«نبض الخليج»
في القرى الجبلية الممتدة من ريف القرداحة وصولاً إلى مناطق قرى جبلة والصلنفة، يستيقظ العشرات من الأهالي يومياً مع خيوط الفجر الأولى، متجهين نحو الغابات الكثيفة وأطراف البساتين ليجمعوا أوراق الغار الخضراء.
هذه المهنة التي كانت في السابق جزءاً من العادات الريفية وموسماً جانبياً، تحولت اليوم إلى مورد أساسي للعيش، بعد أن ضاقت سبل الرزق وارتفعت تكاليف المعيشة بشكل غير مسبوق.
يعمل حسن جنيد وهو مساعد سابق في الجيش في الخمسينيات من عمره منذ أشهر في جمع أوراق الغار بعد أن فقد وظيفته.
وقال جنيد في حديث لموقع “تلفزيون سوريا”:” أجمع الغار منذ أكثر من عشر سنوات، لكن الفرق أنني في الماضي كنت أجمعه للاستخدام المنزلي فقط كهواية، أما اليوم فهو مصدر الرزق الوحيد لي ولعائلتي. أخرج صباحاً مع زوجتي وأعود مع غروب الشمس محمّلين بما تجود به الأشجار.”
ولا تقتصر مهنة جمع الغار على فئة عمرية محددة بل باتت مهنة للكثير من الشبان والنساء الذين يشاركون أيضاً في قطف الأوراق وفرزها وتجفيفها، قبل تعبئتها في أكياس تُباع في الأسواق الشعبية أو تُرسل إلى معامل صغيرة لصناعة الصابون والزيوت العطرية.
البطالة تزيد الإقبال على جمع الغار
وقال علي إبراهيم وهو من سكان قرى ريف جبلة لموقع “تلفزيون سوريا” إن سبب الإقبال على جمع أوراق الغار هو البطالة وضعف فرص العمل كما أن هذه الأشهر من العام هي المناسبة لجمع الأوراق قبل قدوم فصل الشتاء.
وأضاف أن أوراق الغار من المنتجات ذات الطلب المرتفع في السوق المحلية، وتُستخدم في المطبخ السوري كنوع من البهارات، كما تدخل في الصناعات التقليدية مثل صابون الغار، إضافة إلى الزيوت الطبية والعطرية.
تقول أم باسل وهي من سكان قرى القرداحة و أم لثلاثة أطفال تشارك في جمع الأوراق: “المهنة شاقة لكن لا نملك خياراً آخر، العمل قليل جدا ولا توجد فرص أخرى فكل ورقة غار نجمعها تساعدنا لتأمين حاجاتنا”.
من جانبه قال عبد المطلب غزال وهو أحد التجار في سوق جبلة إن سعر الكيلوغرام الواحد من أوراق الغار المجففة تباع بأسعار تتراوح بين 25 و40 ألف ليرة سورية حسب الجودة، وهو مبلغ يساعد العائلات على تغطية جزء من مصاريفها اليومية”. وأضاف:” كثير من البائعين يعرضون يوميا ما جمعوه على المحال ما أدى لتراجع الأسعار نسبيا”.
صعوبات ومخاطر تواجه العاملين
ورغم الفائدة الاقتصادية، يواجه الأهالي صعوبات عديدة، ومخاطر أبرزها مشقة العمل في التضاريس الجبلية، والمخاطر الناجمة عن تسلق الأشجار أو السير في الغابات الوعرة وانتشار الألغام.
من جهته، حذر المهندس الزراعي خالد حديد من الإفراط في قطف الأوراق بشكل عشوائي، وقال في حديث لموقع “تلفزيون سوريا” إن “قطع الأغصان الصغيرة أو الجمع المكثف يضعف الأشجار ويؤثر على قدرتها على التجدد، وهو ما يهدد مستقبل هذه الثروة الطبيعية إذا لم تتم إدارتها بشكل مستدام”.
وبين رائحة الغار العطرة التي تعبق في أرجاء الجبال الساحلية، وصوت أكياس النايلون الممتلئة بالأوراق الخضراء، تتجسد حكاية المدنيين في اللاذقية مع هذه المهنة البسيطة. حكاية تختصر معاناة العيش وابتكار وسائل الصمود.
شارك هذا المقال
للمزيد: تابع موقع نبض الخليج ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر
مصدر المعلومات والصور : شبكة المعلومات الدولية