأشار الغبرة إلى أن “هناك حاجة لعقد اجتماعي جديد ومؤتمر حوار وطني حقيقي لإشراك كافة المكونات في صياغة مستقبل البلاد، بما يضمن منع أي محاولات لاستغلال الثغرات الداخلية لتحقيق مكاسب خارجية”.
بدوره، يعتقد الفقير أن الحكومة السورية “تتعامل مع هذه التحديات بعقلية الصبر والتدرج، مع وضع الأمن في المرتبة الأولى قبل أي خطوة اقتصادية أو سياسية، والتأكد من عدم السماح لأي جهة خارجية باستغلال الأزمات الداخلية”.
زيارة تاريخية ومسار طويل
في المحصلة، تشكل زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع إلى الولايات المتحدة محطة مفصلية، تحمل رمزية تاريخية وأبعاداً سياسية وأمنية واقتصادية واجتماعية متشابكة. فإلقاء الخطاب أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بعد أكثر من خمسين عاماً يمثل فرصة لإعادة تقديم الدولة السورية على المسرح الدولي وفتح أبواب التفاهمات السياسية، مع التركيز على الملفات الداخلية الحيوية كالتعليم والأمن والقضاء على الإرهاب وإعادة بناء الاقتصاد.
وتشير التقديرات إلى أن النجاح الفعلي لهذه الزيارة لن يكون فقط في مستوى الرسائل الرمزية، بل في مدى قدرة الحكومة السورية على استثمار هذه الفرصة لتحسين الأوضاع الداخلية، وضمان استقرار سياسي وأمني، وتهيئة الظروف المناسبة لجذب الاستثمارات الأجنبية، بما يشمل إعادة تأهيل البنية القانونية والمؤسساتية، حيث تشير تصريحات الخبراء إلى أن أي خطوات على صعيد العلاقات الدولية لن تؤتي ثمارها إلا بموازنة دقيقة بين استقرار الداخل.
وفي الوقت ذاته، يبقى رفع العقوبات، خاصة قانون قيصر، والتوصل إلى تفاهمات أمنية مع إسرائيل، أبرز التحديات التي تواجهها دمشق في المرحلة المقبلة. إلا أن التفاهمات الأولية واللقاءات الثنائية تظهر جدية الأطراف في استكشاف فرص جديدة، مع الحفاظ على مصالح الدولة السورية وتحقيق استقرار طويل الأمد للشعب السوري.
وختاماً، يمكن القول إن زيارة الشرع التاريخية ليست محطة عابرة، بل بداية لمسار طويل من الحوار والعمل السياسي والاقتصادي، الذي قد يسهم في إعادة رسم العلاقات السورية الدولية والإقليمية، وفتح آفاق جديدة أمام سوريا في الداخل والخارج على حد سواء.
للمزيد: تابع موقع نبض الخليج ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر
مصدر المعلومات والصور : شبكة المعلومات الدولية