كتب: هاني كمال الدين
في تصاعد دراماتيكي جديد يؤشر إلى مرحلة حرجة في الملف النووي الإيراني، دخلت الأزمة بين إيران وأمريكا منعطفًا خطيرًا بعد الضربات الجوية الأمريكية الأخيرة التي استهدفت مواقع نووية داخل إيران، في خطوة وصفها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأنها لحظة تاريخية للولايات المتحدة وإسرائيل والمجتمع الدولي بأسره. وبينما يتأجج تصاعد التوتر النووي بين إيران وأمريكا، برز صوت أوروبي يدعو إلى تهدئة العاصفة وإعادة الأطراف إلى طاولة المفاوضات.
عبر صفحتها الرسمية على منصة “إكس”، وجهت كايا كاللاس، رئيسة الدبلوماسية في الاتحاد الأوروبي، دعوة صريحة إلى إيران، وإسرائيل، والولايات المتحدة بضرورة التوقف فورًا عن أي خطوات تصعيدية والعودة العاجلة إلى طاولة المفاوضات لتجنب ما وصفته بالكارثة المحتملة التي قد تجر المنطقة إلى دوامة من الفوضى والحروب المدمرة. وشددت كاللاس على أن استمرار التصعيد العسكري لا يخدم استقرار الشرق الأوسط بل يهدد السلم والأمن الدوليين برمتهم.
وأضافت كاللاس أن وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي سيبحثون الأزمة المتصاعدة في الشرق الأوسط خلال اجتماعهم المقرر عقده يوم الاثنين 23 يونيو في لوكسمبورغ، حيث سيضع هذا الاجتماع الملف الإيراني وتداعيات الضربات الأمريكية الأخيرة في صدارة جدول الأعمال، في محاولة أوروبية لاستعادة مسار الحل الدبلوماسي وتخفيف حدة المواجهة.
لم تكتف كايا كاللاس بالتحذير من التصعيد العسكري فحسب، بل أرسلت أيضًا رسالة واضحة إلى طهران مفادها أنه لا ينبغي السماح لإيران بامتلاك السلاح النووي بأي شكل من الأشكال، معتبرة أن ذلك سيشكل تهديدًا وجوديًا للأمن الإقليمي بأسره. وأكدت أن المجتمع الدولي يتحمل مسؤولية مشتركة لمنع هذا السيناريو الكارثي.
وجاءت تصريحات كاللاس عقب الهجوم الجوي الأمريكي غير المسبوق الذي نفذته القوات الجوية الأمريكية فجر يوم 22 يونيو، حيث أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في بيان رسمي أن الطيران الحربي الأمريكي نفذ ضربات دقيقة استهدفت ثلاثة مواقع نووية إيرانية رئيسية تشمل منشأة “فوردو” تحت الأرض، ومنشأة “ناتانز” الشهيرة، إضافة إلى منشأة “أصفهان”. واعتبر ترامب هذه العملية العسكرية بأنها تمثل تحولًا مفصليًا في التعاطي الدولي مع البرنامج النووي الإيراني.
وأوضح ترامب أن هذه العملية العسكرية جاءت ردًا على استمرار إيران في تخصيب اليورانيوم بنسب عالية، ورفضها الانصياع للاتفاقات الدولية المتعلقة بالملف النووي. وقال إن هذا النجاح العسكري الكبير يجب أن يدفع طهران للجلوس مجددًا إلى مائدة الحوار للتوصل إلى اتفاق دائم يمنع إيران من امتلاك السلاح النووي، ويحفظ الاستقرار في المنطقة.
وفيما يشير إلى رغبة الإدارة الأمريكية في استثمار نجاحها العسكري على الصعيد الدبلوماسي، أكد ترامب أن هذه الخطوة يجب أن تكون فرصة جديدة للسلام، ليس فقط بين أمريكا وإيران، بل في الشرق الأوسط بأسره. وقال إن الولايات المتحدة تثبت مجددًا التزامها بحماية حلفائها وخاصة إسرائيل، ومنع أعدائها من زعزعة الأمن الدولي.
بالمقابل، أثار هذا الهجوم العسكري الأمريكي موجة من ردود الفعل الدولية المتباينة، حيث أعربت عدة عواصم عن قلقها من احتمالية انفجار الأوضاع بشكل شامل إذا لم يتم احتواء التصعيد بسرعة. وأكد مراقبون دوليون أن تصاعد التوتر النووي بين إيران وأمريكا يهدد بتوسيع دائرة النزاع لتشمل أطرافًا إقليمية ودولية أخرى، ما قد يؤدي إلى نتائج يصعب السيطرة عليها.
من جانبها، لم تصدر الحكومة الإيرانية حتى الآن بيانًا رسميًا شاملاً حول حجم الأضرار الناجمة عن الهجوم الأمريكي، إلا أن مصادر إعلامية إيرانية أكدت أن الضربات أصابت بالفعل منشآت حيوية حساسة، مما سيؤثر بشكل مؤقت على برامج تخصيب اليورانيوم الإيرانية.
وفي السياق ذاته، عبّر مسؤولون في الحكومة الإسرائيلية عن دعمهم الكامل للضربة الأمريكية، معتبرين أنها تشكل رسالة قوية لإيران ولأي أطراف إقليمية تسعى لزعزعة استقرار المنطقة. وأكد مسؤولون إسرائيليون أن التعاون الوثيق بين واشنطن وتل أبيب في الملف النووي الإيراني سيبقى حجر الأساس في استراتيجية الردع بالشرق الأوسط.
ومع تصاعد التوتر النووي بين إيران وأمريكا وتبادل التصريحات المتوترة بين الأطراف المعنية، تزداد المخاوف من احتمالية انزلاق الأوضاع إلى مواجهة عسكرية مفتوحة لا تحمد عقباها، في حال لم تتظافر الجهود الدولية لإعادة ضبط إيقاع الأزمة ضمن المسارات الدبلوماسية السلمية.
يرى محللون سياسيون أن التحرك الأوروبي بقيادة كايا كاللاس يعكس إدراك القارة العجوز لمخاطر الانفجار الإقليمي، حيث تخشى أوروبا من موجات لاجئين جديدة وتداعيات اقتصادية وأمنية قد تصيبها في حال تطورت الأزمة إلى حرب إقليمية واسعة النطاق. كما يخشى الاتحاد الأوروبي من انزلاق حلف شمال الأطلسي (الناتو) بشكل غير مباشر إلى صراع جديد في منطقة الشرق الأوسط في حال تصاعدت الاشتباكات.
ومن جانبه، أبدى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش قلقه البالغ حيال التطورات الأخيرة، داعيًا جميع الأطراف إلى ممارسة أقصى درجات ضبط النفس والعمل العاجل على استئناف المفاوضات النووية تحت رعاية الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومجموعة (5+1)، مشددًا على أن الدبلوماسية هي السبيل الوحيد لضمان منع إيران من امتلاك أسلحة دمار شامل.
ولا شك أن تصاعد التوتر النووي بين إيران وأمريكا يطرح العديد من التساؤلات حول مستقبل الاتفاق النووي الإيراني الذي تم التوصل إليه عام 2015 قبل أن تنسحب منه الولايات المتحدة في عهد الرئيس السابق ترامب. حيث يطالب الأوروبيون بضرورة إحياء الاتفاق وفق ضمانات صارمة تحول دون أي محاولات إيرانية لاحقة للالتفاف على بنوده.
أما على الصعيد الداخلي الأمريكي، فقد أثار قرار ترامب بتنفيذ الضربة العسكرية جدلاً واسعًا بين مؤيدين اعتبروه خطوة ضرورية لحماية الأمن القومي الأمريكي، ومعارضين حذروا من احتمالية اندلاع حرب مفتوحة مع إيران قد تستنزف قدرات الولايات المتحدة العسكرية والاقتصادية.
وفي طهران، عقد مجلس الأمن القومي الإيراني اجتماعًا طارئًا عقب الهجمات، حيث تعهد كبار المسؤولين الإيرانيين بالرد الحاسم في حال تكرار أي اعتداءات على منشآتهم النووية، مؤكدين أن بلادهم لن تتنازل عن حقوقها المشروعة في تطوير الطاقة النووية للأغراض السلمية.
وفي هذا المشهد المعقد والمفتوح على كافة الاحتمالات، يبدو أن تصاعد التوتر النووي بين إيران وأمريكا أصبح يشكل معضلة دولية تتطلب تدخلًا عاجلاً وشاملاً من كافة القوى الكبرى الفاعلة في النظام الدولي قبل أن تخرج الأمور عن السيطرة بشكل كارثي.
للمزيد: تابع موقع نبض الخليج ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر