«نبض الخليج»
دخلت القيادة السورية الجديدة في مفاوضات صعبة ومعقّدة مع “قوات سوريا الديمقراطية” وتوابعها، من دون أي نتيجة عملية ومرضية حتى الآن، ولا مؤشرات على أن الأمور ستتغيّر قبل انتهاء مهلة نهاية العام الحالي. هدف “قسد” هو لعب ورقة الوقت وتبدّل الظروف الميدانية والسياسية، واختيار المفاوضين القادرين على إدارة المرحلة أكثر من البحث عن اختراق حقيقي في التفاوض مع دمشق.
بعد صالح مسلم ومظلوم عبدي وإلهام أحمد، برز اسم سيبان حمو هذه المرة كواحد من القادة المؤثرين في “قسد” و”وحدات حماية الشعب”. مشكلة الحكومة السورية ليست في الجلوس مع الأسماء التي ترسلها القامشلي لمحاولة التقريب بين وجهات النظر، بل في التعامل مع كوادر تعرف جيدًا ما هو دورها والخطوط الحمراء التي لا يمكن تجاوزها، واستحالة المساومة على تقديم تنازلات لا تملك هي القرار بشأنها.
لن تفرّط قيادات شمال شرقي سوريا بمشروعها منذ انطلاق الثورة السورية، حتى وإن كانت على قناعة بعدم واقعيته أو صعوبة تطبيقه. فالإصرار على مشروع “الإدارة الذاتية” لا يقلّ عن الاستقواء برقم مئة ألف مقاتل، ولا عن التمسك بالدفاع عن حقوق “المكوّن العربي” داخل الجغرافيا السورية التي تدير “قسد” شؤونها اليوم. العقل المدبّر والمموِّل والمشرف على المخطط لن يسمح بتجاوز ما يُقال له أو المطلوب منه.
هدف المفاوض باسم “قسد” هو البحث عن فرص والرهان على ظروف جديدة تعقّد المشهد السوري وتطيل عمر المحادثات بانتظار متغيّرات محلية وإقليمية، أكثر من الوصول إلى تفاهمات حقيقية تقرّب وتوحّد.
برز مؤخرًا اسم سيبان حمو كـ”نجم”يخرج من الظل إلى الضوء في صفوف “وحدات الحماية”، ويتنقّل بين شرق الفرات والعاصمة السورية مصحوبًا بكثير من الترويسات حول علاقاته وخبراته. التركيز لا يتم على موقعه ودوره في “حزب العمال الكردستاني” والأماكن التي قاتل فيها، بل على مساره الأخير باسم الدفاع عن “ديمقراطية مكونات شرق الفرات” خلف المشروع الذي تحركه مراكز القرار الإقليمية في سوريا.
تولّى حمو أدوارًا قيادية داخل “وحدات حماية الشعب” في الحسكة وكوباني، وارتقى في هرم القيادة العامة لـ”قسد”، وشارك في تنسيقات محلية وإقليمية مع التحالف الدولي واللاعب الروسي في سوريا، لكنه لن يتحرك منفردا و خارج آلية إتخاذ القرارات التي تعتمدها “قسد” .
منحته الفرص التي أتاحها فراغ السلطة ووجود “داعش” والغطاء الدولي، صعودًا سريعًا مكنه من توسيع دائرة نفوذه داخل صفوف “قسد”، مستفيدًا من حاجة التحالف إلى كوادر ميدانية ذات حضور سياسي وعسكري. لكنه بالنسبة إلى دمشق مجرد ممثل ميداني لا يمتلك صلاحية اتخاذ القرار السياسي، وفي نظر التحالف الدولي شريك تحدده الضرورات لا القناعات.
واصل حمو صعوده بالتزامن مع تغيّر الموازين في سوريا، وحصل على صلاحيات أوسع في مسار التفاوض بين دمشق و”قسد”، مستفيدًا من خبرته في التنسيق بين الفصائل المختلفة. يقدم إعلام “قسد” حمو كصوت براغماتي قادر على الجلوس إلى طاولة الحوار، لكنه بالنسبة إلى تركيا سيبقى أحد كوادر حزب العمال أو المرتبطين به.
مهمته المعلنة هي المشاركة في عمليات التفاوض مع القيادة السورية، ضمن لجان تنسيق تسعى إلى وضع أسس تفاهمات حول مستقبل “قسد” العسكري والسياسي وإدماجها ضمن مؤسسات الدولة. لكن دوره لا يتجاوز تكرار ما تقوله وتريده قيادات “قسد” حول: تسوية تحفظ المكتسبات الإدارية والعسكرية، مع احترام وحدة الدولة السورية. أهمية الحوار على أسس وطنية ديمقراطية تراعي خصوصية شمال شرقي سوريا، مع تمثيل عادل للمكونات المختلفة. وصف الحوار مع الحكومة السورية بأنه فرصة لتفاهم تاريخي يضمن حقوق المكونات السورية داخل دولة لا مركزية تحترم حقوق الأقليات . فقيادات “قسد” تسعى في نهاية الأمر إلى انتزاع ما أمكن من مكاسب حول ثلاثة ملفات أساسية : سياسي يتعلق بشكل الإدارة المحلية والتمثيل . عسكري مرتبط بإعادة هيكلة قوات “قسد” ضمن مؤسسات الدولة . واقتصادي يبحث في تقاسم الموارد والثروات وإدارة العائدات .
تضغط أنقرة على واشنطن لحسم موقفها حيال ما يجري على حدودها الجنوبية ومنع تفاقم الوضع، في حين تضغط واشنطن على شريكها المحلي باتجاه تسجيل اختراق سياسي. وظهر حمو كوجه قديم – جديد يمكن إبرازه لهذه المهمة.
أكّد وزير الخارجية التركي هاكان فيدان عدم وجود مؤشرات إلى تقدم في الشقّ الجوهري المتعلّق باندماج قوات “قسد” في مؤسسات الدولة السورية. أما انسحاب “وحدات حماية الشعب الكردية” – التي تشكل العمود الفقري لـ”قسد” من المناطق ذات الغالبية العربية، فيبقى أولوية قصوى بالنسبة لتركيا. واضح تماما أن أنقرة لن تسمح بإطالة عمر المسرحية أكثر من ذلك على خط القامشلي – الحسكة. وأن هدف “قسد” في الوصول إلى مزيد من المشروعية عبر التفاوض مع دمشق بات مكشوفا،ولن تحصل على حق الاستقواء بما حصلت عليه من دعم أميركي وغطاء عسكري تحت ذريعة محاربة “داعش”، لأن ذلك يصبّ مباشرة في خدمة مشروعها الانفصالي على حدود تركيا الجنوبية.
لن يتغير الأمر بالنسبة لتركيا مع حمو أو من دونه، فقسد لن تنضمّ إلى الجيش الوطني قبل الحصول على ضمانات بالحفاظ على هويتها وخصوصيتها، كما أنها لن تتخلى عن تقديم نفسها كالقوة الوطنية الوحيدة القادرة على التواصل مع جميع الأطراف وتمثيلهم، لأنها ستخسر بذلك جغرافيا واقتصاديا ومشروعية.
أعلن وزير الدفاع السوري، اللواء مرهف أبو قصرة، عن انطلاق بعثة من طلاب الضباط للدراسة في كليات عسكرية في تركيا والسعودية، في خطوة تمثل تحولًا جيوسياسيًا يركّز على إعادة بناء الجيش السوري بأحدث الأساليب والمنظومات ضمن شراكة جديدة في المنطقة.
في المقابل، يتسمك سيبان حمو بتجاهل هذا الواقع السوري والإقليمي الجديد، متهمًا بعض الأطراف “بمحاولة تفسير عملية الدمج وفق رؤى ضيقة، تسعى لإلغاء هوية قواتنا السياسية والاجتماعية والإدارية، وهو ما لن نقبله”. ويؤكد أن “الأسباب التي دفعت لتشكيل قسد لا تزال قائمة، والخطوات القادمة ستحدد ما إذا كانت العملية ستتسارع أو تتباطأ أو تتجمد”.
واضح إذًا أن المشهد الحالي في الحوار يتجه نحو تثبيت المكتسبات الميدانية والسياسية التي جمعتها “قسد” في العقد الأخير، ومحاولة بناء شرعية داخلية في مناطق النفوذ، مستفيدة من الدعم الأميركي والمظلّة الدولية. أمّا دمشق، التي ترفض أي طرح تفتيتي يتجاوز صيغة الشراكة السياسية في دستور عصري جامع، فلا ترى في مشروع “قسد” سوى قوة أمر واقع تسندها الظروف والفرص .
حتى لو تحدث بعضهم عن التهدئة التركية من خلال الحوار الجاري مع “حزب العمال الكردستاني” وزعيمه عبدالله أوجلان، وذهبت بعض المؤشرات باتجاه عدم وجود رغبة في خوض حرب مفتوحة، فلا أحد يراهن اليوم على انبعاث الدخان الأبيض من قاعات التفاوض في القامشلي أو دمشق. فالثقة لم تُبنَ بعد، والهوة بين الرؤى السياسية والعسكرية لا تزال عميقة رغم تعدد اللقاءات، والتسوية النهائية ما زالت بعيدة ومعقّدة. فرهان “قسد” هو أكثر على موازين القوى الإقليمية قبل أن يلتفت إلى توازنات الداخل ومتطلباته ، وهو ما يجعل الحوار مع دمشق أقرب إلى كسب وقت لا إلى صناعة تفاهم حقيقي.
للمزيد: تابع موقع نبض الخليج ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر
مصدر المعلومات والصور : شبكة المعلومات الدولية