جدول المحتويات
«نبض الخليج»
لا تزال جرمانا “المدينة التي لا تنام” في جنوب شرقي العاصمة، هكذا يسميها أبناؤها وأهالي دمشق؛ إذ تبقى -وعلى عكس بقية المناطق في دمشق وريفها- حتى ساعات متأخرة من الليل، بأسواقها ومطاعمها وسهرات سكانها.
شائعات كثيرة تلك التي طالت المدينة في الآونة الأخيرة، ولا سيما بعد التوترات الأمنية فيها وفي صحنايا وبعد أحداث السويداء في تموز/يوليو الفائت.
وكان من الشائعات التي ظهرت على مواقع التواصل الاجتماعي تلك المتعلقة بتغيير ديموغرافي قيل إنّ المدينة تشهده من خلال بيع بعض الأهالي لمنازلهم بأسعار زهيدة في شكل من أشكال الهرب أو النجاة أو النزوح، عبر إعلانات انتشرت بكثافة على مواقع التواصل الاجتماعي، وتحديداً على مجموعات العقارات الفيسبوكية.
حاورنا في موقع تلفزيون سوريا عددا من الأهالي في جرمانا ولجنة الوقف ومجموعة العمل الأهلي للتأكد من صحة الأمر والوقوف على أسبابه.
عرض كبير وطلب قليل
معظم من التقاهم موقع تلفزيون سوريا في جرمانا ولا سيما من أصحاب المكاتب العقارية والمحلات التجارية، أجمعوا على ازدياد العرض على العقارات في الفترة الأخيرة، مع انخفاض واضح في الطلب، وعزا كلّ منهم ذلك إلى أسباب يراها من زاويته ومن نوعية عمله أيضاً.
وبينما يرى مؤيد الحيالي وهو صاحب مكتب عقاري أن التوترات الأمنية كانت سبباً في عزوف عدد كبير من الناس عن العيش في جرمانا واتجاههم إلى مناطق وسط العاصمة، كان لزميله في المهنة، مروان الحلبي رأي آخر؛ فازدياد العرض ناتج عن لجوء الناس إلى بيع بعض عقاراتهم أو محلاتهم من أجل تسيير أمور حياتهم ولا سيما مع استمرار حبس السيولة وتعذُّر الوصول الكامل إلى مدخراتهم وأموالهم في البنوك.
يقول مروان لموقع تلفزيون سوريا “كنا نعمل في مجال السياحة من خلال مكاتب السفر في جرمانا، وبعد توقف الرحلات القادمة من العراق تحديداً؛ توقفت أعمالنا بشكل شبه كامل، وهو ما دفعنا إلى بيع بعض أملاكنا العقارية لسدّ احتياجات الحياة”.
أما (معاذ. م) الذي يملك مكتباً عقارياً في جرمانا أيضا، فقد أشار إلى أنَّ ازدياد العرض نتج عنه انخفاض ملحوظ في أسعار العقارات في جرمانا ولا سيما بعد سقوط النظام. ويذكر معاذ مثالاً لموقع تلفزيون سوريا “أحد البيوت الواقعة في بداية جرمانا عند القوس وتحديداً أمام فروج الزين، كان معروضاً قبل سقوط نظام الأسد بـ 600 مليون ليرة سورية، وبيع في شهر تموز الفائت بـ 270 مليون ليرة سورية”.
بينما أرجع التاجر إياد عبود زيادة العرض إلى مخاوف الناس عموماً من الشراء بحسب قوله؛ وذلك لأنّ سوق العقارات يشهد اضطراباً ولا سيما مع الوعود بإعادة الإعمار ودخول الشركات الأجنبية إلى السوق، وهو ما يدفعهم إلى الاعتقاد بأن أسعار العقارات ستنخفض لاحقاً ولا داعي للتسرع بالشراء في الوقت الراهن.
يقول إياد لموقع تلفزيون سوريا: “السوق (داقر) والأسعار اختلفت كثيراً بالنسبة إلى العقارات في جرمانا منذ السقوط، وفي العموم هناك خوف من دفع المال والتسرع بالشراء لدى كثير من الناس ولا سيما مع ضبابية مشهد إعادة الإعمار حتى الآن”.
ما علاقة “إعادة الإعمار”؟
عقب سقوط النظام، عادت عائلات من النازحين في جرمانا إلى بيوتها الأصلية لترميمها والعيش فيها وتحديداً إلى مناطق غوطة دمشق ودير الزور.
وخلال السنوات الماضية توافد عدد كبير من أبناء ريف دير الزور وتمّلكوا شققاً وعقارات في ريف دمشق، ولا سيما في جرمانا لكونها قريبة من دمشق والمتحلق الجنوبي وطريق المطار، فضلاً عن انخفاض قيمة العقارات والإيجارات إذا ما قورنت بالأسعار في وسط دمشق آنذاك.
وبحسب ما نقلته صحيفة “الحرية” عن مكتب تنسيق العمل الإنساني في دير الزور فإنَّ إجمالي عدد العائلات المهجرة العائدة لمحافظة دير الزور هو 9247 عائلة من مختلف أنحاء سوريا.
في حديثه لموقع تلفزيون سوريا، يقول محمد فارس إنّه عاد إلى بيتهفي بلدة العشارة بريف دير الزور الشرقي منذ قرابة أربعة أشهر، وذلك بعد عودة عدد كبير من أبناء العشارة إلى منازلهم وإصلاح حال الكهرباء وتحسن الخدمات هناك.
ويتابع بأنه كان قد انتقل إلى جرمانا هرباً من القصف بعد سيطرة داعش على منطقتهم، وفرض التجنيد الإجباري على الشباب آنذاك. يقول “قرابة 90% من الأهالي عادوا إلى العشارة بعد التحرير من مختلف المناطق في مطلع العام الجاري، ولا سيما أن النظام المخلوع كان يعرقل الموافقات الأمنية على العودة إليها سابقاً”.
وأيضا عقب سقوط النظام عاد عدد كبير من أهالي الغوطة الشرقية إلى بيوتهم لإصلاحها وترميمها بدلاً من الاستمرار في دفع الإيجارات والاضطرار إلى التنقل بين الحين والآخر مع انتهاء عقد الإيجار، وهو ما أخبرنا به أصحاب المكاتب العقارية الذين أكدوا خروج عدد كبير من أهالي الغوطة ودير الزور من جرمانا، فضلاً عن خلو بيوت العراقيين.
محمد ضياء كرنبة المنحدر من عربين، كان قد ترك بيته في سنوات الثورة الأولى بعد أن استخدمت قوات النظام المخلوع الغاز المسيل للدموع، إذ أصيب طفله حديث الولادة بمشكلات في عينيه واضطر إلى معالجته آنذاك لأكثر من 7 أشهر.
ويتحدث كرنبة لموقع تلفزيون سوريا عن معاناته خلال معالجته ابنه الرضيع، إذ كان جيش النظام الذي حاصر عربين آنذاك يمنعه في بعض المرات من الدخول إلى منزله، ما اضطره لاحقاً إلى استئجار منزل في منطقة القريات بجرمانا وبقي فيها حتى سقوط النظام.
يقول كرنبة: “كنت أعيش في ساحة عربين، وخرجت منها بعد مرض والدي وولدي، وعندما تحررت البلاد قررت العودة إلى منزلي لترميمه والعيش فيه بعد أن سرق جيش النظام كلّ ما فيه وكانت قذيفة هاون قد أضرّت بجزء منه”.
بينما ذكر إياد عبود أن بعض السوريين يعرضون عقاراتهم للبيع للسبب نفسه الذي يجعل آخرين يعرضون عن الشراء، وهو توقعات انخفاض أسعار العقارات.
يقول إياد لموقع تلفزيون سوريا “يعرض البعض بيوتهم للبيع في الوقت الحالي لاعتقادهم أن قيمة الشقة الواحدة اليوم ستمكّنهم من شراء شقتين لاحقاً بمجرد انطلاق مخططات إعادة الإعمار، وهو ما يزيد بشكل تلقائي العرض في السوق على حساب الطلب”.
كما أكّد عدنان حمامي الأمر نفسه واصفاً إياه بـ “وهم مشروع الإعمار الجديد” وهو ما دفع -بحسب رأيه- عددا كبيرا من الناس إلى بيع بيوتهم قبل انخفاض أسعارها لاحقاً ولا سيما مع الحديث الدائم عن مشاريع الإعمار في مناطق مثل داريا والمعضمية.
يقول حمامي لموقع تلفزيون سوريا “لا تزال المشاريع حتى الآن على الورق، نحن نأمل بأن تنفذ مخططات الإعمار بأسرع وقت، أما عن بيع العقارات في جرمانا، فالبعض يقول لنفسه: أبيع شقة اليوم وأشتري بسعرها محضراً كاملاً بعد الإعمار”.
ركود في السوق ولا نزوح
يرفض بعض أهالي جرمانا ما أشيع عن وجود عائلات تركت منازلها واتجهت نحو قراها، ويصفون ما حدث بأنه تنقل أو زيارات طبيعية بين قراهم الأصلية ومكان سكنهم في جرمانا أو دمشق.
يقول الخياط هيثم عازر لموقع تلفزيون سوريا: “لدي جيران أغلقوا بيوتهم وقرروا الذهاب إلى قراهم في السويداء مثلما يفعلون في كل صيف، وهذه زيارات اعتيادية ولم يبيعوا بيوتهم أو يتركوها بشكل كامل”.
وأوضح حسام نعمة الذي يملك محلاً تجاريا في جرمانا، أنه وبحسب متابعته لسوق العقارات فلا تغير في العرض والطلب، إنما هناك ركود شبه كامل في حركة البيع والشراء، ويعزو نعمة ذلك إلى ضعف السيولة لدى الناس وانتظارهم استقرار السوق.
يقول نعمة لموقع تلفزيون سوريا “جرمانا تحتاج اليوم إلى انتعاش الحياة الاقتصادية فيها مجدداً، فقد تحولت من منطقة سياحية إلى بؤرة للبطالة وتوقف الأعمال وضجر واستياء الأهالي، ولهذا دلالات سيئة مستقبلاً إذا استمر الوضع كذلك”.
ما علاقة العراقيين؟
تقاطعت إجابات معظم من التقاهم موقع تلفزيون سوريا عند فكرة يرددها أهالي جرمانا عموماً، وهي “توقف السوق” بعد إيقاف الرحلات السياحية من العراق إلى سوريا.
يشير إياد عبود لموقع تلفزيون سوريا أن منزلين عائدان لشخص عراقي كان قد اشتراهما قبل سقوط النظام في جرمانا بقيمة 80 ألف دولار أميركي في حارة النوافير بالقرب من مول كلاس جرمانا، بيعتا قبل أيام معدودة بمبلغ 43 ألف دولار للشقتين؛ والسبب في انخفاض السعر إلى النصف تقريباً هو عدم استفادة صاحبهما منهما ولا سيما أنه في العراق حالياً ومع توقف دخول العراقيين إلى سوريا أيضاً.
وبالاستفسار أكثر عن الأمر، أوضح (معاذ. م) الذي يملك مكتباً عقارياً أن السوريين والعراقيين على حدّ سواء كانوا يتملكون بيوتاً في جرمانا من أجل تأجيرها بشكل يومي أو أسبوعي؛ ما يعني أرباح خيالية مقارنةً بطرح المنزل للإيجار الشهري أو السنوي.
يقول معاذ لموقع تلفزيون سوريا “كان بعض أصحاب الشقق يؤجرونها للعراقيين بمبالغ تصل إلى 600 و800 ألف ليرة سورية للشقة المفروشة يومياً، وهو ما يعني مدخول قد يصل إلى 10 مليون ليرة سورية في الشهر الواحد”.
واندفع عدد كبير إلى استثمار مدخراتهم في عقار للإيجار وذلك بعد الانتعاش الكبير الذي شهدته جرمانا من ناحية سياحة العراقيين في سوريا، ليجدوا نفسهم أمام ركود مستمر في سوق العقارات في الآونة الأخيرة وهو ما دفع بعضهم إلى عرض هذه الشقق “الإضافية” للبيع.
يقول عدنان الحمامي لموقع تلفزيون سوريا “من لديه ثلاث أو أربع شقق، اضطر في الأشهر القليلة الماضية إلى عرض إحدى هذه الشقق للبيع ولا سيما مع بقائها فارغة وعدم الاستفادة منها بتأجيرها، والدافع الأكبر لبيع العقارات هو الحاجة إلى الصرف وضعف السيولة والكاش بين أيدي الناس”.
مضايقات لا إفصاح عنها
ونفى الشاب سامح حسن المنحدر من دريكيش والمقيم في جرمانا، وجود “نزوح جماعي” في جرمانا أو غيرها -بحسب قوله- على الرغم من وجود بعض المخاوف من الأوضاع الأمنية في عموم سوريا وهي لا تقتصر على جرمانا، مؤكداً أن المشكلة الأكبر اليوم هي الوضع الاقتصادي.
يقول سامح لموقع تلفزيون سوريا: “الحل الوحيد هو تيسير الأعمال وانتعاش مصادر الدخل من جديد، يجب أن ينشغل الناس بأعمالهم حتى يتناسوا خلافاتهم، استقرار الوضع الاقتصادي سيحقق بشكل طبيعي استقراراً أمنياً بدلاً من البطالة وانتشار المتسولين وازدياد السرقات”.
جرمانا تحتضن أهالي السويداء
ومع نفي عدد كبير من الأهالي وجود “نزوح جماعي” من جرمانا باتجاه السويداء، أكدوا في الوقت نفسه على انتقال عدد كبير من أهالي السويداء إلى جرمانا في الفترة التي شهدت فيها السويداء وريفها توترات أمنية واشتباكات.
في حديثه لموقع تلفزيون سوريا، أكد بيان قسام، المنحدر من السويداء والمقيم في جرمانا، أن أهالي جرمانا لا يزالون في بيوتهم ويعيشون بشكل طبيعي كما استُقبل أهالي السويداء في بيوت ذويهم أو في بيوت للإيجار. يقول بيان “قدمت الجمعيات الأهلية بالتعاون مع لجان جرمانا مساعدات غذائية ومعونات مالية للوافدين من السويداء خلال الأسهر الماضية”.
وبسؤال مجموعة العمل الأهلي في جرمانا، أوضح مكرم عبيد لموقع تلفزيون سوريا أن بعض أهالي السويداء لجؤوا إلى جرمانا خلال الأحداث العنيفة في قراهم، وكان معظمهم من أصحاب الأمراض المزمنة، وطلاب الجامعات وأيضاً من العائلات التي تضررت منازلها هناك.
كما أوضح رئيس مجموعة العمل الأهلي ذوقان نصر، أن الحالات الصحية جاءت إلى جرمانا بسيارات الهلال الأحمر العربي السوري، أما طلاب الجامعات فقد جاؤوا من السويداء وحلب واللاذقية بعد تعرضهم لمضايقات ومخاوفهم من البقاء هناك، ثم توجهوا إلى بلداتهم في السويداء لاحقاً، أي إنّ ذلك كان مؤقتاً ريثما هدأت التوترات الأمنية.
وافدون من السويداء في جرمانا
كما التقى موقع تلفزيون سوريا بلجنة الوقف المؤلفة من 11 عضو، والتابعة للهيئة الروحية لطائفة الموحدين الدروز في جرمانا، وصرح سمير بركات من لجنة الوقف أنَّه تمّ إحصاء 700 اسم للوافدين من السويداء إلى جرمانا، قدمت لهم مساعدات تتضمن وجبات الطعام والمعونات التموينية والأدوات المنزلية، إلى جانب الحقائب المدرسية الموزعة على 265 طالب بمختلف الأعمار.
يقول سمير بركات لموقع تلفزيون سوريا “على الرغم من المساعدات المقدمة إلا أن هناك عوز حقيقي لدى العائلات الوافدة إلى جرمانا ولا سيما بالنسبة لأصحاب الأمراض والحالات الصحية الصعبة”.
وعن الجهات التي ساهمت في تقديم الدعم، ذكر مكرم عبيد عضو مجموعة العمل الأهلي، أن مؤسسات مثل “مؤسسة الفزعة المسيحية” ومؤسسة “نور” التابعة للمجلس الإسماعيلي الأعلى ودير الخليل ودير جرمانوس، جميعها تدخلت لتقديم مساعداتها لأبناء السويداء وأبناء جرمانا أيضاً.
للمزيد: تابع موقع نبض الخليج ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر
مصدر المعلومات والصور : شبكة المعلومات الدولية