جدول المحتويات
«نبض الخليج»
عادت المناطق الحرة في سوريا إلى واجهة المشهد الاقتصادي، مع إعلان الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية فتح باب التسجيل على فرص استثمارية جديدة في ثماني مناطق حرة موزعة على مواقع استراتيجية في البلاد.
ويأتي هذا التطور في ظل مساعٍ حكومية لتحفيز عجلة الاستثمار، وخلق بيئة أكثر مرونة لاستقطاب رؤوس الأموال المحلية والخارجية، بعد سنوات من التراجع الحاد الذي شهدته هذه المناطق بسبب الحرب.
وتمثل المناطق الحرة ركيزة أساسية في البنية الاقتصادية السورية، فهي مصممة لتكون نقاط جذب للتجارة والخدمات والصناعة، عبر حزمة واسعة من التسهيلات الجمركية والإدارية، إذ تُعفى هذه المناطق من معظم القيود المالية والتنظيمية، ما يجعلها مساحة محفزة للأنشطة الاستثمارية التي تحتاج إلى أطر قانونية مرنة وبيئة منخفضة الكلفة.
ويتوزع النشاط الاستثماري في هذه المناطق على محاور متعددة، أبرزها الاستيراد وإعادة التصدير، التخزين، والتصنيع الخفيف، كما تسمح للمستثمرين بامتلاك المشاريع وتشغيل الأيدي العاملة السورية والأجنبية، وتحويل الأرباح بحرية إلى الخارج.
ولطالما شكلت المناطق الحرة السورية نقطة التقاء مهمة بين الأسواق الإقليمية والدولية، واستقطبت مستثمرين من دول عربية وأجنبية، لا سيما في قطاعات السيارات، المواد الغذائية، والصناعات التحويلية، إلا أن ارتباط بعضها خلال السنوات الماضية بشبكات مصالح ضيقة تتبع للنظام المخلوع، كما في حالة عائلة مخلوف، أثّر سلباً على شفافيتها وأدائها.
فتح باب الاستثمار
أعلنت الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية في 24 نيسان الماضي عن فتح باب التسجيل على الفرص الاستثمارية في المناطق الحرة داخل الجمهورية العربية السورية، وذلك في المناطق الحرة التالية: دمشق، مطار دمشق الدولي، عدرا، حسياء، حلب (المسلمية)، الداخلية في اللاذقية، المرفئية في اللاذقية، المرفئية في طرطوس.
ودعت الهيئة المستثمرين الراغبين في التسجيل إلى مراجعة المنطقة الحرة المراد الاستثمار بها، وذلك اعتباراً من يوم الأحد الموافق 2025/04/27م.
وفي تصريحات خاصة لموقع تلفزيون سوريا، أوضح مازن علوش، مدير العلاقات المحلية والدولية في الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية، أن المناطق الحرة في الجمهورية العربية السورية صُممت لتكون بيئة محفزة للتجارة والاستثمار، عبر تقديم حزمة من التسهيلات المتعلقة بالضرائب والجمارك والإجراءات الإدارية.
وأشار إلى أن هذه المناطق تتيح استيراد المواد الخام والسلع وتصديرها أو تصنيعها دون أن تخضع للضرائب التقليدية المفروضة في بقية أنحاء البلاد، ما يجعلها خياراً مفضلاً لدى العديد من المستثمرين.
وأكد علوش أن نظام العمل في هذه المناطق يمنح إعفاءات كاملة من الرسوم الجمركية والضرائب على البضائع الداخلة والخارجة، ويوفر تسهيلات لوجستية وخدمية متقدمة، مع إمكانية تملّك المشاريع وتشغيل العمالة المحلية والأجنبية، إلى جانب تسهيل حركة الأموال وتحويل الأرباح إلى الخارج.
وأضاف أن هذه المناطق تخضع لبيئة قانونية منظمة تُدار حالياً من قبل الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية، بعد أن كانت تابعة في السابق للمؤسسة العامة للمناطق الحرة.
الدور الاقتصادي للمناطق الحرة
وحول الدور الاقتصادي الذي لعبته هذه المناطق سابقاً، أشار علوش إلى أن النشاط الاستثماري في المناطق الحرة السورية كان نشطاً قبل عام 2011، خصوصاً في مجالات التخزين والتجارة والصناعات الخفيفة، حيث استقطبت مستثمرين من دول عربية وأجنبية، وتركزت أبرز نشاطاتها في تجارة السيارات، المواد الغذائية، والصناعات التحويلية.
وبيّن أن المناطق الحرة الحالية تشمل ثماني مناطق رئيسية، وهي:
-
المنطقة الحرة في دمشق
-
المنطقة الحرة في مطار دمشق الدولي
-
المنطقة الحرة في عدرا (قرب دمشق)
-
المنطقة الحرة في حسياء (قرب حمص)
-
المنطقة الحرة في حلب (المسلمية)
-
المنطقة الحرة في اللاذقية (المنطقة المرفئية)
-
المنطقة الحرة الداخلية في اللاذقية
-
المنطقة الحرة في طرطوس (المنطقة المرفئية)
كما أشار إلى وجود مناطق حرة أخرى خارج سيطرة الحكومة حالياً، مثل المنطقة الحرة في اليعربية الواقعة على الحدود العراقية.
وفيما يتعلق بالمستفيدين من فرص الاستثمار المعلنة، شدد علوش على أن الباب مفتوح أمام المستثمرين السوريين وغير السوريين على حد سواء، حيث يحصل الجميع على التسهيلات ذاتها، مع الالتزام بالإجراءات القانونية لتسجيل الشركات والمشاريع وفق القوانين المعمول بها داخل سوريا.
جهود لتطوير المناطق الحرة
في 15 أيار الماضي، أعلنت الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية عن توقيع مذكرة تفاهم مع شركة موانئ دبي العالمية (دي بي ورلد) بقيمة 800 مليون دولار أميركي، وذلك لتطوير وإدارة وتشغيل محطة متعددة الأغراض في ميناء طرطوس.
وتنص مذكرة التفاهم كذلك على العمل المشترك لتأسيس مناطق صناعية ومناطق حرة، بالإضافة إلى إنشاء موانئ جافة ومحطات عبور للبضائع في عدد من المناطق الاستراتيجية داخل الأراضي السورية، بما يفتح آفاقاً واسعة للاستثمار ويعزز الحضور الاقتصادي لسوريا على خارطة التجارة الإقليمية والدولية.
ووقعت الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية في 23 من الشهر نفسه مذكرة تفاهم استراتيجية مع شركة CMA CGM العالمية الرائدة في مجال النقل البحري والخدمات اللوجستية، بهدف إنشاء وتشغيل موانئ جافة في كل من المنطقة الحرة السورية الأردنية المشتركة، والمنطقة الحرة في عدرا بريف دمشق.
وبحسب بيان صادر عن الهيئة، تأتي هذه الخطوة في إطار رؤية الهيئة لتطوير البنية التحتية اللوجستية وتعزيز دور المناطق الحرة كمراكز محورية للتجارة الإقليمية، من خلال ربطها بشبكات النقل البحري والبري الدولية وتحقيق تكامل فعّال بين المرافئ والموانئ الجافة بما يسهم في تسريع حركة البضائع وخفض التكاليف.
وتنص المذكرة على أن تتولى شركة CMA CGM إدارة وتشغيل الموانئ الجافة وفق أفضل المعايير الدولية، مع توفير خدمات متكاملة تشمل التخليص الجمركي، التخزين والنقل متعدد الوسائط، بما ينعكس إيجاباً على البيئة الاستثمارية في سوريا والمنطقة.
اتفاق على استثمار مناطق حرة بمساحة تتجاوز المليون متر مربع
أعلنت الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية خلال الشهر الماضي أيضاً توقيع مذكرة تفاهم استراتيجية مع شركة Fidi Contracting الصينية، تقضي بمنح الشركة حق استثمار كامل المنطقة الحرة في حسياء بمحافظة حمص، بمساحة تُقدّر بنحو 850 ألف متر مربع، بهدف إنشاء منطقة صناعية متكاملة تحتوي على مصانع متخصصة ومنشآت إنتاجية.
وشملت مذكرة التفاهم أيضاً منح الشركة الصينية حق استثمار 300 ألف متر مربع من المنطقة الحرة في عدرا بمحافظة ريف دمشق، لترسيخ مشاريع تجارية وخدمية تواكب متطلبات السوق المحلي والإقليمي.
وتبلغ مدة العقد عشرين عاماً، على أن تلتزم الشركة المستثمرة بتنفيذ مراحل المشروع وفق جدول زمني محدد، بما يضمن تحقيق الجدوى الاقتصادية وتعزيز دور المناطق الحرة كمحرك للتنمية وجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة.
منطقة حرة في إدلب
قالت الهيئة في بيان نُشر 24 أيار الماضي: “في إطار المساعي الرامية لتعزيز الحركة الاقتصادية وتوسيع نطاق الاستثمار في عموم أراضي الجمهورية العربية السورية، أجرى رئيس الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية الأستاذ قتيبة بدوي زيارة رسمية إلى محافظة إدلب، برفقة وفدٍ من رئاسة الهيئة، حيث كان في استقباله محافظ إدلب الأستاذ محمد عبد الرحمن”.
وتناول اللقاء عدداً من الملفات الحيوية وفي مقدمتها إنشاء منطقة حرة في محافظة إدلب، بما يسهم في دعم النشاط التجاري وتوفير بيئة جاذبة للاستثمار المحلي والخارجي، إذ تم التوافق على تشكيل لجنة فنية مشتركة، لتحديد الموقع المناسب، ووضع خطة تنفيذية تتماشى مع متطلبات المرحلة الراهنة.
بين الطموح والتحديات
لا تزال تحديات كثيرة تواجه تنشيط المناطق الحرة، أبرزها ما يتعلق بضعف البنية التحتية، واستعادة ثقة المستثمرين بعد سنوات من الفوضى والتضييق في عهد النظام المخلوع، فضلاً عن العقوبات الدولية التي ألقت بظلالها على أغلب الملفات الاقتصادية في سوريا.
ومع ذلك، فإن الانفتاح على شركات دولية يُظهر رغبة حقيقية في كسر الجمود الاقتصادي، وتثبيت موقع سوريا على خارطة النقل والتجارة في المنطقة، لا سيما إذا ما اقترن ذلك بإرادة سياسية واضحة لرفع المعوقات البيروقراطية، وتطوير الإطار التنظيمي للمناطق الحرة.
ويبقى نجاح هذه الخطط رهناً بمدى قدرة الجهات الرسمية على تنفيذ الاتفاقات وفق الجداول الزمنية المحددة، وضمان استقرار بيئة الاستثمار على المدى الطويل، كما سيشكل أداء هذه المناطق في العامين القادمين على الأقل اختباراً حقيقياً لفعالية الرؤية الاقتصادية المعلنة، لا سيما في ظل تطلع شريحة واسعة من المستثمرين السوريين والعرب إلى فرص آمنة وفعالة في البلاد.
للمزيد: تابع موقع نبض الخليج ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر
مصدر المعلومات والصور : شبكة المعلومات الدولية