«نبض الخليج»
ما من شك أبدًا أن المرحلة الآنية في سوريا، وبعد أن تم كنس نظام الفاشيست الأسدي وفرار بشار الأسد إلى موسكو، ومحاولة إعادة بناء سوريا، من قبل العهد الجديد، تقتضي من جملة ما تقتضيه بالضرورة، أن يتواجد في سوريا الحديثة، مجلسًا للشعب، أو مجلسًا تشريعيًا وطنيًا سوريًا، يقوم بواجباته القانونية والتشريعية والتمثيلية، ويعمل جاهدًا في بناء الدولة الوطنية السورية الجديدة، ومن ثم يعمل على إعادة رسم ملامح دولة عصرية معبرة عن السوريين بحق، وتعيد بناء أسوار الدولة السورية العالية والمتينة، بعد أن سبق وكانت قد انهارت كليًا ، وبكامل وجودها ، على يد حقبة طويلة من العسف والقهر، و سلب وهدر إنسانية الإنسان السوري. هذه الدولة التي لابد لها بكل تأكيد من أركان عدة، ولعل قيام المجلس القادم أو البرلمان السوري المعبر عن جموع الناس كل الناس، هو ما سيكون الخطوة المهمة والتي لا ضير أنها باتت ضرورية جدًا لاستكمال الصورة المفقودة، وترميم الدولة المتشظية والمفتتة، التي كانت قد وصلت إلى حالة ونموذج الدولة الفاشلة اقتصاديًا وقانونيًا، وأيضًا مجتمعيًا قبل تاريخ 8 كانون اول /ديسمبر الفائت.
لذلك فإن المهام كبيرة وضرورية، وهي التي تقع على كاهل هذا المجلس الجديد المزمع، ومنها كما يبدو إعادة إنتاج قوانين جديدة، تعبر عن المرحلة هذه، وتواكب حالة التغيير الكبرى الحاصلة، كي تكون متكئًا قانونيًا صلبًا لبناءات كثيرة في هذه الدولة، لعل من أهمها ضرورة وجود قانون حديث وعصري للأحزاب السياسية، يعيد إنتاج الحياة الحزبية في سوريا، على أسس جديدة وديمقراطية، تسودها روح الحرية والتعبير عن الرأي المختلف او الموافق ، كما تعبر عن مجمل الناس في سوريا الجديدة، بلا استثناء، هؤلاء الناس الذين تم تغييبهم قسرًا، أيام حكم المجرمين الاثنين حافظ الأسد وكذلك ابنه بشار الأسد.
يضاف إلى ذلك أهمية إيجاد وتشريع قانون جديد وعصري للمطبوعات وللإعلام الحر، الذي يتطلع إليه كل سوري، ليكون نافذته المهمة من أجل الولوج بحيثيات وأدوات العصر ما بعد الحداثة، كما يحبه السوريون. بعد أن عاش الشعب السوري 54 عامًا من المنع والحظر والملاحقة، عل الكلمة الحرة، حتى باتت سوريا كلها من ضمن نموذج جمهوريات الخوف التي نعرفها في تاريخ الدول في العالم.
هناك في سوريا الكثير الكثير من القوانين السورية التي علاها الصدأ، وباتت الأوضاع برمتها مواتية تمامًا لإعادة تحديثها كي تتمكن من مواكبة مخرجات العصر والمرحلة الآنية.
لكن السؤال مازال قائمًا، ويتداوله السوريون باستمرار: هل سيتمكن هذا المجلس التشريعي الجديد الذي أتى عبر ولادة قيصرية، وبانتخابات غير مباشرة، بهذا الشكل الذي تمظهرت فيه تجلياته، وتلك الاعتراضات الكثيرة على طريقة إنتاجه، من أن يسد الثغرة ديمقراطيًا ليكون معبرًا عن جموع الناس بحق ومن دون مواربة؟ وهل سيخرج فعلًا ويسير بعيدًا عن احتمالات وجود وهيمنة اللون الواحد فيه وضمن لجانه التي ستشكل وسوف تنبثق جوانيته.
يبدو أن الإجابة عن هذه الأسئلة مازالت صعبة، مع أن هذه الأسئلة مازالت مشروعة، وتدفع الجميع إلى النظر بعقلانية وموضوعية وروية، وصولًا إلى حالة ما بعد ذلك، حتى لا يكون هذا المجلس مؤقتًا كما هو منتج اليوم، وحتى تكون الانتخابات مباشرة وشعبية، وليست نخبوية، أو عن طريق لجان انتخابية كما هو الحال الآن، التي قد لا تكون معبرة عن متطلبات الشارع السوري المتحرك.
من الممكن أن نقول: إن المرحلة الحالية اقتضت ذلك، وأن الضرورات المرحلية المؤقتة أسهمت في إنتاج ورسم هذه الخيارات، من أجل أن يكون هناك ذاك الاستقرار الطبيعي، وبعدها يأتي سيأتي الدستور الدائم في سوريا لامحالة، وتكون كل الانتخابات موازية له ومعبرة بحق عن متطلبات الشعب السوري. وهذا كلام صحيح وواقعي، لكن أيضًا لابد من القول بكل صراحة وعقلانية وروية، من الضروري أن يكون زمن ووقت المؤقت قريبًا من التعبير عن محددات السوريين ومتطلباتهم، وأن يكون المجلس القادم المنبثق عن اشتغالاته ملبي إلى حد كبير لكل حيثيات وحاجات السوريين، الذين عانوا ما عانوا طوال 54 عامًا من السلب والنهب والفساد والإفساد. وهل يستطيع هذا المجلس التشريعي المؤقت أن يكون ملبيًا لكل تلك المتطلبات والحيثيات؟
مازال كل ذلك في قائمة الانتظار ليكون الحكم المنطقي والعادل بعد انبثاق هذا المجلس التشريعي ولترى آليات عمله، ومستوى الحرية المعطاة له، وحتى لا تكون نسبة الثلث التي سيجري تعيينها، بعيدة أيضًا عن متطلبات السوريين الكثيرة والمريرة.
لا شك أن المرحلة صعبة بل وغاية في الصعوبة، وهي حساسة وفي دواخلها المهام كثيرة وكبيرة، في حين ما يزال السوريون ينتظرون حلًا لمشكلة مستعصية وهي مشاركة أهلنا في المحافظات التي لم تشارك ضمن تضخم وتعدد الإشكالات الوطنية السورية، ولنتحدث بعقلانية وصراحة تامة فنقول: وفق المعطيات والتجليات، وقراءة المشهد السوري، خاصة في الجنوب/ السويداء وجبل العرب، وكذلك شمال شرقي سوريا، لا يبدو أن حلها بات قريبًا وتتعقد المسائل وتتراكم بعيدًا عن إمكانيات الحوار الوطني الشفاف والمطلوب.
إن عدم الحل وإمكانياته الواقعية الغائبة حتى الآن، سوف يسهم في لجم أي فكرة موضوعية لمثل هذا الحل الوطني ومن ثم مشاركة الجميع، جميع السوريين، وكل المحافظات السورية بلا استثناء، وكل الإثنيات وكل الأيديولوجيات وكل الطوائف، لأن سورية الواحدة الموحدة ستكون للجميع، وعلى هذا الجميع المساهمة في حل إشكالاتها الوطنية السورية، وإعادة رسم ملامح الوطن الواحد، وعقده الوطني الجامع والمأمول. فهل يتم وعي ذلك واستيعابه قريبًا كي نخرج من عنق الزجاجة ونعيد بناء الوطن السوري ديمقراطيا؟.
شارك هذا المقال
للمزيد: تابع موقع نبض الخليج ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر
مصدر المعلومات والصور : شبكة المعلومات الدولية