جدول المحتويات
«نبض الخليج»
كان المواطن السوري وما زال يحلم بشقةٍ ولو بمساحة لا تتجاوز 50 متراً مربعاً تحفظ له كرامته في آخر عمره، وعندما عملت الجمعيات على خلق حلول بديلة، وإن كانت تحت إشراف وزارة الأشغال العامة والإسكان، كانت تلك البيوت تدخل في مسار الزمن، ولا تستلم العائلة السورية شقتها إلا بعد مضي عشر سنوات أو عشرين سنة أحياناً.
وبعد الثورة السورية والحرب التي خاضها النظام ضد الشعب، توقفت معظم المشاريع السكنية مع عمليات دكّ المدن، إلا أن النظام كان ينتقم من معارضيه الذين لديهم ملفات في تلك الجمعيات عبر إلغاء اكتتاباتهم أو عقود التخصيص الخاصة بهم، بهدف حرمانهم من حقهم في الحصول على الشقق أو سرقة الأقساط التي دفعوها على مدار سنوات.
وبعد سقوط النظام وعودة الكثير من السوريين إلى بلدهم بعد تهجيرٍ استمر قرابة 13 عاماً على الأقل، بدأت ملفات الجمعيات السكنية والفساد المستشري فيها تُفتح من جديد، بما في ذلك حرمان المعارضين السوريين من حقوقهم فيها.
موقع تلفزيون سوريا بحث عن قصص تخصّ حرمان سوريين من مساكنهم التعاونية رغم امتلاكهم عقود تخصيصٍ رسمية وسدادهم للأقساط المستحقة. وتشير المعلومات إلى أن هذه القرارات جاءت استناداً إلى مزاعم قانونية شكلية تتعلق بعدم تسديد الالتزامات المالية، إلا أن كثيرين يعتبرون أنها كانت من أدوات انتقام النظام من المعارضين الذين فرّوا من بطشه إلى خارج البلاد، وكانت لهم مواقف ضد جرائمه وانتهاكاته.
يُعدّ عقد التخصيص الوثيقة التي تمنح المكتتب على شقة سكنية حقه في التملك بعد استكمال الدفعات المطلوبة، ويُسجّل العقد مؤقتاً في السجل العقاري إلى حين اكتمال المشروع وتحويله إلى سجل دائم.
وبموجب المرسوم التشريعي رقم 99 لعام 2011، يحقّ للجمعية إلغاء التخصيص في حال تأخر العضو عن تسديد التزاماته المالية بعد إنذاره رسمياً ثلاث مرات متتالية. غير أن عدداً من الحالات التي وثقها موقع تلفزيون سوريا تُظهر تجاهلاً لهذا الإجراء القانوني، إذ تم إلغاء العقود من دون أي تبليغ مسبق.
حرمان من بيت العمر
الصحفي السوري علي سفر، المقيم في فرنسا، قال لموقع تلفزيون سوريا إنه كان لديه تخصيص في جمعية المطبعة والجريدة الرسمية، وكان المشروع سيُبنى في منطقة وادي بردى بريف دمشق، مبيناً وجود كل الوثائق (دفتر الجمعية وكل إيصالات التسديد)، إلا أنه لم يتمكن من استلام عقد التخصيص بعد اندلاع أحداث الثورة السورية، ووصلت قيمة الأقساط التي دفعها للجمعية إلى مليون ليرة سورية بسعر صرف عام 2011 أمام الدولار (20 ألف دولار).
وأضاف سفر: “إن الجمعية ألغت عقد التخصيص بسبب عدم تسديد الدفعات المطلوبة، علماً بأن الجمعية كانت متوقفة بسبب الوضع الميداني في المنطقة، وكذلك لم يصلنا منها أي إشعار بطلب التسديد، بل فقط إشعار بإلغاء التخصيص”.
ويعيش سفر خارج سوريا منذ بدايات الثورة السورية، لعدم تمكنه من البقاء بسبب التهديدات التي كان يتعرض لها نتيجة موقفه الداعم للثورة، حيث توجه إلى تركيا ومن ثم إلى فرنسا. ولذلك، ذهبت أخته إلى الجمعية وتركت لهم رسالة تطالبهم بإظهار التبليغات القانونية التي تسمح لهم بإلغاء التخصيص، وتركت لهم أرقاماً هاتفية للتواصل، ولكنهم لم يستجيبوا.
وخسر علي بيتاً سابقاً باعه لأجل دفع أقساط بيت الجمعية، وعندما خسر البيت الآخر، أصبح ليس لديه أي مأوى بعد عقود من العمل في قطاع الإعلام الحكومي في سوريا، قبل أن ينشق وينضم إلى صفوف الثورة السورية.
وبحسب الصحفي السوري، فإن الجمعية، وبما يبدو أنه نتيجة ضغطٍ من متنفذين في النظام المخلوع، عملت على إلغاء العديد من عقود التخصيص لسوريين كانوا معارضين للنظام، بينهم زملاء له في التلفزيون السوري انشقوا عن النظام.
وللعمل على إجراء قانوني، أوكل علي سفر محامياً لمتابعة الموضوع، وطلب من سكرتيرة الجمعية توضيحات، لكنه لم يتوصل إلى نتيجة معهم، مبيناً أنه لم يعد أمامهم الآن بعد سقوط النظام سوى “رفع دعوى عبر القضاء، لكن هذا متعسر حالياً بحكم كوني ما زلت خارج البلاد، أو تحرك من قبل وزارة الإسكان السورية لمتابعة الموضوع من قبلهم، باعتبارهم المشرفين على كل مشاريع الجمعيات التعاونية”.
ضحية أخرى
الصحفي السوري مراد الناطور، قال إن قصته تشبه قصة الزميل علي سفر، حيث اكتتب أيضاً في جمعية المطبعة والجريدة الرسمية بتاريخ 26 من تموز 2008، وقد تم التخصيص لاحقاً بشقة محددة حتى تاريخ 3 من آب 2011، ودفعتُ 525 ألف ليرة سورية للجمعية (بأسعار صرف 2011)، ما عدا الأرباح التي دفعتها للمشتري الأول الذي اشتريت منه الاكتتاب.
وأضاف الناطور لموقع تلفزيون سوريا: “إن الجمعية زعمت أنه لم يتم التسديد وأبلغوا بذلك عبر الجريدة الرسمية، إلا أنني أرسلت صديقي مع المبلغ بغاية الدفع، لكنهم رفضوا ذلك”.
وبيّن أنه تواصل مع الجمعية ومجلس الإدارة من دون ردود مكتملة، وأن الموضوع ما زال قيد الدراسة، وأجرى عدة استشارات مع محامين في سوريا، فقالوا له: طالبهم بحقك بداية، فإن لم تحصل استجابة نحرك دعوى قضائية ضد الجمعية.
وأشار الناطور إلى أنه لم يتم التواصل مع وزارة الإسكان، حيث سمعنا بأنها لم تتحرك بعد في هذه الملفات، مع تشديده على امتلاك كل إيصالات الدفع ودفتر الجمعية الذي مُدوّن عليه كل الدفعات.
تسييس الجمعيات
ومنذ عام 2020، عملت الجمعيات التعاونية في ريف دمشق وغيرها من المحافظات على إلغاء التخصيص للكثير من المكتتبين، من بينهم معارضون يقيمون خارج سوريا، رغم امتلاكهم وكالات قانونية سارية ومثبتة لدى الجمعية.
موقع “سيريا ريبورت” سبق أن أشار إلى هذا الأمر عام 2021، من خلال تقرير مفصل، حيث نقل عن مصدر خبير بشؤون الجمعيات التعاونية قوله: إن المرسوم التشريعي رقم 37 لعام 2019، الذي نص على حلّ الاتحاد العام للتعاون السكني، منح وزارة الأشغال العامة والإسكان سيطرة كاملة على الجمعيات.
ويشير المصدر إلى أن هذه الهيمنة الإدارية فتحت الباب أمام تسييس القرارات التعاونية، بما في ذلك إلغاء التخصيص بحق المعارضين السابقين تحت غطاء قانوني، مضيفاً أن بعض الجمعيات تلقت “توجيهات غير معلنة” بمراجعة ملفات الأعضاء “المشبوهين سياسياً”.
ويرى قانونيون أن ما جرى كان استمراراً لسياسة الإقصاء والتمييز، لكن بأسلوب إداري مقنّع، عبر استخدام النصوص القانونية لتبرير حرمان فئات معينة من حقوقها العقارية.
وفي ظل حكم النظام، لم تكن هناك أي آلية رقابية مستقلة تُمكّن المتضررين من الاعتراض أو الطعن بقرارات الجمعيات، خصوصاً بعد تفكيك مؤسسات الاتحاد التعاوني وترك الإشراف المباشر بيد الوزارة.
في ظل هذا الواقع، يجد كثير من العائدين أنفسهم بلا مأوى رغم دفعهم كامل الأقساط المستحقة أو امتلاكهم عقود تخصيص مصدّقة، ويرون أن من حقهم أن تتدخل وزارة الإسكان الجديدة لحلّ مشكلتهم دون اللجوء إلى القضاء، خاصة أن وثائقهم حقيقية ومسجلة في أرشيف الجمعية والوزارة.
ماذا تقول وزارة الأشغال العامة والإسكان؟
وللوقوف على تلك القضية، اتصل موقع تلفزيون سوريا، بوزارة الأشغال العامة والإسكان السورية، التي بينت على لسان محمد الخليل مدير التعاون السكني فيها، أن الوزارة تعمل على وضع حلول للمواطنين المتضررين بما يخص استعادة حقوقهم السكنية أو المبالغ المدفوعة وذلك من خلال استعادة العضوية في الجمعية السكنية، وإعادة المتضررين إلى حالتهم الأصلية، وهذا يعد أقل ما يمكن القيام به.
وأوضح الخليل أن “التحدي الكبير والمشكلة الأساسية هي أن المبالغ المدفوعة قد “تهدرت” أو “ضاعت” قيمتها بسبب التضخم الهائل وانخفاض قيمة الليرة السورية، مما يجعل إرجاع المبلغ الأصلي دون مراعاة ذلك حلاً غير عادل.
وأضاف أنه “يمكن يمكن طرح التعويض بعقارات بديلة: تفكر الوزارة في إمكانية تخصيص أراضٍ للمتضررين تعويضاً عن المبالغ التي دفعوها. بحيث يكون تقييم هذه الأراضي على أساس المبالغ التي دفعها المواطن بالليرة السورية، وليس على أساس الأسعار السوقية السائدة، أي بسعر مخفض تشجيعاً لهم وتعويضاً عن الضرر، لافتاً إلى أن هذا القرار (التعويض بأراضي) قرار سيادي مهم يتطلب دراسة عميقة وتفكيراً متأنياً قبل اتخاذه”.
ولفت إلى أن الوزارة تعمل حالياً على ملف الجمعيات التعاونية السكنية، بالتنسيق مع وزارة الداخلية، حيث تم تشكيل لجنة خاصة لدراسة أوضاع كل الجمعيات التعاونية السكنية، على أن يتم إلغاء أي صفة أمنية أو عسكرية مرتبطة باسمها أو نشاطها.
ما هو نظام الجمعيات التعاونية؟
الخليل قال لتلفزيون سوريا، إنه في نظام الجمعيات التعاونية السكنية، يحق للجمعية إلغاء عقود التخصيص إذا كان “منتسباً” وتأخر في السداد، لمدة ستة أشهر متتالية.
أما بالنسبة للمخصص أو المكتتب، قال الخليل: لا يتم هذا الإلغاء فجأة، بل يجب اتباع إجراءات تبليغ قانونية واضحة، وهي:
التبليغ المباشر: يتم إبلاغ العضو شخصياً في مقر الجمعية، وإذا كان قد سدد مستحقاته سابقاً، يتم إعلامه بوجود متأخرات عليه.
بطاقة بريدية مكشوفة: ترسل الجمعية على عنوانه المسجل لديها عبر بطاقة بريدية، في حال عدم التمكن من التبليغ المباشر.
النشر في الصحف: إذا تعذر التبليغ بالطريقتين السابقتين، يتم نشر أسماء المقصرين في الصحف المحلية أو الجريدة الرسمية في كل مكتتب بمحافظته.
أي إلغاء للتخصيص يتم دون اتباع هذه الإجراءات القانونية (مثل الإلغاء دون إنذار مسبق أو دون إرسال بطاقة بريدية) يُعد باطلاً.
وفي هذه الحالة، يحق للعضو استعادة حقه في الاكتتاب ومرتبته في قائمة الانتظام وفقاً لرقم عضويته وأفضليته.
للمزيد: تابع موقع نبض الخليج ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر
مصدر المعلومات والصور : شبكة المعلومات الدولية