«نبض الخليج»
اضطر الموقف الدولي المعقد السلطة السورية الحالية إلى إجراء مفاوضات مباشرة مع إسرائيل للبحث عن حلول لتبريد العلاقة المشتعلة معها، وما زاد التركيز على التفاوض معها أحداث السويداء، والحل الأمني هناك الذي أربك موقف السلطة السورية وجعله أكثر تعقيداً. وما دفع السلطة إلى التفاوض المباشر مع إسرائيل أثرها الكبير في الملف الدولي بخاصة أميركياً، خاصة أن العقوبات على سوريا لم ترفع بعد، وكون إسرائيل تعيش حالياً نشوة نصر، وقوة على مختلف الأطراف في المنطقة. ودورها المركزي في مختلف ملفات المنطقة.
تسعى إسرائيل إلى الإفادة من الموقف الإقليمي الحالي لتوقيع تفاهمات مع السلطة الحالية بدمشق أقرب ما تكون إلى اتفاقية سلام دائمة، في حين تسعى سلطة دمشق للبحث عن حلول تجنبها التصعيد أقرب إلى إدارة الأزمة، فقد حاول الطرف السوري سحب ورقة الدروز من الأيادي الإسرائيلية بالتفاوض كي لا تضاف أوراق جديدة بيدهم، وهم الذين يدركون أن السلطة الحالية ليست في أحسن أحوالها من حيث التسليح والاعتراف والقوة الاقتصادية والإمساك بزمام البلد.
ليس تفاوض السلطة مع إسرائيل هو الخيار السياسي المفضل لديها، بقدر ما هو حالة اكتفاء شر جار متعنت محتل قوي، حيث إنه منذ الأيام الأولى لاستلام السلطة الحالية الحكم قام بضرب معظم مستودعات الأسلحة في سوريا، وأبطل من جانب واحد اتفاقية فض الاشتباك الموقعة منذ نصف قرن، بل حاول اكتساب نقاط تفاوضية جديدة من خلال الانتشار في مزيد من الأراضي السورية، إضافة إلى عمل مخابراتي مع الأطراف الفاعلة في محاولة إبقاء السلطة السورية معزولة، وكذلك في محاولة فرض شروطه على السلطة في الجنوب السوري من حيث نوعية السلاح وعدد الجنود، وفرض حضوره أكثر من خلال الضغط على نوعية التعاون السوري التركي والقواعد التركية في سوريا.
ما يمكن دعوته بالواقعية السياسية أو البراغماتية أو البحث عن المصلحة العليا للدولة جعل السلطة الحالية تدخل في مفاوضات مباشرة أو غير مباشرة مع إسرائيل في باكو وباريس، ومحاولة وضع جدول أعمال للنقاط الخلافية والبحث لها عن حلول آنية أو طويلة المدى.
مصارحة الشعب بالتفاوض مع إسرائيل لا يعني أن السوريين موافقين على هذه الخطوة، أو مرحبين بها أو مهللين لها.
ومنذ وصول السلطة الجديدة إلى الحكم في سوريا كان صوتها عبر الرئيس أحمد الشرع واضحاً لن نكون محطة تهديد لجيراننا بمن فيهم إسرائيل، فسوريا لديها من الجراح ما يكفي، والأولى لديها حالياً معالجة جراحها الداخلية وتأمين البنية التحتية والحاجات الأساسية والأمان الداخلي. وهو ما تم التأكيد عليه المرة تلو الأخرى. وهذا كله في سياق قرار سيادي بعدم جعل سوريا محطة لإزعاج الآخرين لا عبر المواقف السياسية ولا عبر الجماعات المسلحة ولا عبر الكبتاغون. فكل دقيقة من الزمن السوري الأولى بها أن تخصص للبناء الداخلي وترميم جراح الشعب.
لو حاولنا النظر في الخلفية الدينية للسلفية الجهادية في الموقف من التفاوض مع العدو الخارجي وهل هي أولوية على محاربة الفتن الداخلية ربما لوجدنا إجابة من نوع ما في أولوية محاربة أعداء الداخل على الوقوع في صراعات خارجية لها خلفياتها وإشكالياتها، بل قد تكون قراءة أدبيات هذه الفكرة تكشف الكثير من تفاصيل التفاوض في هذا الملف المتشابك.
ما هو غير معتاد في المشهد السوري أن تكون الحكومة واضحة مع شعبها، وتحدثه عن التفاصيل، فقد اعتاد الشعب السوري زمناً طويلاً أن تكون الصفقات سرية فيما الخطاب العلني للسلطة خطاب تصعيدي!
غير أن مصارحة الشعب بالتفاوض مع إسرائيل لا يعني أن السوريين موافقين على هذه الخطوة، أو مرحبين بها أو مهللين لها، فالعلاقة مع إسرائيل شعبياً فيها خطوط حمراء كثيرة ذات أبعاد وجدانية أخلاقية وقيمية!
يتساءل السوريون اليوم على سبيل المقارنة: لماذا لا تبدأ السلطة السورية بالتفاوض مع الدروز مثلاً فالطريق بين دمشق والسويداء أقرب منه إلى تل أبيب!
عدد من المتابعين يرون أن السلطة السورية لم تترك طريقاً للتفاوض مع القيادات الدرزية من قبل، غير أن حالة من الرفض والتشكيك كانت هي السائدة منذ اللحظة الأولى إلى أن حدثت مجازر السويداء من كل الأطراف التي جعلت الموقف معقداً جداً، مما يجعل باب التفاوض اليوم دون وسطاء محليين أو إقليميين صعباً حالياً!
ثمة اختلاف في الرؤيا بين السلطة في دمشق والسويداء في الموقع والهدف والرؤيا: ففي الوقت الذي ترى فيه السلطة السورية المركزية أنه من الطبيعي أن تلتحق السويداء في السلطة المركزية ترى فعاليات في السويداء أن لديها فرصة تاريخية كي تفرض شروطها وتحقق ما يشبه الحكم اللامركزي إدارياً للمحافظة بل ربما سياسياً!
ثمة جانب آخر يشهره كثيرون في وجه السلطة السورية على سبيل المحاججة: كيف تتفاوضون مع إسرائيل وتعيبون على الدروز السوريين استعانتهم بها أو رفع العلم الإسرائيلي؟
وهذه مقارنة غير منصفة، فلا يمكن المقارنة بين حكومة تبحث عن مصلحة البلاد العليا في التفاوض مع قوة محتلة كمرحلة على طريق إحلال السلام معها والتخلص من شرورها والسير في طريق الواقعية السياسية باستعانة فصيل محلي بها أو رفع علمها وهو يدخل في باب الخيانة قانونياً وعرفاً. خاصة أن مفهوم الدولة في أحد تعريفاته يقوم على ترك الشؤون الخارجية لها، وإلا فإن من حق أي فصيل سوري القيام بما يرديه على مستوى التواصل مع الدول!
في الشارع السوري عامة ما زالت الجولان في القلب والشتات الفلسطيني في العين وخيمة اللاجئ جزء من الذاكرة السورية.
وفي سياق التبرير يشير متابعون إلى المجازر وعدم الشعور بالأمان، وأنه هو الدافع في طلب المساعدة من إسرائيل والدعوة إلى التخلي عن سوريا ورفع العلم الإسرائيلي كذلك!
بل إن كثيرين يرون أن دافع السلطة للتفاوض مع إسرائيل هو بقاؤها على كرسي الحكم في محاولة إشارة تقليدية إلى أن كل سلطة عربية يجب أن ترضى عنها أميركا أو إسرائيل، غير أن الواقع مع السطلة السورية اليوم مختلف، ولئن كان من الحكمة عدم الدخول في حروب أو مناكفات مع الجيران غير أن الواقع يؤكد على أن إسرائيل ليست سعيدة أبداً بوصول سلطة ذات خلفية سلفية جهادية إلى دمشق، وهو يوم كئيب في حياة قادة إسرائيل!
وفي سياق متابعة المقارنة؛ فإن ما تعرض له الشعب السوري من مجازر منذ عام 2011 يجعل من المسموح له إذاً أن يطلبوا المساعدة من جزر البحر الكاريبي أو أن تنفصل كل حارة عن جارتها الأخرى، وكأن الوطن على شفا حفرة بحيث إنه كلما تعرضنا لصعوبة ما أو موقف ننفصل عمن حولنا!
ولا يقصد برفض الاستعانة بإسرائيل التخفيف من هول ما حدث أو الاستهانة بالجرح الدرزي السوري أو البدوي، غير أن طريقة المعالجة ينبغي أن تكون منطقية ومقنعة وواقعية، وألا ينتظر الحل ممن يقدم الشرور لكل المحيطين به، وينبغي البحث عن حلول واقعية في إطار القانون السوري.
المؤلم لكثير من السوريين والعرب في الوقت نفسه كيف يخطر ببال شريحة سورية أن تشعر بالأمان أو تعتقد أن إسرائيل ستساعدها وهي التي ترتكب المجازر يومياً بحق الفلسطينيين والكثير منها على يد مجندين دروز؟
والمؤكد أن إسرائيل ليست حمامة سلام للدروز بقدر ما تريد استعمال مطالبهم كورقة ضغط على السلطة السورية الجديدة، وفي كل المفاهيم والطروحات فإن العقيدة الإسرائيلية لا تحبذ أن تكون نسبة الدروز لديها أو دورهم أكثر مما هو موجود حالياً!
من المهم في هذا السياق عبر الواقع أو وسائل التواصل الاجتماعي عدم تخوين الدروز ككتلة سورية واحدة ومحاولة وصمهم بذلك، فهذا غير صحيح منطقاً وواقعاً، فالكثير من أبناء الجولان السوري المحتل رفض حمل الهوية الإسرائيلية، والكثير منهم كان عضواً في حركات المقاومة الفلسطينية. وللدروز دورهم في بناء الدولة السورية وكذلك مشاركتهم في الألم السوري والتراث المادي واللامادي وهم جزء رئيس من الأدب والغناء والوجدان السوري. وما الحدة المنتشرة بين السوريين حالياً إلا لون من ألوان التعبير عن غياب الفعل السياسي وكذلك انكسار الأمل والشعور بالخذلان!
في الشارع السوري عامة ما زالت الجولان في القلب والشتات الفلسطيني في العين وخيمة اللاجئ جزء من الذاكرة السورية، وهذا يجعل التفاوض برأي جوانب من الشارع السوري خدشاً في الكرامة! ويرى معظم السوريين أن أي اتفاق نهائي مع إسرائيل عليه ألا يبدأ من الأعلى ويفرض على الشعب بل أن تسبقه حوارات طويلة وعميقة وصريحة مع مختلف أطياف الشعب السوري لمعرفة رؤيتهم وقراراهم ومصلحتهم، فالسلام يبنى لبنة لبنة بشجاعة واعتراف بالحقوق لكل الأطراف!
للمزيد: تابع موقع نبض الخليج ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر
مصدر المعلومات والصور : شبكة المعلومات الدولية