جدول المحتويات
«نبض الخليج»
بعد أربعة عشر عاماً من الحرب السورية، وما خلّفته من تراجع حاد في البنية التحتية وشلل طويل في المرافق العامة، تقف مدينة اللاذقية اليوم أمام اختبار حقيقي لإعادة تنظيم قطاع النقل، بوصفه أحد أكثر القطاعات حيوية وتأثيراً في الحياة اليومية للسكان. وبين ازدحام مروري خانق وإجراءات تنظيمية متأخرة، تتقاطع الإيجابيات والسلبيات في مشهد معقّد يعكس حجم التحديات التي تواجه مدينة تحاول النهوض من إرث ثقيل.
ازدحام متصاعد وشوارع مستهلكة
تشهد اللاذقية ازدحاماً مرورياً شديداً، ولا سيما خلال ساعات الذروة، في مركز المدينة والشوارع التجارية الحيوية، مثل شارع القوتلي، وشارع الثامن من آذار، وشارع بغداد، والسوق التجاري. ويعود ذلك إلى تضاعف أعداد السيارات، وغياب التخطيط العمراني السليم، وعدم التزام شريحة من السائقين بقواعد السير، إضافة إلى الحالة المتردية للطرقات التي لم تخضع لصيانة كافية لسنوات طويلة خلال عهد النظام المخلوع.
وتؤكد مصادر في شرطة المرور لموقع “تلفزيون سوريا”، أن من أبرز أسباب الاختناقات المرورية ركن السيارات بشكل عشوائي وبـ”نسق ثانٍ” في الشوارع الحيوية، وقيادة القاصرين من دون حيازة شهادات سوق، إلى جانب الانتشار الكثيف للدراجات النارية التي تسير بعكس اتجاه السير وتخالف الإشارات المرورية، وما تسببه من خطر وضجيج دائمين.
حلول مؤقتة لأزمة متجذّرة
في المقابل، بدأت الجهات المعنية خلال الأشهر الماضية باتخاذ جملة من الإجراءات لتحسين الواقع المروري. فقد أعلن مجلس مدينة اللاذقية، قبل ثلاثة أشهر، عن إجراء مزايدة علنية لإشغال مواقف سيارات مأجورة في عدد من شوارع المدينة، على أن يبدأ تفعيلها مع مطلع العام الجديد، في خطوة تهدف إلى تخفيف الضغط عن مركز المدينة، إلى جانب توفير مورد مالي إضافي للمجلس.
كما جرى تشغيل وصيانة عدد من الإشارات المرورية التي كانت متوقفة عن العمل منذ عام 2011، ضمن حملة “اللاذقية نحن أهلها”، ما أسهم جزئياً في تحسين انسيابية السير وتعزيز السلامة المرورية.
وشملت أعمال الصيانة إعادة تعبيد بعض الطرق الحيوية، من مدخل المدينة الرئيسي (مفرق حلب) حتى ساحة الشيخ طاهر مروراً بدواري هارون والزراعة ذهاباً وإياباً، إضافة إلى طريق المواصلات من ساحة اليمن باتجاه الكورنيشين الجنوبي والغربي.
خطط المرور.. حلول مرحلية أمام أزمة مزمنة
من جهته، كشف رئيس فرع المرور في اللاذقية، فادي ضاهر، في أكثر من منشور له على صفحته في “فيس بوك”، عن خطة لتخفيف الاختناقات المرورية، تضمنت تعديل اتجاهات بعض الطرق، والسماح بالوقوف على جانب واحد في بعض الشوارع ذات الاتجاه الواحد، إضافة إلى تفعيل مخالفات السير منذ مطلع أيلول، بمعدل وسطي بلغ نحو 3000 مخالفة سير شهرياً، إلى جانب تعزيز انتشار عناصر الشرطة في التقاطعات الحيوية.
كما نفّذ فرع المرور حملات ميدانية لضبط الدراجات النارية المخالفة، شملت منع سيرها بعد الساعة العاشرة مساءً وحجز المخالف منها، في محاولة للحد من الفوضى المرورية وتحسين مستوى السلامة العامة.
وفي ظل الضغط الكبير على الكراج الطابقي المأجور الوحيد الواقع خلف مبنى المحافظة الجديد، تُعدّ تجربة تعميم الكراجات الطابقية من أكثر الحلول المطروحة جدوى في التخفيف من الازدحام المروري. وفي هذا السياق، صرّح مصدر مسؤول في مجلس مدينة اللاذقية _طلب عدم ذكر اسمه_ لموقع “تلفزيون سوريا”، عن البدء بأعمال تجهيز موقع قيادة المنطقة والشرطة العسكرية سابقاً، لاستخدامه بشكل مبدئي كموقف سيارات مجاني، ضمن خطة أولية لاستثمار الموقع ليكون مركز خدمات اجتماعية عامة يضم حدائق وكراجاً، علماً أن ملكية العقار تعود لصالح الدولة، مع وجود إشارة لصالح مجلس مدينة اللاذقية على الصحيفة العقارية.
المواقف المأجورة.. تنظيم للسير أم عبء على السكان؟
في سياق متصل، أثار تطبيق آلية “المواقف المأجورة” في بعض شوارع اللاذقية جدلاً واسعاً بين السكان، ولا سيما في الأحياء ذات الطابع السكني. وفي هذا الإطار، أكد مدير الوحدات الإدارية في اللاذقية، علي عاصي، لموقع “تلفزيون سوريا”، أن المواقف المأجورة شملت أربعة شوارع تقع ضمن أسواق تجارية، وجاءت استجابة لمطالب متكررة من أصحاب المحال، الذين اشتكوا من ركن السيارات لساعات طويلة، ما كان يحرم المتسوقين من إيجاد أماكن قريبة لركن سياراتهم.
وأوضح عاصي أن هذا الإجراء ساهم في الحد من الفوضى المرورية والاصطفاف المزدوج الذي كان يتسبب باختناقات كبيرة في الشوارع التجارية، مشيراً إلى أن البلدية أعلنت عن مزاد علني لاستثمار هذه الشوارع وفق الإجراءات القانونية، مقابل بدل نقدي يبلغ 2000 ليرة سورية للساعة الأولى، و1000 ليرة لكل ساعة إضافية، مع إعفاء الوقوف من التاسعة مساءً وحتى التاسعة صباحاً.
وبيّن أن عشرة مستثمرين تقدموا للمزايدة التي أُعلن عنها في الصحيفة الرسمية، وتم اختيار العرض الأعلى، لافتاً إلى أن المستثمر يتولى تنظيم الحركة وتأمين أماكن ركن آمنة للسيارات مع وجود حراسة عليها، إضافة إلى إتاحة إمكانية حجز مواقف مأجورة لسكان الأبنية وأصحاب المحال، في حين أُعفيت المؤسسات الحكومية من الدفع، مع السماح لها بركن سيارتين مجاناً.
وأضاف أن هذه الخطوة وفّرت مورداً مالياً جديداً للبلدية، إلى جانب إتاحة فرص عمل لعدد من العمال القائمين على تنظيم الاصطفاف، مؤكداً أن الهدف الأساسي من الإجراء خدمي وتنظيمي، ويتمثل في الحد من الاصطفاف العشوائي.
وفي موازاة ذلك، عبّر عدد من السكان عن استيائهم من تطبيق الآلية في شوارع سكنية. وقال “أبو علي”، وهو من سكان أحد مباني شارع القوتلي، لموقع تلفزيون سوريا، إنه تفاجأ بإصدار إيصالات دفع في محيط سكنه، متسائلاً عن السند القانوني للإجراء، ولا سيما في ظل دفعه رسوماً سنوية للسيارات تشمل استخدام الطرقات.
وأشار سكان آخرون إلى أن فرض هذه الرسوم يحمّل القاطنين أعباء مالية إضافية، خصوصاً عند اضطرارهم لترك سياراتهم قرب منازلهم لساعات طويلة. كما لفت بعضهم إلى أن شركة تحمل اسم “بارك بلس” هي الجهة التي تستثمر هذه المواقف حالياً، مطالبين بمزيد من الشفافية حول طبيعة العقد، ومراعاة خصوصية الأحياء السكنية عند تنفيذ مثل هذه الإجراءات.
وفي رد على هذه التساؤلات، أوضح مصدر في مجلس مدينة اللاذقية، _رفض الكشف عن اسمه_، لموقع “تلفزيون سوريا”، أن المزايدة العلنية رست بالفعل على شركة “بارك بلس”، مشيراً إلى أن تفاصيل العقد محصورة بين الجهة المستثمرة ومجلس المحافظة، وأن الشركة ملتزمة بعدد من الضوابط، من بينها توفير تأمين على السيارات التي تستخدم المواقف المأجورة.
وتجدر الإشارة إلى أن موقع “تلفزيون سوريا”، حاول التواصل مع رئيس مجلس بلدية اللاذقية للحصول على توضيحات إضافية بشأن العقد، إلا أنه لم يتلقَّ رداً حتى إعداد هذا التقرير.
الكراجات والنقل العام.. إيجابيات ناقصة
ومن المبادرات اللافتة أيضاً، نقل مركز انطلاق باصات خطي الضاحية والطابيات من ساحة الشيخ ضاهر إلى موقع جديد عند تقاطع ميسلون – العوينة، بهدف تخفيف الازدحام في وسط المدينة. ورغم ترحيب المواطنين بهذه الخطوة، إلا أنهم أشاروا إلى حاجة الموقع إلى تجهيزات أساسية، مثل المظلات، والإنارة، والأرصفة، والتزفيت، إضافة إلى ضرورة وجود ضابطة مرورية دائمة لتنظيم العمل فيه.
كما أُحدث خط دائري جديد لشركة النقل الداخلي يخدم جامعة تشرين من عدة اتجاهات، ما أسهم في تسهيل حركة الطلاب وتخفيف الضغط عن بعض المحاور الطرقية داخل المدينة.
سيارات الأجرة بين الشكوى والتنظيم
يعاني سائقو سيارات الأجرة من غياب مواقف مخصصة لهم، ما يضطرهم إلى التجوال الدائم من دون جدوى اقتصادية واضحة، وفق ما يؤكده أبو محمد، أحد سائقي الأجرة، لموقع “تلفزيون سوريا”. كما يشتكون من المنافسة غير المتكافئة مع تطبيقات النقل الإلكتروني ذات الأجور المنخفضة، إضافة إلى عمل سيارات أجرة تحمل لوحات صادرة عن محافظات أخرى داخل مدينة اللاذقية.
وفي هذا السياق، أصدرت مديرية نقل الركاب تعميماً يلزم سائقي سيارات الأجرة القادمين من خارج محافظة اللاذقية بتسوية أوضاعهم وتسجيل سياراتهم قبل تاريخ 5 تشرين الثاني 2025، في خطوة تهدف إلى ضبط القطاع وتنظيمه.
بين الإيجابيات والسلبيات.. الرهان على الالتزام
وصرّحت مصادر في مديرية النقل باللاذقية لموقع ” تلفزيون سوريا” أن ما يجري في المحافظة يعكس بداية خجولة لإصلاح قطاع النقل، إلا أنها لا تزال تصطدم بعقبات كبيرة، أبرزها تهالك البنية التحتية، وضعف التخطيط العمراني، ونقص الكوادر المرورية، وغياب ثقافة الالتزام بقواعد المرور لدى شريحة واسعة من السائقين والمشاة.
ويبقى الرهان الحقيقي، بحسب العاملين في القطاع، على تكامل الجهود بين الجهات المعنية، وتعزيز النقل الجماعي، وتطبيق القوانين بعدالة، إلى جانب وعي المواطنين والتزامهم، كي تتحول هذه الإجراءات من حلول إسعافية مؤقتة إلى مسار مستدام يعيد للمدينة السياحية شيئاً من انسيابها المفقود.
للمزيد: تابع موقع نبض الخليج ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر
مصدر المعلومات والصور : شبكة المعلومات الدولية

