جدول المحتويات
«نبض الخليج»
شهدت مدينة حلب مؤخراً توقيع اتفاقية رباعية بين منظمة التنمية السورية، ومؤسسة الآغا خان للخدمات الثقافية، ووزارة الثقافة السورية، ومحافظة حلب، بهدف ترميم أربعة أسواق تاريخية في المدينة القديمة، إضافة إلى المدرسة الحلوية، هذه الخطوة تأتي ضمن خطة شاملة لإعادة تأهيل شبكة الأسواق التراثية التي تعرضت لدمار واسع، ويهدف المشروع إلى إعادة الحياة الاقتصادية والثقافية إلى المدينة.
بين عامي 2012 و2016، تعرضت أسواق حلب القديمة لدمار واسع نتيجة القصف الجوي والبري، وتحويلها إلى ثكنات عسكرية من قبل قوات النظام المخلوع، وتحولت المنطقة في تلك الفترة إلى ساحة معارك، ما أدى إلى اندلاع حرائق وانهيارات ألحقت أضراراً جسيمة بالبنية العمرانية، هذا الدمار جعل الحاجة إلى الترميم ضرورة ملحة للحفاظ على هوية المدينة التراثية، وإعادة الحياة إلى قلبها التاريخي.
الأسواق المستهدفة في المرحلة الأولى من المشروع، وذلك بحسب مدير المكتب الإعلامي في مديرية آثار ومتاحف حلب، إسماعيل كردي، هي:
. سوق العطارين (القسم الشرقي)
. سوق الصراماتية
. سوق العتيق
. سوق الباطية
. المدرسة الحلوية
وأوضح كردي خلال حديثه لموقع تلفزيون سوريا، أن خطة الترميم ستستغرق عامين، تبدأ مطلع عام 2026 وتنتهي في نهاية 2027، مع وجود جهود موازية لترميم نحو 30 سوقاً أخرى لم تشملها المشاريع السابقة.
المدرسة الحلوية
المدرسة الحلوية، الواقعة مقابل المدخل الغربي للجامع الأموي الكبير تعد من أبرز المواقع التي ستخضع للترميم، تاريخها يعود إلى القرن الخامس الميلادي حين بُنيت ككاتدرائية بأمر القديسة هيلانة، وجُددت في عهد الإمبراطور جوستنيان بطراز بيزنطي، وتحولت لاحقاً إلى مسجد بعد حصار الصليبيين لحلب عام 1124 للميلاد، ثم إلى مدرسة لتدريس الفقه الإسلامي عام 1148 بأمر نور الدين زنكي، الذي جعلها مركزاً علمياً ووقفاً لتوزيع الحلوى على المدرسين والطلاب في رمضان، وهو ما منحها اسمها الحالي.
تتألف المدرسة من ثلاثة طوابق، وتتميز بمدخلها المزخرف وإيوانها الغربي الذي يضم حنية بأعمدة كورنثية، إضافة إلى محراب عثماني الطراز. تعرضت المدرسة لأضرار بالغة خلال الحرب، ومن المقرر أن تحافظ أعمال الترميم على هويتها التاريخية.
سوق الصراماتية
يقع سوق الصراماتية بجوار الجامع الأموي الكبير، وكان متخصصاً في صناعة وبيع الأحذية التقليدية المعروفة “الصرامي الحمر”، المصنوعة يدوياً من الجلد الطبيعي المصبوغ بالقرمز وقشر الرمان، ويضم السوق نحو 30 محلاً تجارياً، وقد تغيرت طبيعة بضائعه مع الزمن، حيث تحول إلى بيع الأقمشة والإيشاربات والملابس، تعرض السوق لدمار واسع خلال سنوات الثورة، وبالأخص في الفترة ما بعد العام 2013، وحتى العام 2016، كان حينها مسرحاً للمعارك التي شهدتها المنطقة المحيطة بالجامع الأموي بين قوات النظام المخلوع والمعارضة السورية سابقاً، وهو اليوم ضمن خطة الترميم لإعادته إلى نشاطه التجاري.
سوق العتيق
اشتهر سوق العتيق بتجارة الجلود الخام، وكان يضم نحو 48 متجراً يقصده التجار من مختلف أنحاء سوريا، اعتمد الحرفيون على منتجاته لصناعة الأحذية والحقائب والملابس الجلدية، وكانت الدباغات في منطقة الراموسة المصدر الأساسي للجلود، لكنها تعرضت هي الأخرى للدمار خلال العمليات العسكرية للنظام المخلوع أواخر العام عام 2016، أي يمكن القول بأن إعادة الحياة إلى سوق العتيق في المدينة القديمة بحلب لا بد أن يترافق مع إعادة ترميم للمنطقة الصناعية (الدباغات) في الراموسة، والتي تضم عشرات المشاغل والمدابغ التي تستقبل جلود الحيوانات الخام وتقوم بتصنيعها لتحولها إلى جلود صالحة في صناعة الأحذية والحقائب والملبوسات الجلدية، وهي من أفخر الصناعات السورية في حلب.
سوق العطارين
يعد سوق العطارين من أكبر أسواق حلب، حيث يضم نحو 82 محلاً، منها 43 للعطارة و33 للمنسوجات، امتد نشاطه من بيع البهارات إلى تزويد مختلف مناطق سوريا بمستلزمات العطارة، تم ترميم جزء من السوق مؤخراً، في حين ستستكمل أعمال الترميم في القسم الشرقي خلال عامي 2026 و2027.
سوق الباطية
يقع سوق الباطية بين سوق العطارين وسوق القوافين، وكان متخصصاً في بيع الجلود ولوازم صناعة الأحذية التقليدية (القوافين). هذا السوق، رغم صغر حجمه مقارنة بغيره، لعب دوراً أساسياً في دعم الصناعات الجلدية في المدينة.
البعد التاريخي لأسواق حلب
كانت حلب تستمد أهميتها من موقعها الاستراتيجي على طريق الحرير، ومن كونها موطناً لصناعات محلية مثل القطن والصوف وصابون الغار، وكان السوق المستقيم أبرز أسواقها، بطول يصل إلى 750 متراً، يعود تخطيطه إلى القرن الرابع قبل الميلاد أحد أشهر أسواقها، ويتميز بتخطيط شطرنجي وسبعة شوارع موازية ومتعامدة، ليشكل شبكة أسواق بطول 12 ألف متر، وهو طول أسواق حلب القديمة التي توزعت على طول هذا الشارع، مثل سوق باب أنطاكية، خان التتن، البهرمية، السقطية، العطارين، العبي، وصولاً إلى سوق الزرب.
يؤكد أصحاب محال تجارية في أسواق حلب القديمة التقاهم موقع تلفزيون سوريا، أن عدد أسواق حلب القديمة بلغ 37 سوقاً، لكل منها تخصص محدد، مثل سوق القطن، سوق الحبال، وسوق السقطية، هذا التنوع جعلها أشبه بأكبر “سوبر ماركت” في العالم القديم، وفي العصر الحديث أيضا، فأسواق المدينة القديمة ظلت مقصداً للمتسوقين من مختلف أرجاء البلاد، وبالأخص شمال وشمال شرق سوريا حتى وقت قريب قبل انطلاق الثورة السورية.
ويذكر المؤرخ كامل الغزي في كتابه نهر الذهب في تاريخ حلب أن تلك الأسواق كانت تضم نحو 15 ألف دكان، وشكلت مركزاً لتجارة الأقمشة والسجاد والزجاجيات والصابون والمنتجات المعدنية والذهبية.
تتميز أسواق حلب القديمة بطابعها العمراني الجميل، حيث تتوفر فيها نوافذ للتهوية والإنارة، وتوفر جواً معتدلاً يحمي من حر الصيف وبرد الشتاء، يبلغ مجموع أطوال الأسواق على الجانبين 15 كم، بمساحة 16 هكتاراً، وكانت تدخل إليها القوافل عبر أبواب المدينة الشهيرة مثل باب الجنان وباب الفرج وباب النصر وباب قنسرين وباب أنطاكية.
اليوم، ومع انطلاق خطة الترميم الجديدة، يترقب أصحاب المحال التجارية في أسواق حلب القديمة بفارغ الصبر لحظة العودة إلى دكاكينهم التي هجروها قسراً، ليستعيدوا تجارتهم ويعيدوا فتح أبوابهم أمام الزبائن والسياح، فحتى الآن، لا يتجاوز عدد الأسواق التي جرى ترميمها عدد أصابع اليد، رغم أن النظام المخلوع روج كثيراً منذ نهاية العام 2016 لعمليات ترميم واسعة النطاق، لكن تلك الوعود لم تكن سوى دعاية فارغة، بينما كانت مؤسسة الأغا خان هي الجهة الوحيدة التي تولت الترميم الفعلي وسط ظروف بالغة الصعوبة، بسبب تحكم الأمانة السورية للتنمية التي ترأستها أسماء الأسد في إدارة المشاريع والاستفادة منها.
يبدو أن إعادة ترميم أسواق حلب ليست مجرد إعادة بناء حجارة مهدمة، بل هي إعادة إحياء لذاكرة مدينة شكلت عبر قرون طويلة مركزاً للتجارة والثقافة في الشرق، ومع هذه الجهود الجديدة، تبدو حلب على أعتاب استعادة جزء من روحها الاقتصادية والتراثية، لتعود أسواقها نابضة بالحياة كما كانت، شاهدة على تاريخ غني ومتنوع، ومؤذنة بولادة جديدة لمدينة قاومت الدمار، لكن يمكن القول أن الطريق طويل للوصول إلى حلم الترميم الكامل لأسواق حلب القديمة، المهمة صعبة ومكلفة وتحتاج لوقت.
للمزيد: تابع موقع نبض الخليج ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر
مصدر المعلومات والصور : شبكة المعلومات الدولية