«نبض الخليج»
وجود المسلحين الأجانب والمجموعات الجهادية المسلحة في سوريا وما يشكله من معضلة حقيقية لايجوز تجاهل آثارها، وما قد يخلقه وجودهم من مشكلات متعددة أهمها الفكر الجهادي الذي يؤمنون به، وعرقلة عودة سوريا إلى المجتمع الدولي ومسألة الاعتراف بالسلطة الجديدة ورفع العقوبات المفروضة على الشعب السوري التي باتت شروطاً واضحة تضعها العديد من الدول وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي وربطها بطريقة تعاطي الحكومة السورية في حل مسألة المسلحين الجهاديين بشكل خاص.
منذ أيام طرحت على صفحتي في الفيس بوك أسئلة تتعلق بأهداف تواجد هؤلاء المسلحين الأجانب في سوريا، هل كان لنصرة الشعب السوري؟ أم لإقامة الدولة الإسلامية في سوريا؟
أكثر من 500 سوري وسورية أجابوا على هذا السؤال، بعضهم اعتبر وجود هؤلاء المسلحين جاء نصرة للإسلام والمسلمين ورحب بوجودهم وطالب بمنحهم الجنسية السورية أسوة بالسورريين المتواجدين في أوروبا الذين حصلوا على جنسيات البلدان التي لجأوا إليها.
في حين اعتبر البعض وجودهم جاء بهدف إقامة الخلافة أو الدولة الإسلامية ودعا إلى إعادتهم إلى بلدانهم رافضا بالمطلق وجودهم في سوريا.
وأقلية قليلة اعتبرت إعادتهم إلى بلدانهم يشكل خطراً على حياتهم، ودعت إلى منحهم حق الإقامة وحتى الجنسية شرط عدم حملهم السلاح والعيش بسلام واحترامهم لثقافة وعادات الشعب السوري والدستور والقوانين السورية.
من الخطأ أن نشبه وجود هؤلاء المسلحين الأجانب على أراضينا بلجوء السوريات والسوريين سواء بعد اندلاع ثورة الشعب السوري ضد نظام الأسد في آذار 2011 أو في ثمانينيات القرن الماضي إلى دول العالم وحصولهم على الحماية واللجوء والتجنس بجنسيات البلدان التي لجأوا إليها.
هذا الرأي فيه إجحاف وظلم كبيران بحق السوريين والسوريات المتواجدين في دول أوروبا الذين حصلوا على حمايتها وجنسيتها، فاللاجئون السوريون لم يدخلوا تلك الدول حاملين السلاح رافعين شعارات إقامة دولتهم بقوة السلاح على أراضي تلك الدول، بل لجؤوا إليها طلباً للحماية والأمان والسلام هرباً من بطش نظام الأسد، بخلاف المسلحين الجهاديين الذين لم يهربوا من بلدانهم إلى سوريا طلبا للحماية والأمان، وإلا كانوا هربوا إلى دول مستقرة وآمنة وليس إلى سوريا التي كانت تعيش في حالة نزاع مسلح وحرب، وهؤلاء المسلحون أعلنوا على وسائل التواصل الاجتماعي علناً وبوضوح أنهم قدموا إلى سوريا للجهاد فيها وإقامة الدولة الإسلامية أو الخلافة الإسلامية، هذا الأمر بالتحديد رأت فيه كثير من الدول خطراً يهدد استقرار دولهم وخاصة تلك المحيطة بسوريا أو القريبة منها.
هناك إجماع دولي وإقليمي اليوم على استقرار الوضع في سوريا، وتوافق على مساعدتها في تحقيق السلم الأهلي والاجتماعي والاقتصادي، فإنه يجب علينا في سوريا أن نستفيد من هذا الظروف والأجواء إلى أبعد الحدود في معالجة وجود هؤلاء المسلحين بما يخدم إعادة بناء الدولة السورية واستقرارها.
وبنفس الوقت من المجحف وغير الإنساني أيضا أن نطلب لأنفسنا العيش بسلام وأمان، وفي الوقت نفسه ندعو إلى ترحيل هؤلاء المسلحين وإعادتهم إلى بلدانهم وتعرضيهم لخطر الموت، فهذا ليس من شيمنا أبداً، ومن حق هؤلاء أن يعيشوا بسلام مثل كل البشر. ومن هذه الزاوية الإنسانية، ولكون هؤلاء المسلحين سيتعرضون للخطر إذا تم ترحيلهم، ولكون وجودهم في سوريا أصبح واقعاً لايمكن تجاهله ويجب حله بشكل إنساني وأخلاقي وبما يتوافق مع شرعة حقوق الإنسان من خلال تأمين الحماية لهم مثلما نحن استفدنا من تلك الحماية كسوريات وسوريين عندما هربنا ولجأنا إلى دول العالم طلبا للحماية والعيش بسلام هرباً من بطش نظام الأسد.
ولحل هذه الإشكالية بين من يرفض وجودهم بالمطلق في سوريا وبين من يقبل بوجودهم من دون شروط أو بشروط معينة طرحت سؤالاً أخر لحسم الرأي حول الطريقة الأفضل لحل مشكلة وجود هؤلاء المسلحين الأجانب على أراضينا في ضوء اشتراطات المجتمع الدولي ومصلحة الشعب السوري وعدم تعريض هؤلاء المسلحين للخطر.
هذه المرة جاءت الإجابات مختلفة، إذ لوحظ انخفاض حدة الرفض في التعامل مع هذه الملف، كما انخفضت نسبة المطالبين بترحيلهم إلى بلدانهم والرافضين لوجودهم في سوريا، وبدا واضحاً في معظم الإجابات أن وجود هذه المجموعات في سوريا أصبح واقعاً ويجب التعامل مع قضيتهم بشكل إنساني وعدم تعريض حياتهم للخطر بما يتوافق مع شرعة حقوق الإنسان، وبما يحفظ أيضاً مصلحة سوريا وشعبها، وأيضا بما يسهم في رفع العقوبات عن الشعب السوري وإعادة الإعمار واستقرار الوضع في سوريا.
وحيث أن هناك إجماعاً دولياً وإقليمياً اليوم على استقرار الوضع في سوريا، وتوافق على مساعدتها في تحقيق السلم الأهلي والاجتماعي والاقتصادي، فإنه يجب علينا في سوريا أن نستفيد من هذا الظروف والأجواء إلى أبعد الحدود في معالجة وجود هؤلاء المسلحين بما يخدم إعادة بناء الدولة السورية واستقرارها. وأن نستفيد من كل التجارب السابقة التي تشبه الحالة السورية، من دون أن نعرّض أمن سوريا ومصالحها للخطر في هذه المرحلة الصعبة التي نعيشها.
وإني أرى أن حل مسألة تواجد المسلحين الأجانب يجب أن لايقتصر فقط على موضوع المسلحين الأجانب “الجهاديين” الذين يقاتلون مع السلطة فقط، بل ويجب أن يشمل أيضاً المسلحين الأجانب الذين يقاتلون مع قوات قسد، وأيضاً مقاتلي داعش الموجودين في السجون.
ونظراً لأن سوريا اليوم في وضعها الحالي غير قادرة لوحدها على معالجة هذا الملف من دون مساعدة من المجتمع الدولي وحيث أن العديد من دول العالم أسهمت بهذا الشكل أو ذاك بتسهيل إرسال هؤلاء المسلحين للقتال في سوريا، وبالتالي عليها أن تتحمل جزءاً من المسؤولية بمساعدة سوريا في حل هذه المعضلة، من خلال مثلا تقديم المساعدة التقنية والمادية للحكومة السورية التي تفتقر اليوم إلى الموارد اللازمة للتعامل مع هذه القضية المعقدة. ومساعدتها في وضع وتنفيذ برامج إعادة التأهيل والإدماج للمقاتلين السوريين”الجهاديين” المعرضين للخطر في حياتهم إذا تم ترحيلهم إلى بلدانهم الأصلية، وذلك لتسهيل اندماجهم في المجتمع بما يحفظ أمن وسلامة ومصالح الشعب السوري، مع ضمان التزام هؤلاء المسلحين بالشروط الموضوعة كالتخلي عن السلاح واحترام الدستور والقوانين السورية وحظر توليهم أية مناصب مهمة في الحكومة وعلى الخصوص في مؤسسات الجيش والأمن والشرطة والإفتاء، ويجب أن يشمل هذا الدعم أيضا مساعدة الحكومة السورية في بناء مؤسسات قوية قادرة على إدارة القضايا الأمنية والإنسانية بشكل فعَّال. والمساعدة أيضا في تأسيس صندوق دولي خاص لدعم جهود الحكومة السورية في التعامل مع هذه المشكلة، بما في ذلك دعم برامج إعادة التأهيل والمساعدة في توفير فرص عمل جديدة وفي إعادة الإعمار. وأيضا مساعدتها في عقد اتفاقيات بين سوريا والدول التي ينتمي إليها هؤلاء المسلحين لضمان عودة من يريد إلى بلاده بأمان، مع تقديم ضمانات دولية بعدم تعرضهم للاضطهاد. وأيضا في إلزام الدول على استعادة رعاياها من المقاتلين وعائلاتهم الذين ينتمون لتنظيم داعش الموجودين في السجون .
خلاصة القول، ما لم يتحمل المجتمع الدولي مسؤولياته تجاه سوريا في مساعدتها على حل معضلة المسلحين الأجانب وخاصة الجهاديين منهم، فإن سوريا لوحدها لن تكون قادرة على حلّها، ومن مصلحة المجتمع الدولي مساعدة سوريا في حل هذه المعضلة قبل أن تنفجر في وجه الجميع، ولن تتوقف آثارها المدمرة على سوريا، بل ستمتد لتهدد استقرار المنطقة والعالم.
للمزيد: تابع موقع نبض الخليج ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر
مصدر المعلومات والصور : شبكة المعلومات الدولية