جدول المحتويات
«نبض الخليج»
كان اليوم التاسع (الخميس 5 كانون الأوّل 2024) من معركة “ردع العدوان”، يوماً مفصلياً خرجت فيه مدينة حماة نهائياً من قبضة نظام الأسد، واحتفل العاصي للمرة الأولى منذ عقود بسقوط أحد أكبر معاقل السلطة الأمنية في سوريا.
وفي الوقت نفسه، كانت سلمية ترتجّ على إيقاع شعارات “الشعب يريد إسقاط النظام”، في حين بدأت أنظار الفصائل تتجه جنوباً نحو “بوابة الوسط” حمص، إيذاناً بمرحلة جديدة تتجاوز تحرير المدن إلى إعادة رسم الخريطة العسكرية والسياسية.
جاء ذلك، في وقتٍ كان فيه بشار الأسد يمدّ يده إلى العراق طالباً دعماً عسكرياً عاجلاً، بالتزامن مع تحرّك “قسد” شرقي حلب في سباقٍ موازٍ على الجغرافيا، وسط استنفارٍ غير مسبوق في درعا، وتكثيفٍ دولي للحديث عن “حلّ سياسي” أمام انهيار سريع في خرائط السيطرة.
“حماة تحتفل”.. من التوغّل إلى إعلان التحرير
مع ساعات الصباح، كانت ملامح اليوم التاسع تتشكّل في محيط مدينة حماة، فعند نحو الساعة 11 صباحاً، أعلنت “إدارة العمليات العسكرية” رسمياً بدء التوغّل داخل المدينة من الجهة الشرقية، وذلك عقب اختراقات الليلة السابقة داخل أحياء “الصواعق، الحميدية، ضاحية تشرين”.
وبحسب تغطيات تلفزيون سوريا، فإنّ التوغّل داخل مدينة حماة صباحاً، كان عبر أحياء “الأربعين والقصور وجسر المزارب”، بعد معارك عنيفة مع قوات النظام استخدمت فيها الأسلحة الثقيلة والمتوسطة، وغطّتها غارات روسية وقصف مدفعي مكثف شمالي المدينة.
توازى ذلك مع “هجوم تمهيدي” سبقه بساعات، تمثّل في إحكام الفصائل الخناق على “جبل زين العابدين” شمالي حماة، والسيطرة على أكثر من 20 موقعاً عسكرياً وقرية في ريفي حماة الشمالي والشرقي، بينها “اللواء 66”.
وجاء ذلك في وقتٍ كانت فيه الطائرات الروسية تقلع تباعاً من مطار حميميم وتشنّ غارات متتالية على “خطاب وطيبة الإمام ومعردس”، مخلفةً ضحايا مدنيين.
بحلول منتصف النهار، دخلت كاميرا تلفزيون سوريا الأحياء الشرقية من حماة، في أوّل بثٍ مباشر من هناك، بالتزامن مع إصابة مروحية لقوات النظام في سماء المدينة، وهروب قيادات عسكرية وأمنية باتجاه حمص والساحل.
ومع حلول الظهيرة، كانت مدينة حماة عملياً قد خرجت من يد “قوات الأسد”، باستثناء جيوب صغيرة داخل السكن العسكري ومحيط كلية المدفعية، التي سرعان ما سقطت بعد انسحاب النظام ليلاً نحو ريف حمص.
لكن التحوّل المفصلي جاء بعد الثالثة عصراً تقريباً، حين أعلنت “إدارة العمليات العسكرية” دخول سجن حماة المركزي، وتحرير مئات المعتقلين، قبل أن تبث مشاهد خروجهم من الزنازين إلى باحة السجن، في واحدة من أكثر اللحظات رمزية منذ انطلاق العملية.
بعد أقل من ساعة، أعلنت الإدارة السيطرة على مبنى قيادة الشرطة في حماة، ووجّهت نداءً إلى أهالي حمص بـ”الانتفاض ضد الطغيان”، بالتزامن مع بيان آخر دعت فيه أفراد الشرطة في حماة إلى البقاء في مراكزهم وحماية الممتلكات والسجلات الرسمية، بانتظار وصول مندوبي “وزارة الداخلية في حكومة الإنقاذ” لترتيب أوضاعهم القانونية وإصدار بطاقات مؤقتة تضمن عدم ملاحقتهم.
مع حلول مساء اليوم التاسع، عند الساعة السابعة إلّا ربع تقريباً، أعلنت “إدارة العمليات العسكرية” تحرير مدينة حماة بالكامل، لتنطلق الاحتفالات الليلية في ساحة العاصي.
وبعد ساعة، أعلن المقدم حسن عبد الغني، الانتهاء أيضاً من تمشيط مطار حماة العسكري، وجبل زين العابدين، وقرية قمحانة، مؤكّداً أن محيط حماة صار “آمناً” عسكرياً.
وكانت مصادر ميدانية قد أكّدت لـ تلفزيون سوريا، أنّ انهيار الدفاعات داخل مدينة حماة “تم من دون معارك كبيرة”، وأن غالبية مجموعات “قوات الأسد” ركّزت على الانسحاب وليس القتال، في مشهد ذكّر بانهيارها في مدينة حلب، خلال الأيام الأولى من المعركة.
“سلمية تنتفض”
على خطّ موازٍ، كانت مدينة سلمية شرقي حماة، تعيش تحوّلاً لا يقل أهمية، فمنذ الصباح، تصاعدت مؤشرات تفكّك قبضة النظام على المدينة، حيث بدأت قواته وميليشياته إخلاء مقارّها ومراكزها الأمنية، تزامناً مع انقطاع الإنترنت وارتباك في حركة الفروع الأمنية.
في شوارع سلمية، خرجت مظاهرات حاشدة تطالب بإسقاط النظام، أُحرقت فيها صور بشار الأسد في الساحات الرئيسية، في رسالة واضحة بأن “البيئة”، التي طالما ادّعى النظام أنّه يحتمي بها لم تعد راغبة في دفع ثمن بقائه.
ومع تقدّم اليوم، بدأت فصائل “ردع العدوان” دخول سلمية (ثاني أكبر مدن محافظة حماة)، في إطار اتفاق يجمع بين “تحييد المدينة” وعدم تحويلها إلى ساحة قتال، والسماح بدخولٍ رمزي للفصائل، مع بقاء الأهالي لإدارة شؤونهم بأنفسهم.
بعد سلمية ثم محردة، أعلنت “إدارة العمليات العسكرية” سيطرتها على كامل ريف حماة الشرقي، لتكتمل حلقة سقوط أهم مراكز النظام في ريف حماة خلال أقل من 24 ساعة.
- “الجولاني” يصدر البيان الأول باسمه الحقيقي
كذلك، شهد اليوم التاسع أيضاً، استخدام قائد “هيئة تحرير الشام” (أبو محمد الجولاني)، للمرة الأوّلى، اسمه الحقيقي (أحمد الشرع).
وجاء ذلك عبر حساب لـ”إدارة العمليات العسكرية” على “تليغرام”، حيث نشر صورةً لـ”الجولاني” مرفقة بعبارة: “نبارك لأهل حماة النصر”، وجاء تحتها عبارة: القائد أحمد الشرع.
من “فيديو مفبرك” إلى بيان انسحاب
إلى جانب المعارك الميدانية، شهد اليوم التاسع جولة من “الحرب الإعلامية”، وزارة إعلام النظام ووكالة “سانا” حذّرتا من فيديو “مفبرك” تُحضّر له “التنظيمات الإرهابية” باستخدام الذكاء الاصطناعي، يُعلن فيه بشار الأسد تنحيه عن الرئاسة، داعيتين المواطنين إلى عدم تصديق أو تداول أي مقاطع من هذا النوع.
وبعد ساعات، ومع تكشّف حجم الهزيمة في حماة، خرج وزير الدفاع ببيانه المتلفز حول “إعادة الانتشار التكتيكي” و”الكرّ والفرّ”، في محاولة لتغليف الانسحاب الكامل من المدينة ومحيطها برواية “حماية المدنيين، وطبيعة المعارك”.
بين هذين الخطابين، كان الفارق واضحاً: إعلام نظام الأسد يحذّر من فيديو افتراضي، بينما تعلن الوقائع الميدانية بصور كاميرا تلفزيون سوريا وبيانات “إدارة العمليات”، تحرير مدينة حماة وسجنها المركزي ومطارها وجبلها “زين العابدين” الأكثر تحصيناً.
“العيون على حمص”.. جسر الرستن تحت القصف ودماء في تلبيسة
منذ اللحظة الأولى لإعلان تحرير حماة، كان خطاب “إدارة العمليات العسكرية” واضحاً: المرحلة التالية هي حمص، ففي ساعات مبكرة من اليوم نفسه، استهدفت الفصائل سيارتين للمخابرات الجوية على طريق حمص-حماة قرب مدينة تلبيسة بالريف الشمالي.
وتزامن ذلك مع هجمات مباغتة على أرتال النظام المنسحبة من حماة باتجاه حمص، ما دفع قوات النظام إلى الرد بقصف مدفعي عنيف على ريف حمص الشمالي.
مع حلول المساء، قُتل ثلاثة مدنيين، بينهم امرأة، في تلبيسة، نتيجة قصف مدفعي مصدره كتيبة الهندسة في بلدة المشرفة، بعد استهداف مقاتلين محليين لأرتال النظام على الطريق الدولي.
في الوقت نفسه، شنّت الطائرات الحربية الروسية، غارات على “جسر الرستن” شمالي حمص، أحد أهم المعابر على الطريق الدولي (M5)، في محاولة واضحة لعرقلة تحركات الفصائل باتجاه المدينة، وإبطاء زحفها بعد انهيار دفاعات حماة.
على صعيد آخر، وجّهت “إدارة العمليات العسكرية” نداءً إلى الأهالي في حمص: “قد آن أوانكم.. أعلنوها ثورة كما عهدناكم”، ونداء آخر إلى القطعات العسكرية في المحافظة يدعوها إلى “الانشقاق الجماعي والتوجه إلى مدينة حماة” مع تعهدٍ بالأمان، في محاولة لنقل نموذج “التسوية العكسية” الذي بدأ في محافظة حلب، إلى قلب الوسط السوري.
ضحايا في إدلب و”قسد” تتمدّد شرقي حلب
مع ساعات مساء اليوم التاسع، استهدفت الطائرات الروسية تجمعاً للمدنيين في خان شيخون بريف إدلب الجنوبي، مخلفةً ضحايا مدنيين، في حين كانت فرق الإنقاذ تحاول انتشال الضحايا من تحت الأنقاض.
وفي حصيلة أسبوع واحد فقط من التصعيد على إدلب وحلب وحماة، أعلن الدفاع المدني مقتل 94 شخصاً وإصابة 320 آخرين، من جرّاء قصف النظام وروسيا الذي استهدف مدارس ومستشفيات وفرقاً طبية وصحفيين، في انتهاك صارخ لقواعد القانون الدولي الإنساني.
في ريف حلب الشرقي، كانت “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) تواصل تمدّدها في محيط الخفسة باتجاه مطار كويرس العسكري شرقي حلب، في سباقٍ على الجغرافيا مع فصائل المعارضة، مستفيدةً من انشغال “ردع العدوان” بالجبهات المركزية.
درعا تتحرك.. ضرب نقاط وهروب ضباط
جنوباً، لم يكن المشهد صامتاً، ففي اليوم نفسه، بدأت مجموعات محلية في محافظة درعا باستهداف مواقع وحواجز قوات النظام في عددٍ من المناطق، في ما يشبه “بروفة” أولى لانفجار جبهة الجنوب، حيث شملت الهجمات:
- مفارز الأمن العسكري وأمن الدولة في مدينة إنخل، قبل انسحاب قوات النظام منها باتجاه الصنمين.
- حاجز الطيرة غربي إنخل، وحاجز سملين بين إنخل وجاسم.
- الأمن العسكري في مدينة نوى، وحواجز محيطة بالمدينة، وسط قصف مدفعي انتقامي استهدف أحياءها.
- حاجز المخابرات الجوية في قرية الجبيلية، ومفرزة المخابرات في بلدة المسيفرة، ونقطة عسكرية على طريق دمشق الدولي قرب غباغب.
“تجمع أحرار حوران” أكّد لـ موقع تلفزيون سوريا، حينها، أنّ القطعات العسكرية للنظام في درعا في حالة استنفار كامل، خشية هجمات أوسع، في حين تؤمّن المجموعات المحلية انشقاق عناصر النظام الفارّين، وتمنحهم الأمان.
وفي المساء، كشفت معلومات ميدانية عن فرار عدد من الضباط والقيادات الأمنية من محافظة درعا باتجاه دمشق، بينهم رئيس شعبة الأمن العسكري في مدينة نوى، المدعو “أبو علي فواز”.
كل ذلكّ كان يشير إلى أن عدوى الانهيار لم تعد محصورة بحلب وحماة، وأن الجنوب يستعد لأوّل خطوة على طريق الالتحاق بالمعركة الكبرى.
“الأسد” يستنجد ببغداد والكرملين وأنقرة وبكين يدخلون على الخط
سياسياً، حمل اليوم التاسع مؤشراً بالغ الدلالة على حجم المأزق الذي يعيشه النظام: ثلاثة مصادر عراقية -بينها مسؤول في وزارة الخارجية- أكدت أن بشار الأسد طلب دعماً عسكرياً مباشراً من رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، خلال اتصال هاتفي، لمنع المعارضة من السيطرة على مدن إضافية.
نوقش الطلب في اجتماع لـ”الإطار التنسيقي”، وسط انقسامات حادة بين القيادات حول فكرة إرسال دعم عسكري لإنقاذ النظام، في ظلّ عدم وضوح نوع الدعم المطلوب، وإن كان المفهوم أنه يتعلق بـ”أسلحة نوعية” قادرة على إبطاء أو وقف تقدّم الفصائل.
من موسكو، أعلن الكرملين “تقييم الوضع” في سوريا لتحديد حجم المساعدة المطلوبة للنظام، مؤكداً متابعة التطورات والتواصل المستمر مع دمشق، من دون تقديم تعهدات واضحة بمستوى تدخل جديد.
وفي أنقرة، قال متحدث وزارة الدفاع التركية إن بلاده تنسق بشكل وثيق مع دول المنطقة منذ تجدد الأعمال العسكرية في شمالي سوريا، مؤكداً التزام تركيا بالاتفاقات السابقة، واتخاذ “كل التدابير اللازمة للحفاظ على الاستقرار”.
لاحقاً، أبلغ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، أنّ “مرحلة جديدة تتم إدارتها بهدوء في سوريا”، وأنّ دمشق بحاجة إلى “التواصل السريع مع الشعب السوري من أجل الحل السياسي”، مجدداً تمنّي بلاده بألا تشهد سوريا مزيداً من عدم الاستقرار ولا خسائر بشرية إضافية.
وفي مشهد يعكس قلقاً دولياً متزايداً، دعت السفارة الصينية في دمشق رعاياها إلى مغادرة سوريا في أقرب وقت ممكن بسبب “تصاعد المخاطر الأمنية”، في خطوة بدت كمؤشر ثقة منخفض بمستقبل سيطرة النظام على الأرض.
أمّا وزارة الخارجية الأميركية فقد حمّلت نظام الأسد بشكل مباشر مسؤولية تدهور الأوضاع، مؤكدة أنّ “رفض النظام المتكرر للحل السياسي هو ما أوصل الأمور إلى هنا”، داعيةً إيران إلى التوقف عن “الأعمال التي تزعزع الاستقرار في سوريا والمنطقة”.
خلاصة اليوم التاسع (5 كانون الأول 2024)
في اليوم التاسع من “ردع العدوان”، تحوّلت حماة إلى مدينة محررة بالكامل، حيث خرج أهلها يحتفلون ويهتفون بسقوط “الأسد”، كما خرج معها مئات المعتقلين من سجنها المركزي، فيما سيطرت الفصائل على مطارها وجبلها الأشد تحصيناً وبلداتها المحيطة.
كذلك، انتفضت سلمية ودخلتها الفصائل باتفاق “تحييد” يحاول طيّ صفحة الاستثمار الطائفي، وفُتح الطريق إلى حمص، بينما تحرّكت درعا عبر استهداف الحواجز، وسط انشقاقات وهروب ضباط إلى دمشق.
سياسياً، فإنّ طلب بشار الأسد، دعماً عسكرياً من العراق، وسط “تقييم” الكرملين، وتحذيرات الصين، وتأكيد تركيا على ضرورة حل سياسي، وموقف واشنطن المحمّل للنظام مسؤولية الانهيار، كشف حجم أزمة “الأسد” في تحوّل حلفائه إلى عبء متردّد أكثر منهم سنداً حاسماً.
باختصار: كان “5 كانون الأول 2024” يوماً احتفلت فيه حماة وسلمية بالتحرير، وانفتحت فيه بوابة حمص، وظهرت خلاله ملامح جبهة جنوبية تتهيأ للاشتعال، في حين بدا نظام الأسد يترنح بين خسارة الأرض واستجداء الدعم، بينما تتقدم “ردع العدوان” بسرعة نحو مرحلة إسقاط النظام، لا مجرد ردعه وكسر خطوطه الدفاعية.
للمزيد: تابع موقع نبض الخليج ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر
مصدر المعلومات والصور : شبكة المعلومات الدولية