لم تكن الضربة الإسرائيلية الأخيرة التي طالت قلب الدوحة حدثًا عابرًا في مسار حرب غزة، بل هي نقطة مفصلية تحمل في طياتها الكثير من الرسائل والمخاطر. حين تُستباح سيادة دولة مستقرة مثل قطر، وتُقصف قيادات سياسية على أرضها أثناء بحثهم في مبادرات وقف إطلاق النار، فإننا أمام مشهد غير مسبوق في قواعد اللعبة الدولية.
لقد أرادت إسرائيل من هذه الضربة أن تقول للعالم إنها قادرة على ملاحقة خصومها أينما وُجدوا، لكنها في الوقت ذاته كسرت أعرافًا وقوانين دولية ضاربة بعرض الحائط مبدأ احترام السيادة الوطنية. فالمعادلة لم تعد مجرد “حرب في غزة”، بل اتسعت رقعتها لتشمل عواصم أخرى، وهذا يفتح الباب أمام تصعيد إقليمي خطير.
قطر، الدولة التي حملت على عاتقها مهمة الوسيط في أصعب مراحل الصراع، وجدت نفسها فجأة في قلب المعركة. والضربة لم تستهدف أفرادًا فحسب، بل استهدفت أيضًا الثقة في الوساطة والقدرة على بناء مسارات للحوار. فإذا كان المفاوض نفسه مهددًا بالقصف، فكيف يُمكن لأي طاولة حوار أن تصمد؟
الموقف الدولي بدا مرتبكًا؛ إدانات واسعة، وغضب شعبي ورسمي، لكن هذا وحده لا يكفي. فالقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة يجرّمان الاعتداء على سيادة الدول، غير أن إسرائيل أثبتت مرة أخرى أن “منطق القوة” هو الذي يسود حين يغيب الردع الجماعي. أما الولايات المتحدة، التي قيل إنها أُخطرت مسبقًا، فهي أمام امتحان صعب لمصداقيتها كوسيط محايد.
إن هذه الضربة لم تُضعف فقط فرص الحلول السياسية، بل منحت خطاب التصعيد في المنطقة جرعة جديدة من القوة. فكلما ضُيّقت مساحات الحوار، اتسعت ساحات المواجهة، وهذا ما يُنذر بفتنة إقليمية أوسع قد لا تُبقي ولا تذر.
من هنا، أجد أن ما جرى ليس مجرد حادث عابر، بل جرس إنذار للمجتمع الدولي بأسره: إذا لم تكن هناك وقفة حازمة تُعيد للقانون الدولي هيبته، فإن العالم بأسره مقبل على مرحلة “شريعة الغاب”، حيث لا مكان إلا لصوت الصاروخ وضجيج الطائرات.