جدول المحتويات
«نبض الخليج»
عاد عماد الرواشدة إلى سوريا بحثًا عن أثر لعائلته المفقودة، بعد أن فرّ من الحرب عام 2014 واستقرّ في أيرلندا الشمالية. ورغم مرور أكثر من عام على آخر رسالة تلقاها من ابنه، الذي كان يحاول الوصول إلى أوروبا عبر ليبيا، لم يحصل على أي إجابة. الآن، يلاحق الأب المكلوم خيوط الأمل الأخيرة في بلد أنهكته الحرب والفوضى، متحديًا الغياب، والبيروقراطية، وصمت المؤسسات، وسط معاناة يعيشها آلاف السوريين ممن فقدوا أبناءهم واختفوا دون أثر.
غادر الرواشدة سوريا في عام 2014 في أثناء اندلاع الحرب، قبل أن يعاد توطينه هو وبعض من أفراد أسرته في أيرلندا الشمالية لاحقاً. بيد أن عدداً من أولاده وأحفاده ظلوا في الشرق الأوسط، حيث سافروا إلى ليبيا في العام المنصرم. فكان آخر خبر وصله عنهم في آب من عام 2024، ويخبرنا عماد بأن ابنه ذكر له بأنه تواصل مع أحد مهربي البشر ليساعدهم في الوصول إلى إيطاليا بواسطة قارب.
صور الأفراد المفقودين من عائلة عماد
والآن، عاد عماد إلى سوريا برفقة صحفية من بي بي سي وفريق التصوير الذي يعمل معها، وذلك للبحث عن إجابات حول ما حدث لتلك الثلة من أفراد عائلته والمؤلفة من عشر أشخاص.
يخبرنا عماد الذي سافر إلى ليبيا خلال العام الماضي من أجل المهمة نفسها، بأنه “لن يتوقف” عن البحث عن أهله المفقودين، أما ابنته وعد الرواشدة فتقول: “لقد ذهب من سجن إلى سجن، ومن ضابط الشرطة إلى المحامي سعياً لمعرفة ما حدث، من دون أن يتوصل إلى أي نتيجة نهائياً”.
وعد الرواشدة
كيف تفرقت عائلة عماد؟
في عام 2014، هربت عائلة الرواشدة من بيتها الذي يقع على تخوم محافظة درعا، مهد الثورة السورية، حيث انتقلت إلى لبنان، ثم استهدف بيتهم بالقصف فاندلعت النيران فيه.
أبنية وبنية تحتية مدمرة في سوريا بسبب القصف الجوي
وبعد مرور أربعة أعوام على ذلك، أعادت الأمم المتحدة توطين عماد وبعض من أهله في مدينة أوماه بمقاطعة تيرون. إلا أن ابنه الكبير حسن وابنته حنين لم يكونا ضمن العائلة التي نقلت جواً من لبنان إلى أيرلندا الشمالية في عام 2018.
عماد الرواشدة
كان الخامس والعشرين من شهر آب لعام 2024، آخر مرة سمعت فيها بقية العائلة في أوماه بخبر عن الشاب حسن وشقيقته حنين، إذ في رسالة صوتية سريعة، ذكر حسن بأن المهرب نقلهم إلى أحد الأماكن في تلك الليلة، عندما قال: “نحن في طريقنا بالسيارة متوجهين نحو مكاننا بإذن الله”.
نظراً لمثول خطر الغرق عند العبور أو خطر الاحتجاز على يد السلطات الليبية، لذا فإن اليأس هو الدافع الذي يحث كثيرين على خوض تلك الرحلة.
تعلق على ذلك إيلينورا سيرفينو، مديرة بعثة المنظمة الدولية للهجرة في سوريا، فتقول: “إن المشكلة في ليبيا على وجه الخصوص تتلخص بوجود عدد كبير من المهربين الذين يربحون أموالاً طائلة بفضل اليأس.. وهذا بالنسبة لأي شخص سوري يعني بأنه قد يصل إلى هناك ويقول: “لقد تمكنت من العثور على عمل وإقامة هنا”، أو أن يشعر بأنه بات قريباً جداً من أوروبا ولم يعد يفصله عنها سوى خطوة واحدة ليلتحق بأهله هناك، غير أن الرحلة خطيرة جداً”.
إيلينورا سيرفينو من المنظمة الدولية للهجرة
لكن هنالك خمسة أطفال ضمن تلك المجموعة من أهل عماد والتي أضحت مفقودة منذ عام ونيف.
والآن، وبعد حصوله على جواز سفر بريطاني، رجع عماد إلى سوريا في مطلع هذا الشهر في محاولة لتأمين مساعدة رسمية من أجل العثور على المفقودين من أهله.
راقب برنامج سبوتلايت الوثائقي على بي بي سي خطوات تلك الرحلة التي انطلق بها عماد ليحصل على جواب على أسئلته في سوريا، ذلك البلد الذي ما يزال على مشارف سلام هش، بما أن بعض المناطق ما تزال تخضع لحراسة من دوريات تسيرها ميليشيات مسلحة في الشوارع الخاوية، وفي مناطق أخرى من البلد، وجهت أوامر لطاقم بي بي سي بالرحيل، مخفورين بحراس مسلحين، وذلك لأنهم يمثلون تهديداً على أمن المنطقة.
جينيفر أوليري الصحفية في برنامج سبوتلايت في بي بي سي أثناء سفرها إلى سوريا في مطلع هذا الشهر
يحاول عماد جاهداً التوصل إلى إجابات على تساؤلاته، لكنه يخبرنا بأنه لن يعود للعيش في سوريا، ويقول: “هنالك أشخاص قالوا لي: “كل عائلتك ماتت، وقد أكل السمك صغارك”.
ومما يزيد ألمه حرقه رحيل ابنه بحادث دراجة نارية في لبنان، إلى جانب مقتل شقيقيه في الحرب بسوريا.
أما معاناته بسبب من فقد من أهله فتمثل ألماً انتاب آلاف العائلات في مختلف أرجاء بلده حيث أصبح نحو 100 ألف إنسان في عداد المفقودين منذ عام 2011.
عماد لن يقبل بدخول بيته على مشارف درعا حتى يعرف ما حل بأهله
في دمشق قابل عماد فريق الهلال الأحمر العربي السوري، وهي إحدى المنظمات التي تعمل على منظومة تقوم بتعقب آثار المفقودين، وذلك ليجمع مزيداً من المعلومات عن أهله، وهناك ذكر الدكتور محمد سكر من الهلال الأحمر بأن: “بعض الأهالي لديهم أقرباء مفقودين بسبب النزاع المسلح، وبعضهم بسبب الهجرة، لذا فإن المشكلة مختلطة ومعقدة بالنسبة لجميع الأهالي.. وهدفنا النهائي هو معرفة مصير ومكان الشخص المفقود، أي أن ما نتحدث عنه هو المصير، والمقصود بذلك هل الشخص حي أم ميت”.
في تصريح لبي بي سي، أكدت السفارة الليبية بدمشق معرفتها بقضية عماد، كما أكدت على تقديمها كل الدعم الإنساني والقنصلي له ولعائلته.
عماد في لقائه لأفراد من الهلال الأحمر العربي السوري
ألم ومعاناة
تحاول عائلة الرواشدة أن تعيد بناء حياتها من جديد في مدينة أوماه، ولهذا صادقت مايكل غالافار الذي قتل ابنه بهجوم حقيقي بقنبلة نفذه الجيش الجمهوري الأيرلندي عام 1998، فأسفر عن مقتل تسعة وعشرين شخصاً بينهم امرأة حامل بتوءم.
يعلق غالافار على ذلك بقوله: “لكل منا ألم يعاني منه في حياته، والناس ينصحونه بتجاوز ذلك الألم، لكن المرء لا يطيق ذلك، ولهذا فإن تعلم إدارة الألم بطريقة أفضل بكثير من طريقتك هو خير سبيل لمعالجة الأمر، وهذا ما يجعلني أحس بما تقاسيه عائلة عماد، أي أنني أشهر بالألم والمعاناة التي لم نشهدها في هذا البلد”.
عماد برفقة صديقه مايكل غالافار
أمضى غالافار عقوداً وهو يبحث عن معلومات حول مقتل ابنه، وما يزال الأمل يحدوه في التوصل إلى إجابات بخصوص وفاة ابنه من خلال تحقيق عام طال انتظاره وجرى فتحه للبحث في ملابسات التفجير الذي وقع بأوماه، وعن ذلك يقول: “كنت أريد أن أعرف كيف خرجت الأمور عن مسارها الطبيعي، وأعتقد بأن ما يحتاج عماد لمعرفته هو أن يعرف إن كان أفراد عائلته أحياء أم أموات، ومعرفة مكانهم في حال كانوا أمواتاً”.
وهكذا، تعاهد الأبوان اللذان كانا ضحيتين لنزاعين مختلفين، بتقديم الدعم للآخر في البحث عن إجابات حول ما حدث لأحبائهما.
المصدر: BBC
للمزيد: تابع موقع نبض الخليج ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر
مصدر المعلومات والصور : شبكة المعلومات الدولية