جدول المحتويات
«نبض الخليج»
أوضح محافظ حمص، الدكتور عبد الرحمن الأعمى، في أول لقاء إعلامي له منذ تعيينه، أن المحافظة شهدت تحولاً كبيراً منذ “التحرير”، مشيراً إلى أن العمل ركّز في بدايته على استقرار المسار الأمني، بالتوازي مع ضبط الأداء الخدمي والتهيئة لإطلاق مسارات دعم اقتصادي واجتماعي.
وبيّن الأعمى في لقاء حصري مع تلفزيون سوريا، أن محافظة حمص، التي تشكل 22% من مساحة سوريا وتُعد من كبرى المحافظات، عانت من ذاكرة أليمة وتحديات متراكمة، إلا أن الجهات الأمنية والشرطية باشرت فوراً بتقييم يومي دقيق للواقع الأمني، عبر متابعة 69 صفة جرمية وتفصيل كل حالة بهدف المعالجة السريعة ومنع تكرار الخروقات.
وأشار إلى أن الاستقرار الأمني تحقق رغم التحديات بفضل التنسيق بين مختلف الجهات المعنية، وبدعم مسارات متوازية شملت حواراً سياسياً مع عدد من النشطاء المحليين، وجهوداً إعلامية ومجتمعية لخلق بيئة داعمة للاستقرار، وضبط الخطاب الإعلامي بما يسهم في تهدئة الساحة الداخلية.
وأكد الأعمى أن الوضع الأمني اليوم يُعتبر مقبولاً إلى جيد، متوقعاً تحسناً إضافياً بعد إعلان وزارة الداخلية عن الهيكلية الجديدة ودمج الأجهزة الأمنية والشرطية، ما سيُفضي، حسب تعبيره، إلى معالجة المظاهر التي كانت موضع شكوى من السكان، وخاصة تلك المرتبطة بتجاوزات الحواجز.
وبخصوص تجاوزات بعض العناصر الأمنية، أشار إلى أن الوزارة بُنيت من الصفر ولم تعتمد على الكوادر الأمنية التابعة للنظام السابق، ما تطلب تدريب كوادر جديدة، لافتاً إلى وجود خطة لتزويد سيارات الشرطة بكاميرات، إضافة إلى كاميرات على الرأس، لتوثيق أي حادثة وتحقيق الشفافية وتقليص حالات الجدل حول الروايات المتضاربة.
وفي سياق متصل، تحدث الأعمى عن المسار الاجتماعي والخدمي، مشدداً على أن إعادة الإعمار تحتل أولوية قصوى في المرحلة الحالية، خصوصاً في أحياء مثل حمص القديمة والمناطق المتضررة بفعل الحرب، مشيراً إلى أن للمحافظة خصوصية في ملف إعادة الإعمار يجري العمل عليها ضمن رؤية متكاملة.
ثلث التجمعات العمرانية مدمرة
وأكد الأعمى أن محافظة حمص تُعد من أكثر المحافظات السورية تضرراً خلال سنوات الثورة، مشيراً إلى مشاركة الريف والمدينة بها على حد سواء، ما أدى إلى دمار واسع النطاق لا يُقارن بما شهدته محافظات أخرى.
وأوضح الأعمى أن محافظة حمص تضم 975 تجمعاً عمرانياً، تضرر منها 274 تجمعاً، أي ما يقارب ثلث إجمالي التجمعات، فيما بلغت نسبة الدمار الكلي في 66 تجمعاً عمرانياً ما بين 80% إلى 100%.
وأشار إلى أنه زار عدداً من المناطق المدمرة في المدينة والريف، مثل تدمر والسخنة والقريتين ومهين والقصير، حيث وصف حجم الدمار بأنه فاق التصور، حتى بالمقارنة مع تجربته السابقة خلال الحصار في الوعر والريف الشمالي.
وأشار إلى أن هذا الدمار الهائل يُشكل تحدياً كبيراً أمام جهود إعادة البناء، لذلك تعمل المحافظة حالياً على عدة محاور، تشمل مشاريع طارئة لترميم المساكن والبنية الأساسية، إلى جانب مسارات استراتيجية بالتعاون مع مؤسسات محلية ودولية، من بينها جامعة فينيسيا في إيطاليا، بهدف وضع مخططات عمرانية توجيهية طويلة الأمد، تُعرف بـ”الماستر بلان”.
وبيّن المحافظ أن الرؤية الأولية لإعادة إعمار المدينة وريفها قُدّمت لرئيس الجمهورية، وتتطلب فترة زمنية مناسبة لصياغة خطة متكاملة. ولفت إلى أنه يتم حالياً إعداد دراسات خاصة بمناطق تدمر، القريتين، مهين، القصير، الرستن، تلبيسة، الحولة والسخنة، وكذلك الحصن، مشيراً إلى أن العمل يجري بالتوازي مع أكثر من جهة وشركة استشارية لتجنب منح الأولوية لمنطقة على حساب أخرى.
وشدد الأعمى على أن حمص بحاجة إلى مخطط توجيهي جديد يعكس رؤيتها للمدينة بعد خمسين عاماً، مؤكداً أن الدراسة المعمقة تتطلب وقتاً، لكنه في الوقت نفسه أشار إلى أن المحافظة لا تطلب من الناس الانتظار، بل بدأت بتجهيز مشاريع صغيرة ومباشرة ذات طابع إسعافي، تشمل تداخلات عمرانية على أراضٍ تابعة للدولة، قرب الأحياء السكنية ومناطق الريف، لتوفير حلول سريعة للأزمة السكنية.
وفي هذا السياق، أوضح أن تلك المشاريع تستهدف المطورين العقاريين والمستثمرين، لتوفير بدائل سكنية مناسبة للمتضررين، في ظل العجز الحاصل في المعروض العقاري، ما يتيح للناس خيار السكن البديل أو الاستئجار، ريثما يتم ترميم منازلهم أو إعادة إعمارها.
البيئة الاستثمارية تحتاج إلى إصلاح شامل
أكد المحافظ أن البيئة الاستثمارية الحالية في سوريا، والتي خلّفها النظام السابق، لا تزال طاردة وليست مشجعة، وأن ملف التطوير العقاري لا يزال غير ناضج. وأوضح أن الوزارات المعنية في دمشق بدأت منذ فترة بإعداد حزمة من القوانين لتنشيط الاستثمار العقاري، وجعل السوق السورية أكثر جاذبية للشركات المحلية والأجنبية.
وفيما يتعلق بملف الإيجارات، أقر الأعمى بوجود أزمة حقيقية بسبب قلة المعروض وزيادة الطلب نتيجة الدمار الواسع، مؤكداً أن الأسعار المرتفعة تشكّل عبئاً على المواطنين. وأشار إلى أن أي حلول قانونية غير مدعومة بإجراءات تنفيذية لن تكون فعالة، لذا تعمل المحافظة حالياً على دراسة إعلان مناطق توسع عمراني، وتفعيل مشاريع تداخل عمراني ستسهم في تخفيض أسعار العقارات والإيجارات مع الوقت.
وكشف الأعمى عن تشكيل لجان بالتنسيق مع لجان الأحياء، لدراسة وضع سقوف تأجيرية لكل حي، مع التأكيد على أن أي قرار بهذا الشأن لن يُعلن إلا إذا كانت هناك آلية واقعية لتطبيقه ومنع الازدواج بين السعر الرسمي والسوق غير النظامية.
عودة المهجرين بدعم من المجتمع المحلي
وفي سياق ملف عودة المهجّرين، أوضح محافظ حمص أن المحافظة أشرفت على عودة أعداد كبيرة من المهجّرين الذين كانوا في الشمال السوري، بالتنسيق مع عدة جهات من رجال أعمال وجمعيات ومنظمات أهلية.
وبيّن أن الشريحة المستفيدة في هذه المرحلة تضم العائلات التي تملك منازل لكنها تواجه عوائق مالية أو لوجستية تعيق عودتها، حيث تم تنفيذ مشاريع لتأمين الدعم المطلوب لتلك العائلات.
وأوضح أن المحافظة تستعد لفصل الصيف بعودة واسعة متوقعة للمهجّرين، خصوصاً بعد انتهاء العام الدراسي، مشيراً إلى أن المحافظة تواجه تحديات كبيرة ناتجة عن عقود من الإهمال في عهد النظام السابق، حيث لم تُسجل فيها أي توسعات عمرانية حقيقية، ولا توجد فيها بنية فندقية أو سكنية كافية.
وذكر الأعمى أن هذا الواقع الخدمي السيّئ لا يمكن تغييره خلال أشهر قليلة، بل يتطلب وقتاً وصبراً حتى تبدأ عجلة إعادة الإعمار بالدوران، مضيفاً أن كل الجهود حالياً منصبّة على توفير الخدمات الأساسية كالكهرباء والمياه والنظافة، مشدداً على أن البنية التحتية الموروثة تعاني من هشاشة عميقة، ما يتطلب العمل على مسارات إسعافية وأخرى استراتيجية لمعالجتها.
الكهرباء والمياه.. أولويات الطوارئ وإعادة التأهيل
وحول ملف الكهرباء، قال الأعمى إن التحسّن الملحوظ في بعض الأحياء لا ينفي وجود اختلالات بسبب قدم الشبكة والحاجة لصيانات متكررة.
وأوضح أن الشركة العامة للكهرباء نفذت خلال خمسة أشهر الماضية صيانة واسعة لخطوط التوتر المتوسط، شملت 27 كيلومتراً، لكن النظام الكهربائي في سوريا مترابط، وما يُقدَّم لحمص مرتبط بالشبكة الوطنية، ما يحدّ من قدرة المحافظة على المعالجة المستقلة.
وفي قطاع المياه، أكد المحافظ أن انخفاض الأمطار خلال الشتاء الماضي أثّر على المصادر الرئيسية، لا سيما “عين التنور”، التي باتت تغذي حمص بشكل متقطع. وأشار إلى تشكيل لجان لإعادة تأهيل الآبار داخل المدينة، وفي كفرلاها، إضافة إلى مشاريع تهدف لتغذية حمص وحماة بشكل مشترك.
النظافة والحدائق.. جهود لتحسين المشهد اليومي
وفي ملف النظافة، أوضح الأعمى أن المحافظة ترحل يومياً نحو 110 أطنان من النفايات، وقد دعمت مجلس المدينة بمعدات وضاغطات جديدة، كما بدأت مشاريع لتوريد حاويات أرضية، لكنه أشار إلى أن الآليات القديمة تؤثر على انتظام العمل، وأن الوضع الحالي “مقبول وقابل للتحسن خلال فترة قريبة”.
أما فيما يخص المساحات الخضراء، فأوضح أن حمص تعاني من نقص كبير في الحدائق، وأن العمل جارٍ على ترميم عدد منها، مع إدراج حدائق كبرى ضمن جميع مشاريع إعادة الإعمار، بما في ذلك الوعر، والغوطة، والمدينة القديمة، سعياً لتوفير متنفسات مناسبة لأهالي المدينة.
التنمية المتوازنة بين المدينة والريف
رفض المحافظ ما يُتداول عن استمرار التهميش للريف، مؤكداً أنه زار أغلب المناطق الريفية، منها القصير، القريتين، مهين، تدمر، السخنة، الرستن، تلبيسة والحولة، واطّلع على المشاكل القائمة فيها.
ولفت إلى أن كل منطقة في حمص ستكون لها خطة خاصة تنطلق من خصوصيتها وتاريخها، مشدداً على أنه لن يُطلق أي مشروع لا يحظى بقبول سكان المنطقة وتطلعاتهم.
وأشار الأعمى إلى أن ما يميّز الخطة الحالية هو الحرص على أن تحمل كل منطقة هوية بصرية وذاكرة ثقافية مرتبطة بتاريخها، وهو ما غيّبه النظام السابق، الذي “مسح الذاكرة السورية”، مضيفاً أن كل المشاريع العمرانية الجديدة ستراعي الطابع المحلي، من مداخل الأحياء وحتى أنواع الأشجار المزروعة فيها.
فرص العمل والتنمية الاقتصادية
وفيما يخص الواقع الاقتصادي، أشار الأعمى إلى أن حمص تتمتع بموقع جغرافي مميز يتيح لها فرصاً كبيرة في قطاعات الزراعة، الصناعة، السياحة، والتجارة. وكشف أن المدينة الصناعية في حمص استقبلت 90 طلب إنشاء جديد، ما سيخلق فرص عمل واسعة، كما تم توقيع أكثر من ألف مشروع على مستوى سبل العيش، الصحة، والتعليم، ضمن إطار العمل الإنساني.
ولفت إلى وجود صعوبة حالياً في العثور على ورش نجارة أو دهان، نتيجة انشغال الجميع بمشاريع الترميم والبناء، في دلالة على حركة اقتصادية ناشئة.
وأوضح أنه يجري التنسيق مع وزارة التنمية الإدارية لإنشاء مديرية تنمية في حمص، بهدف ربط الكفاءات المحلية مع السوريين العائدين من الشمال، ومن الخارج، لتفعيل عجلة المؤسسات بسرعة أكبر.
للمزيد: تابع موقع نبض الخليج ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر
مصدر المعلومات والصور : شبكة المعلومات الدولية