جدول المحتويات
«نبض الخليج»
شهدت سوريا في مارس/آذار 2011 الثورة التي قوبلت بقمع عنيف من قبل النظام. ردًا على ذلك، فرض الاتحاد الأوروبي أول حزمة عقوبات في 9 أيار/مايو 2011 مستهدفًا المسؤولين عن العنف ضد المدنيين.
شملت الإجراءات الأولى حظرا على تصدير الأسلحة ومعدات القمع الداخلي إلى سوريا، بالإضافة إلى قيود على سفر الشخصيات الضالعة في القمع وتجميد أصولها المالية وجاء في القرار الأوروبي أن هذه العقوبات «لا تستهدف الشعب السوري، بل تهدف إلى حرمان النظام من الموارد المالية والدعم الذي يمكّنه من مواصلة القمع».
وقد أكدت الممثلة العليا للاتحاد حينها كاثرين آشتون أن الخطوة جاءت نتيجة «لحملة النظام السورية المروعة ضد شعبه».
بعد أيام من الحزمة الأولى، وسّع مجلس الاتحاد الأوروبي في 23 أيار/مايو 2011 قائمة العقوبات لتشمل مزيدًا من المسؤولين، من ضمنهم الرئيس المخلوع بشار الأسد ودائرة المقربين منه. وهكذا بات الأسد نفسه خاضعًا لحظر السفر وتجميد الأصول منذ مايو/أيار 2011.
وبذلك وجّه الاتحاد الأوروبي رسالة واضحة بأنه يحمّل رأس النظام والمسؤولين عن القمع مسؤولية مباشرة.
استمرت الاحتجاجات واتسع نطاق قمع النظام خلال عام 2011، مما دفع الاتحاد الأوروبي إلى سلسلة إجراءات تصعيدية إضافية خلال الأشهر اللاحقة.
توسيع وتشديد العقوبات (2011–2012)
مع تفاقم العنف، وسّع الاتحاد الأوروبي نطاق العقوبات بشكل ملحوظ. في أيلول/سبتمبر 2011، قرر المجلس الأوروبي توسيع معايير الإدراج على قائمة العقوبات لتشمل أيضًا الأشخاص والكيانات المستفيدة من النظام أو الداعمة له. كما فرض في الشهر نفسه حظرًا على استيراد النفط الخام والمشتقات النفطية السورية إلى دول الاتحاد، إلى جانب منع نقل النفط من سوريا بواسطة الشركات الأوروبية. وشملت القرارات أيضًا حظر تقديم أي خدمات مالية أو تأمينية تتعلق بتجارة النفط مع سوريا، وذلك في محاولة لحرمان النظام من عائدات النفط التي تشكّل مصدرًا حيويًا لتمويل حملته القمعية. وقد أدى هذا القرار فعليًا إلى وقف صادرات النفط السورية إلى أوروبا تمامًا، حيث كانت دول الاتحاد من أبرز مستوردي النفط السوري قبل الحرب.
بحلول أواخر 2011، استمر الاتحاد في إحكام الخناق الاقتصادي والدبلوماسي على النظام. في 14 تشرين الثاني/نوفمبر 2011، تم حظر استثمارات بنك الاستثمار الأوروبي (EIB) في مشاريع بسوريا، وتعليق الاتفاقيات التمويلية القائمة مع الحكومة السورية. تبع ذلك في 1 كانون الأول/ديسمبر 2011 اعتماد القرار 2011/782/CFSP الذي دمج وأعاد تنظيم كافة التدابير التقييدية المفروضة حتى ذلك التاريخ، بحيث أصبح الإطار القانوني للعقوبات أكثر شمولًا ووضوحًا. وفي مطلع العام 2012، أصدر المجلس اللائحة (EU) رقم 36/2012 التي حلّت مكان اللوائح السابقة ووضعت جميع العقوبات في نص موحّد.
خلال عام 2012، واصل الاتحاد الأوروبي تشديد العقوبات بالتوازي مع استمرار الصراع. في فبراير 2012 فُرض تجميد لأصول البنك المركزي السوري لدى أوروبا ومنع التعامل معه، بهدف عزل النظام ماليًا. كما تم حظر رحلات الشحن الجوي التابعة للخطوط السورية إلى مطارات الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى حظر تصدير الذهب والمعادن الثمينة من وإلى المؤسسات الحكومية السورية. في ربيع 2012، استهدف الاتحاد الأوروبي أيضًا أسرة الأسد والمقربين ضمن مساعيه للضغط على الدائرة الضيقة للنظام؛ فقد أُدرجت أسماء أسماء الأسد زوجة الرئيس، ووالدته أنيسة مخلوف، وأخته بشرى الأسد، وعدد من أفراد عائلة مخلوف (أخوال الرئيس) على قائمة العقوبات في آذار/مارس 2012. وشمل ذلك حظر سفرهم وتجميد أموالهم داخل أوروبا. أوضح دبلوماسي أوروبي آنذاك أن العقوبات طالت «كامل العائلة» الحاكمة، في إشارة إلى السعي لمنع النخبة الحاكمة في النظام من التمتع بأسلوب حياة فخم في الوقت الذي تعاني فيه البلاد من النزاع. كما استُهدفت شبكات رجال الأعمال المرتبطة بالنظام، حيث أضيفت شركات سورية وشخصيات أعمال تموّل النظام أو تستفيد منه، لضمان عدم قدرتهم على الالتفاف على العقوبات.
بنهاية 2012، كانت حزمة العقوبات الأوروبية قد أصبحت واحدة من أشمل أنظمة العقوبات التي يفرضها الاتحاد على بلد ما. ووفق مصادر دبلوماسية، وصلت القائمة السوداء بحلول منتصف 2012 إلى 126 شخصًا و41 كيانًا سوريًا محظورين أوروبيًا. وتضمنت القائمة معظم أركان النظام الأمني والعسكري السوري، وأفراد عائلة الأسد والمقربين، إلى جانب شركات حكومية وخاصة مساهمة في تمويل النظام. وقد مهّد هذا التشديد الشامل الطريق أمام إطار قانوني موحّد اعتمده المجلس لاحقًا في عام 2013.
استمرار العقوبات وتطوير الإطار (2013–2020)
بحلول أيار/مايو 2013، قام الاتحاد الأوروبي بإعادة هيكلة نظام العقوبات على سوريا لضمان استمراريته وفعاليته على المدى الطويل. أصدر المجلس في 31 مايو 2013 القرار 2013/255/CFSP الذي جمع كافة التدابير التقييدية في وثيقة واحدة ، وأصبح الأساس القانوني لسياسة العقوبات على سوريا في السنوات التالية. تزامن ذلك مع توسيع قائمة المستهدفين لتشمل مزيدًا من الشخصيات العسكرية والأمنية، والعلماء المشاركين في برامج التسلح الكيميائي، والممولين المحليين والأجانب للنظام. وقد ظل تحديث القائمة وإضافة أسماء جديدة يجري بانتظام مع كل تطور على الأرض؛ فمع كل تعديل وزاري أو تغيير في مناصب قيادية في النظام، يُسارع الاتحاد إلى إدراج الوزراء والمسؤولين الجدد إذا تبيّن استمرارهم على نهج القمع. على سبيل المثال، في مطلع عام 2019 أضاف المجلس 11 رجل أعمال و5 شركات على صلة بمشاريع عقارية فاخرة يدعمها النظام ، مشيرًا إلى أنهم «يدعمون النظام أو يستفيدون منه». وبإضافة هؤلاء بلغ إجمالي المستهدفين آنذاك 270 شخصًا و72 كيانًا قيد العقوبات.
شهدت الفترة 2013–2014 تطورات خطيرة في الصراع السوري، أبرزها استخدام الأسلحة الكيميائية. وبعد هجوم الغوطة الكيماوي في آب/أغسطس 2013، دعم الاتحاد الأوروبي جهود منظمة حظر الأسلحة الكيميائية لتفكيك الترسانة السورية، وأجرى «تعديلات تقنية» على نظام عقوباته في ديسمبر 2013 للسماح بتمويل عمليات إتلاف الأسلحة الكيميائية دون خرق العقوبات. في الوقت نفسه، استمر الاتحاد بإدانة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان واستهداف المستشفيات والمدنيين، محمّلًا النظام «المسؤولية الأساسية عن الكارثة الإنسانية ومعاناة الشعب السوري». هذه المواقف السياسية الثابتة بررت استمرار وتجديد العقوبات سنويًا. فعلى مدى العقد، اعتاد مجلس الاتحاد الأوروبي أن يجدد سريان العقوبات كل سنة في مايو/أيار، بعد مراجعة الوضع الميداني والإنساني. وجاءت بيانات التجديد السنوية لتؤكد أن «غياب أي تحسّن في سلوك النظام واستمرار القمع» يجعل من الضروري إبقاء العقوبات. وقد صدر قرار المجلس مثلًا في 28 أيار/مايو 2020 بتمديد العقوبات عامًا آخر «نظرًا لاستمرار تعرض المدنيين لانتهاكات جسيمة». وبحلول 2022، ورغم تغير المشهد الميداني لصالح النظام، شدّد الاتحاد أنه لا يرى بديلًا عن الحل السياسي وفق قرار مجلس الأمن 2254، وأنه سيواصل سياسة الضغط والعزلة حتى تحقيق انتقال حقيقي
على الصعيد الاقتصادي، أظهرت العقوبات تأثيرًا واضحًا على قدرة النظام التمويلية. فقد تضمنت الإجراءات حظرًا نفطيًا كاملًا (أوقف تصدير قرابة 90% من النفط السوري إلى أوروبا، وحظر الاستثمار في قطاع النفط السوري أو تقديم أي دعم تقني فيه، إضافة إلى تجميد أصول المصرف المركزي السوري في دول الاتحاد. كما شملت حظر تصدير التقنيات الحساسة التي يمكن استخدامها للمراقبة أو القمع، مثل أجهزة الاتصالات والتنصت ومنعت العقوبات أيضًا تصدير السلع الكمالية إلى سوريا بهدف ضرب نمط حياة النخبة الحاكمة ولم يغفل الاتحاد عن ملاحقة الشبكات المالية المرتبطة بالنظام، ففرض قيودًا على تحويل الأموال والاستثمارات من قبل رجال أعمال مرتبطين بالأسد. في شباط/فبراير 2022 – على سبيل المثال – أضاف الاتحاد خمسة من أفراد عائلة مخلوف (أخوال الأسد) إلى القائمة السوداء ، مبررًا ذلك برغبته في منع انتقال ثروة رجل الأعمال محمد مخلوف إلى ورثته واستخدامها لتمويل النظام. وقتذاك بلغ عدد المدرجين في القائمة حوالي 292 شخصًا و70 كيانًا.
خلاصة هذه المرحلة أن الاتحاد الأوروبي تمكن من بناء نظام عقوبات صارم وشامل شمل معظم مفاصل النظام السوري وداعميه. وعلى مدار أكثر من عشر سنوات، ظلت بروكسل ملتزمة بموقفها المعلن: لا تطبيع ولا رفع للعقوبات ولا مساهمة في إعادة الإعمار دون انتقال سياسي حقيقي في سوريا وقد تكرس هذا الموقف في بيانات رسمية عديدة، منها خلاصات المجلس الأوروبي في أبريل 2024 التي شددت على «استحالة التطبيع أو رفع العقوبات قبل انخراط النظام بعملية سياسية وفق قرار 2254».
الإعفاءات الإنسانية وتدابير التخفيف
رغم شمولية العقوبات، حرص الاتحاد الأوروبي على تضمين استثناءات تهدف لتفادي الإضرار بالشعب السوري. فمنذ السنوات الأولى، أكدت القرارات أن العقوبات «مصممة لتجنب إعاقة وصول المساعدات الإنسانية». عمليًا، لم تشمل العقوبات حظرًا على صادرات الغذاء والدواء والمعدات الطبية إلى سوريا. كذلك أُدرجت بنود خاصة تتيح منح تراخيص استثنائية للتحويلات المالية أو توريد المواد لغرض إنساني، شريطة عدم استفادة أي شخص مدرج على اللائحة.
في عام 2013، وبعد الاعتراف بـ“الائتلاف الوطني” ممثلًا للمعارضة، سمح الاتحاد الأوروبي بإعفاءات تهدف لدعم المناطق الخارجة عن سيطرة النظام. ففي 22 نيسان/أبريل 2013، قرر المجلس تخفيف حظر النفط بشكل مشروط بهدف مساعدة المعارضة والمدنيين، حيث سُمِح للدول الأعضاء بالترخيص لـاستيراد النفط من مناطق تسيطر عليها المعارضة، وكذلك تصدير معدات نفطية لها واستثمار مشاريع هناك لكن ربط الاتحاد هذه الاستثناءات بالتنسيق مع قيادة المعارضة السورية والتأكد من عدم استفادة النظام منها. وقد جاء في البيان الرسمي آنذاك أن هذه الخطوة تأتي «بهدف مساعدة السكان المدنيين ودعم المعارضة». على المنوال نفسه، أتاحت التعديلات في 2014 إدخال مواد تموينية وطبية بشكل أسهل، عبر إعفاءات إنسانية إضافية من تجميد الأصول.
عقب كارثة الزلزال المدمّر الذي ضرب سوريا وتركيا في 6 شباط/فبراير 2023، سارع الاتحاد الأوروبي إلى توسيع نطاق التسهيلات الإنسانية ضمن العقوبات السورية. فأقر المجلس في 23 فبراير 2023 إعفاءً إنسانيًا شاملاً لمدة ستة أشهر، يتيح تجاوز بعض قيود العقوبات مؤقتًا لتسهيل إيصال مواد الإغاثة والمساعدات الدولية بسرعة إلى المتضررين. وفي تموز/يوليو 2023، مُدّد هذا الإعفاء الإنساني حتى 24 فبراير 2024. ثم قرر المجلس في أيار/مايو 2024 جعل هذا الإعفاء مفتوح المدة ضمن نظام العقوبات. وأكد الاتحاد الأوروبي مرارًا أن عقوباته «لن تعرقل تسليم المساعدات الإنسانية إلى أي منطقة في سوريا» ، مشددًا على استثناء الغذاء والدواء بشكل تام من أي حظر.
أبرز الشخصيات والجهات المشمولة بالعقوبات
طال نظام العقوبات الأوروبي المئات من الأفراد والكيانات السورية على مدار السنوات. وفيما يلي أبرز الفئات والأسماء التي شملتها العقوبات:
رأس النظام وعائلته: الرئيس المخلوع بشار الأسد مُدرج منذ 2011 على قائمة العقوبات، إلى جانب زوجته أسماء الأسد (بريطانية الجنسية) التي أضيفت عام 2012، وكذلك والدته أنيسة مخلوف وشقيقته بشرى الأسد وشقيقه ماهر الأسد قائد الفرقة الرابعة وشملت العقوبات أيضًا أفرادًا آخرين من عائلة الأسد الموسعة مثل أبناء خاله من آل مخلوف.
أركان الحكومة والقيادات الأمنية: جميع رؤساء الأجهزة الأمنية السورية الكبار أُدرجوا على القائمة، منهم مدير المخابرات العامة علي مملوك، ورئيس شعبة الأمن السياسي سابقًا محمد ديب زيتون، ورئيس الاستخبارات العسكرية السابق عبد الفتاح قدسية كما أضيف عشرات الضباط من رتب عليا في الجيش والاستخبارات الذين تورطوا في حملة القمع أو هجمات الأسلحة الكيميائية، مثل جميل حسن مدير مخابرات سلاح الجو، والعميد حسام لوقا وغيرهم. كذلك فُرضت عقوبات على مسؤولين حكوميين بارزين بينهم وزراء الدفاع والداخلية تباعًا، وكل من يشغل منصب وزير النفط أو المالية مثلًا أثناء الحرب. في نوفمبر 2024، أضاف الاتحاد ثلاثة وزراء حاليين (منهم وزير التجارة الداخلية لؤي منجد, ووزير النفط فراس قدور) بسبب استمرار القمع وانتهاكات حقوق الإنسان.
الشبكات المالية ورجال الأعمال: استهدفت العقوبات كبار رجال الأعمال السوريين الذين موّلوا النظام أو استفادوا من الحرب. من أبرزهم ابن خال الرئيس المخلوع رامي مخلوف (رجل الأعمال الأبرز قبل أن يُنحّى عام 2020)، إذ فُرضت عقوبات على شركاته في الاتصالات والعقارات. كما شملت محمد حمشو (رجل أعمال مقرب من النظام) ، وممولين آخرين مثل خضر علي طاهر وبسام القاطرجي (المرتبطة بشحن النفط) وغيرهم. إجمالًا، استُهدف العشرات من رجال الأعمال في قطاعات النفط والإنشاءات والمالية، خاصة أولئك المنخرطين في ما سُمّي «اقتصاد الحرب». وذكر بيان لمجلس الاتحاد الأوروبي في 2022 أن العقوبات تطال «شركات ورجال أعمال بارزين يستفيدون من علاقاتهم بالنظام واقتصاد الحرب».
الجهات والكيانات الرسمية: طالت العقوبات مؤسسات حكومية واقتصادية مختلفة، على رأسها مصرف سوريا المركزي الذي جُمّدت أصوله في أوروبا ، والخطوط الجوية السورية (السورية للطيران) التي مُنعت من الهبوط في مطارات الاتحاد. كما أدرجت عدة مصارف حكومية سورية كالمصرف التجاري والعقاري في فترات مختلفة. شملت العقوبات أيضًا شركات قطاع النفط مثل الشركة السورية للنفط والمؤسسات المشغّلة لحقول النفط ، وشركات الأسلحة والتكنولوجيا كالمركز السوري للبحوث العلمية المسؤول عن برنامج الأسلحة الكيميائية. وكذلك طالت الفرق والشركات العسكرية والأمنية الداعمة للنظام، بما فيها ميليشيات محلية. وامتد الإدراج ليشمل أحيانًا جهات غير سورية تورطت في الصراع، مثل قادة من الحرس الثوري الإيراني الذين ظهر دورهم في دعم النظام ميدانيًا.
أنواع العقوبات الأوروبية المفروضة
تنوّعت طبيعة العقوبات التي طبقها الاتحاد الأوروبي على النظام السوري ضمن مجالات متعددة:
عقوبات دبلوماسية وشخصية: حظر سفر إلى دول الاتحاد الأوروبي على المسؤولين السوريين المدرجين (يشمل ذلك الأسد وعائلته ومعظم وزرائه وكبار ضباطه)، وتجميد أصولهم وأموالهم في المصارف الأوروبية. يُمنع أيضًا على أي شخص أو شركة أوروبية تقديم أموال أو خدمات مالية لهؤلاء المدرجين.
عقوبات مالية ومصرفية: تجميد أصول البنك المركزي السوري لدى الاتحاد الأوروبي ، ومنع التعامل معه أو تمكينه من احتياطي النقد الأجنبي. حظر على المصارف الأوروبية فتح فروع أو إقامة علاقات مراسلة مع المصارف السورية، إلا في نطاق محدود سمحت به الإعفاءات الإنسانية. كما تم حظر بيع أو توريد العملات الورقية السورية (الأوراق النقدية) لمنع طباعة العملة للنظام.
حظر الأسلحة ومعدات الأمن: حظر شامل على تصدير الأسلحة والذخائر إلى سوريا، وكذلك معدات يمكن استخدامها في القمع الداخلي (مثل أدوات المراقبة والاتصالات الأمنية). ويشمل ذلك أيضًا المواد ذات الاستخدام المزدوج التي يمكن أن توظف عسكريًا.
حظر النفط والطاقة: حظر استيراد النفط الخام والمنتجات النفطية السورية إلى دول الاتحاد ، بما في ذلك منع شركات الشحن الأوروبية من نقل النفط السوري إلى أي مكان. منع الاستثمار في قطاع النفط والغاز بسوريا، وحظر تزويد سوريا بمعدات أو تقنيات تخص صناعة النفط والغاز. إضافة إلى حظر تصدير الوقود الجوي للقوات الجوية السورية.
قيود تجارية واقتصادية عامة: حظر تصدير السلع الكمالية إلى سوريا (مثل السيارات الفاخرة والمجوهرات وغيرها) منذ 2012. حظر التجارة بالذهب والمعادن الثمينة مع الجهات الحكومية السورية. منع تقديم التمويل أو التأمين لمشاريع أو صفقات يستفيد منها النظام، مع استثناءات تخضع لموافقة مسبقة في حالات إنسانية. كما علّق الاتحاد برامج التعاون الاقتصادي مع الحكومة السورية (كمشاريع التنمية والمساعدات الثنائية الحكومية) منذ 2011.
حظر النقل والطيران: منع طائرات الشحن السورية من الهبوط في مطارات دول الاتحاد، وتقييد رحلات الركاب التابعة لشركة الطيران السورية. وكذلك حظر تزويد الطائرات السورية بالوقود أو خدمات الصيانة في المطارات الأوروبية.
عقوبات تتعلق بالآثار والثقافة: حظر شراء أو استيراد الآثار والتحف الثقافية التي خرجت بصورة غير مشروعة من سوريا منذ مارس 2011 ، وذلك لمنع الاتجار بآثار سوريا المسروقة خلال الحرب.
تُطبَّق جميع هذه العقوبات عبر لوائح ملزمة قانونيًا لجميع الدول الأعضاء في الاتحاد. وقد أكد المجلس أن هذه الإجراءات تتمتع بمرونة للسماح بالاستثناءات عند الضرورة الإنسانية ، لكن في المجمل شكّلت منظومة عقوبات غير مسبوقة من حيث اتساعها وصرامتها ضد النظام السوري.
سياسة التجديد السنوي والمراجعة الدورية
اعتمد الاتحاد الأوروبي آلية لمراجعة عقوباته على سوريا سنوياً واتخاذ قرار بتمديدها أو تعديلها كل ربيع. فمنذ 2012 دأب مجلس وزراء خارجية الاتحاد على إصدار قرار في أواخر شهر أيار/مايو من كل عام يقضي بتمديد سريان العقوبات لمدة 12 شهرًا إضافية. وجرت العادة أن يصاحب التمديد إجراء تعديلات فنية مثل إضافة أو إزالة بعض الأسماء بحسب المستجدات. فمثلاً، في 31 أيار/مايو 2022 مدّد المجلس العقوبات حتى يونيو 2023 وقرر شطب 3 أشخاص من اللائحة (لتوفّيهم أو تغيّر الظروف)، مما جعل القائمة تشمل 289 شخصًا و70 كيانًا وقتها. وبالمثل في 28 أيار/مايو 2024 مُدّدت العقوبات حتى 1 حزيران/يونيو 2025، مع حذف 6 أسماء (خمسة منهم توفوا). بعد هذا التعديل الأخير ارتفع عدد المُدرجين بسبب إضافات العام 2023 ليبلغ 316 شخصًا و86 كيانًا. وأكد المجلس في بيان التمديد عام 2024 أن «استمرار تدهور الوضع الإنساني وغياب حل سياسي يبرر الإبقاء على العقوبات». كما شدد أن النظام لا يزال «ينتهج سياسة القمع وانتهاك حقوق الإنسان» بحق الشعب السوري.
إلى جانب التمديد المنتظم، أبقى الاتحاد الأوروبي الباب مفتوحًا لمراجعة موقفه على ضوء التطورات الميدانية والسياسية. وقد ورد في كل بيان رسمي تقريبًا أن بروكسل «تتابع النزاع في سوريا عن كثب، وستعدّل سياستها بناء على تطورات الوضع على الأرض». في هذا السياق، رحّب الاتحاد أحيانًا بخطوات معينة – مثل انضمام سوريا إلى اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية 2013 – وقام بتعديل طفيف للعقوبات لتسهيل تنفيذ تلك الخطوات. لكنه بالمقابل لوّح بتشديد العقوبات في حال تفاقمت الانتهاكات، وأدرج شخصيات جديدة متورطة في جرائم حرب (مثل مسؤولين عن هجمات بالأسلحة الكيميائية في 2017–2018). هذه المقاربة المرنة سمحت للاتحاد بالحفاظ على ضغط مستمر على النظام، مع إظهار استعداد مشروط لتعديل العقوبات إذا «شهدت سوريا تغييرًا جوهريًا».
نحو رفع العقوبات: تغيّر السياق السياسي (2023–2025)
مع مطلع عام 2023، برزت متغيرات إقليمية ودولية دفعت نحو إعادة تقييم سياسة العزلة التامة تجاه نظام الأسد. فقد شهدت المنطقة انفراجات دبلوماسية تمثلت بعودة سوريا لشغل مقعدها في جامعة الدول العربية في أيار/مايو 2023، وميل بعض الدول الإقليمية لاستئناف العلاقات مع حكومة النظام.
ظلّ الاتحاد الأوروبي رسميًا عند موقفه الرافض للتطبيع بدون انتقال سياسي، لكنه واجه ضغوطًا لمراجعة عقوباته، لاسيما في ظل تدهور الأوضاع الإنسانية والاقتصادية للسوريين. الزلزال المدمر في فبراير 2023 كان أيضًا حافزًا قويًا دفع الأوروبيين لاتخاذ إجراءات تخفيف إنسانية عاجلة كما أسلفنا.
وبعد سقوط نظام الأسد، أكد الاتحاد الأوروبي هذا الحدث في بيان على لسان الممثل الأعلى (جوزيب بوريل حينها) اعتبر فيه «سقوط النظام الاستبدادي لحظة تاريخية للشعب السوري» داعيًا إلى انتقال سلمي.
إثر ذلك، شكّلت حكومة انتقالية جديدة في دمشق، قادها الرئيس أحمد الشارع. وحاز هذا التطور ترحيبًا حذرًا من المجتمع الدولي، بما فيه الاتحاد الأوروبي الذي رآه «فرصة تاريخية لتوحيد وإعادة بناء البلاد»، وتعهّد القادة الأوروبيون بدعم السلطات الجديدة طالما التزمت بنهج شامل يحترم حقوق جميع المكونات.
في هذا المناخ، بدأت ملامح تخفيف تدريجي للعقوبات الأوروبية بالظهور. بتاريخ 19 ديسمبر 2024، تبنّى المجلس الأوروبي (قادة الاتحاد) خلاصات بشأن سوريا أقرّ فيها بوجوب دعم “الانتقال السياسي الشامل” في مرحلة ما بعد الأسد.
وأوعز القادة إلى وزراء الخارجية بدراسة رفع العقوبات الاقتصادية التي تستهدف قطاعات بأكملها، بهدف إنعاش الاقتصاد وتسهيل إعادة الإعمار، مع الإبقاء على العقوبات الموجهة ضد شخصيات النظام السابق الضالعين بالانتهاكات. وبالفعل، بتاريخ 24 شباط/فبراير 2025 أعلن مجلس الاتحاد الأوروبي تعليق عدد من العقوبات القطاعية الرئيسية المفروضة على سوريا. وشملت هذه الخطوة:
تعليق الحظر النفطي وقطاع الطاقة: رفْع القيود عن التعامل في مجالات النفط والغاز والكهرباء بهدف السماح باستئناف إنتاج الطاقة وشراء النفط السوري تحت إشراف الحكومة الجديدة.
تعليق قيود قطاع النقل: السماح لشركات الطيران السورية (مثل الخطوط السورية) باستئناف الرحلات إلى أوروبا، ورفع الحظر عن الشحن البحري والبري لنقل البضائع من وإلى سوريا.
إعادة ربط القطاع المصرفي: إزالة أسماء خمسة مصارف سورية من قائمة تجميد الأصول (هي المصرف الصناعي، التسليف الشعبي، التوفير، التعاوني الزراعي) ، والسماح بإقامة بعض العلاقات المصرفية بين البنوك السورية ونظيرتها الأوروبية لتسهيل التحويلات المتعلقة بقطاعي الطاقة والنقل والأغراض الإنسانية. كما سمح بالتعامل مع مصرف سوريا المركزي لتيسير الاستقرار النقدي.
إعفاءات إضافية: إدخال استثناءات تسمح للمسافرين من أوروبا إلى سوريا بحمل سلع كمالية للاستعمال الشخصي رغم بقاء حظر تصديرها تجاريًا. وكذلك تثبيت العمل بـالإعفاء الإنساني الشامل بشكل دائم في نظام العقوبات.
وصف الاتحاد هذه الإجراءات بأنها جزء من دعمه لـ“تعافي سوريا اقتصاديًا بشكل سريع” شريطة انتقال سياسي حقيقي. وأوضح بيان المجلس أن الخطوات تهدف إلى «تسهيل انخراط سوريا وشعبها وشركاتها في مجالات الطاقة والنقل» وتيسير تدفق الأموال اللازمة لأغراض إعادة الإعمار والإغاثة. في الوقت نفسه، أكد البيان أن الاتحاد سيواصل مراقبة الوضع عن كثب لضمان مناسبة هذه التعليقيات، مع إمكانية «تعليق مزيد من العقوبات الاقتصادية» في ضوء تطورات إيجابية مستقبلية.
بذلك، أسدل الستار على حقبة طويلة من العقوبات الأوروبية الشاملة على سوريا. وتدخل العلاقات الأوروبية-السورية مرحلة جديدة عنوانها التعاون، بدلاً من سياسة العزل الكامل.
للمزيد: تابع موقع نبض الخليج ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر
مصدر المعلومات والصور : شبكة المعلومات الدولية