«نبض الخليج»
قبل 4 آلاف سنة تقريباً، اختُرعت المظلة الشمسية، وعُثر فعلاً على آثار قديمة تثبت استخدام المظلة من قبل شعوب الشرق القديمة، والأرجح أنها كانت تستخدم في ذلك الوقت لغرض الوقاية من أشعة الشمس وليس المطر.
في الواقع، فإن المظلات القديمة لا تنفع تحت المطر لأنها وببساطة كانت مصنوعة من الورق. الصينيون هم أول من طوّرالشمسية لتصبح مقاومة للماء، وذلك عن طريق دهن ورقها بالورنيش والشمع.
فيما يروى أن رجلاَ عاش في بريطانيا يدعى جوناس هانوي لم يؤمن بالفكرة السائدة في بلاده وقتها من أنّ استخدام الشمسية للرجال تحديداَ ينقص من رجولتهم وظل جون يحاول إقناع بني جنسه بجدوى استخدام المظلة خاصة وأن بلداً كبريطانيا تكثر فيه الأمطار يعد فيه استخدام المظلة الشمسية “المطرية” حاجة لا رفاهية الأمر الذي استطاع الرجل من خلاله اقناع بني جنسه باستخدام المظلات بعد محاولات مضنية وطويلة نال فيها الكثير من السخرية.
هذا الاعتقاد بفكرة “تخنث” الرجال لمجرد استخدامهم المظلات ساد أوروبا كلها تقريبا في وقت من الأوقات وحتى السيدات لم يكن يحملن المظلات بأنفسهن ، فقد كان حمل المظلة من اختصاص العبيد فقط لحماية رؤوس السيدات من أشعة الشمس والمفارقة أن من كان يحمل المظلة لحماية رأس زوجته من أشعة الشمس من غير العبيد يعد رجلا نبيلاً لا “مخنثاً” ولا عبداً.
تبرز المظلات الشمسية كأداة فنية قادرة على إضافة لمسة جمالية ورمزية مميزة فالمظلة بما تحمله من معاني الحماية والظل والأناقة
فعلياً لم يتم استخدام المظلة من قبل الرجال والنساء بشكل موسع وزيادة صناعتها في أوروبا حتى القرن التاسع عشر.
في الجهة الأخرى من العالم استخدم الصينيون ألواناً وأشكالاً مختلفة لمظلاتهم، فقد حمل الأعضاء الملكيون مظلاتٍ حمراء وصفراء فقط بينما استخدم باقي الشعب مظلاتٍ زرقاء وبمرور الوقت قام الصنيون بخفض كلفة انتاج المظلات وهم بارعون جداَ في هذا المجال حتى تمكن عامة الناس من استخدام المظلات، السيدات والرجال على السواء.
الشمسيات في السينما
ظلت الشمسية “ثقافة” تختلف باختلاف الطبقات واختلاف الزمن حتى تحولت شيئاً فشيئاً إلى موضة وسياسة وفن سابع.
دخلت المظلة الشمسية عالم السينما مثلما دخلت عوالم أخرى من الإنسانية ككل، بداية على شكل مشاهد بسيطة لاتعني شيئا لكنها مهمة كصورة ضرورية او أنها تلائم بشكل ثانوي المناسبة الدرامية للمشهد السنيمائي.
من منا لايذكر فيلم أبي فوق الشجرة سنة 1969 والمأخوذ عن قصة لإحسان عبد القدوس وإخراج حسين كمال وبطولة الفنان عبد الحليم حافظ وغيره من نجوم السينما العربية حينها، غنى فيه العندليب الأسمرعبد الحليم حافظ عدة أغان، لاقت كعادتها أغاني عبد الحليم رواجاً واسعاً وشهرة كبيرة وما يهمنا هنا هو أغنية (دقوا الشماسي) تحديداً، فلم توظف الشمسية لدلالة رمزية مهمة أو إضافة فريدة ومميزة في العمل السينمائي بل ربما في أحسن الاحوال مجرد تعبير لطيف عن الفرحة واللهو، وعلى بساطة التوظيف تعتبر صورة الشماسي في الفيلم الغنائي ابي فوق الشجرة مناسبة شيقة وخفيفة الظل ، وتوظيفاً مريحاً للعين والعقل معاً عند المشاهد وحالة ممتعة في الصورة ككل .
في عمل سينمائي أخر في الفيلم الغنائي الرومانسي الفرنسي (مظلات شير بورغ) من أخراج جاك ديمي سنة 1964، تختلف حكاية المظلة شمسية كانت أم مطرية، هنا تحكي لنا مظلات شيربورغ حكاية متقنة عن ثنائيات الحياة، عن الحب والكره، عن الشباب والكهولة، عن النجاح والفشل.
يحكي الفيلم قصة حب ضائعة، تم توظيف المظلات فيها ربما كرمزية للحماية، من أشياء لايمكننا توقع حالتها، من أمور خارجة عن أرادتنا تماماً، من الظروف القاسية ربما، أو حتى من المطر والخسارة العاطفية، المظلات هنا ليست فقط ضرورة درامية لازمة، بل حماية من العزلة، بدون المظلات سيبدو الفيلم مستحيلاً ومعزولاً عن سياقه الدرامي والجمالي وفارغاً من أهم عناصره “مظلات شيربورغ”.
وفي الفيلم الموسيقي الكلاسيكي (ماري بوبينز) الفيلم العائلي الأمريكي من ديزني، الذي صدرعام 1964، تضمن استخدام المظلات الشمسية بحرفية ورمزية مقصودة حيث تظهر المظلات كجزء من ملابس الشخصيات، وأيضًا كعناصر مفيدة للحماية من الشمس والأشعة فوق البنفسجية. استخدمت المظلات في الفيلم كأداة إضافية للأناقة وربما للإشارة إلى هوية الشخصية الرئيسية ماري بوبينز. وكون الفيلم يعتبر كلاسيكيًا موسيقيًا، يعني أن المظلات تعتبر تفصيلاً أساسياً من المشاهد الموسيقية والاستعراضية . تعكس المظلات ذوق ماري بوبينز الرفيع والأنيق، فهي تظهر كمظهر من مظاهر الرقي والاحترافية التي تتسم بها شخصيتها، وتعطي إحساسًا بالفخامة والتميز.
كما تشير المظلة إلى دور ماري بوبينز في حماية وربما توجيه الأطفال من العواصف والمشاكل، فهي تحمي من الأشعة فوق البنفسجية في الحياة اليومية، وتُمثل أيضًا الحماية العاطفية والروحية التي تقدمها للشخصيات .
وربما في أهم توظيف للمظلة ارتباطها أحياناً بالجانب السحري والشخصية الغامضة لماري بوبينز، خاصة مع أنها تظهر وكأنها قادرة على الطيران أو التحليق بها، مما يضفي عليها لمسة سحرية فريدة من نوعها .
أجل تبدو المظلة في كل الأفلام السابقة الذكر وغيرها مما لايسع ذكره في هذه العجالة، كرمزية تفيد في خلق عنصرٍ بصري مميز، يجذب الانتباه إليها ليس فقط ضمن السياق الفني، لكن كتمييز منفصل خاصة عند استخدامها في المشاهد الموسيقية والرقصات .
والحقيقة تبرز المظلات الشمسية كأداة فنية قادرة على إضافة لمسة جمالية ورمزية مميزة فالمظلة بما تحمله من معاني الحماية والظل والأناقة، يمكن أن تستخدم في السينما لخلق أجواء معينة، أو للتعبير عن شخصية معينة، وتسليط الضوء على قضية اجتماعية أو ثقافية معينة. إن استخدام المظلات الشمسية في الأفلام لا يقتصر فقط على وظيفتها العملية في الحماية من الشمس، بل يتعدى ذلك ليصبح جزءا من لغة الفيلم البصرية، حيث يمكن للمخرج والمصور السينمائي استغلالها بذكاء لخلق تأثيرات بصرية مذهلة، وإضفاء عمق فني على المشهد، وتقديم رسائل ضمنية للمشاهدين.
للمزيد: تابع موقع نبض الخليج ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر
مصدر المعلومات والصور : شبكة المعلومات الدولية