جدول المحتويات
«نبض الخليج»
لم تكن السيارة يوماً مجرد وسيلة نقل للسوريين، بل تحوّلت مع الأزمات المتلاحقة إلى رمزٍ للنجاة والراحة وحلمٍ يؤجل مرات ومرات مع كل ارتفاع جديد في الأسعار. ومع القرار الأخير بوقف استيراد السيارات المستعملة، عاد هذا الحلم ليبتعد أكثر عن متناول شريحة واسعة من الناس الذين اعتادوا لسنوات على شراء “سيارات تمشي” تسدّ حاجاتهم بأقل التكاليف.
ويقف السوريون اليوم أمام سؤال كبير: هل يكون القرار بداية سوق نظيف ومنظم أم خطوة تزيد الهوّة بين القدرة الشرائية وما يعرض من سيارات؟
يتناول هذا التقرير، إيضاحاً كاملاً للرؤية التي استندت إليها الحكومة السورية للقرار “مفاجئ” كما وصفه السوريون، وأيضاً عرض وجهات النظر المختلفة للناس ولا سيما من التجار في سوق السيارات بدمشق وريفها.
دراسة دقيقة للسوق ورؤية ملائمة للواقع الاقتصادي
وصلت ردود الأفعال السلبية على قرار إيقاف استيراد السيارات المستعملة إلى وزارة الاقتصاد والصناعة من خلال متابعات المكتب الإعلامي في الوزارة لوسائل التواصل الاجتماعي وتعليقات المتابعين على القرار.
وتضمن القرار رقم 462 وقف استيراد السيارات المستعملة اعتباراً من تاريخ الأحد 29 حزيران، باستثناء: الرؤوس القاطرة، الشاحنات، آليات الأشغال العامة، الجرارات الزراعية التي لا تتجاوز سنة صنعها عشر سنوات عدا سنة الصنع.
وفي ردّها على الاستفسارات التي طرحها موقع تلفزيون سوريا، أوضح مدير الاتصال الحكومي في الوزارة قاسم كامل بأنَّ القرار جاء بناءً على تقييم دقيق لواقع السوق ولا سيما بعد دخول عدد كبير من السيارات المستعملة ولا سيما القادمة من مناطق شمال سوريا، والتي كانت معفاة من الرسوم مقارنةً بالسيارات في مناطق النظام المخلوع.
وأشار إلى أن ذلك أدى إلى إغراق السوق بالسيارات العاطلة أو التي تحمل عيوباً فنية، وبالتالي ازدياد تكاليف الصيانة، فضلاً عن ازدحام بعض المناطق ولا سيما في دمشق بالسيارات المركونة للبيع، وهو ما حمّل البنية التحتية أعباء إضافية.
يقول كامل لموقع تلفزيون سوريا: “القرار يهدف إلى ترشيد الاستيراد وتقليل الهدر والحفاظ على احتياطي القطع الأجنبي”.
ماذا عن السيارات المشتراة مسبقاً؟
تضمن القرار عدة استثناءات، ووفق ما أشار إليه كامل في حديثه لموقع تلفزيون سوريا، بأن هذه الاستثناءات المدروسة تأتي بناءً على خدمة احتياج السوق وضمان عدم خسارة المستوردين، فالسيارات التي تمَّ التوقيع على شرائها قبل صدور القرار مستثناة منه، شرط إثبات وتثبيت بيانات هذه السيارات في هيئة المنافذ البرية والبحرية؛ وذلك لعدم تحميل المستوردين خسائر ناتجة عن التوقيت، بحسب قوله.
ضربة للعدالة الاجتماعية أم موازنة للسوق؟
ومن جملة الانتقادات التي طالت القرار عقب صدوره مباشرةً، كان حصر الاستيراد في السيارات الجديدة باهظة الثمن، ما قد يجعل فكرة شراء سيارة بالنسبة للعاملين وضعيفي الدخل شبه مستحيلة، بمرور الوقت؛ إذ إنَّ السيارات المستعملة وعلى عيوبها، كانت تسدّ احتياجاً لدى السوريين وفق مبدأ اعتادوا عليه في السنوات الأخيرة وهو “المهم سيارة تمشي” و “أحسن من بلا”.
كما أن السيارات المستعملة كانت تسدّ احتياجات العمل؛ إذ كان بعض التجار يشترون سيارتين، واحدة جديدة خاصة، والثانية قديمة وقد تكون متهالكة لكنها نافعة في العمل لنقل العمال أو البضائع وغير ذلك.
يقول المهندس طارق حمدان لموقع تلفزيون سوريا: “في السابق، كان معظم أصحاب المهن يخصصون سيارة مستعملة قديمة الموديل للعمل، يشتريها بسعر قليل، حتى أن بعض العمال من ذوي الدخل الضعيف يشترون سيارات قديمة ومستعملة لضعف قدرتهم الشرائية”.
وقد ردّت وزارة الاقتصاد والصناعة على استفسارنا حول إذا ما كان القرار هو خطوة لتقويض العدالة الاجتماعية وكفّ النظر عن أصحاب الدخل المتدني من الناس، إذ أوضح قاسم كامل لموقع تلفزيون سوريا أن القرار لا يستهدف ذوي الدخل المحدود بل هو في صالحهم، وفقا لتعبيره.
يقول كامل: “يسعى القرار إلى حماية الناس ولا سيما من ذوي الدخل المحدود من الوقوع في دوامة اقتناء سيارات متهالكة تشكّل عبئاً مستمراً عليهم بسبب الأعطال وغياب الضمان الفني”.
وفي الوقت الذي انتشرت فيه الانتقادات، أيّد بعض السوريين القرار لكونه في رأيهم يُشكل الخطوة الأولى للتخلص من السيارات المتهالكة التي ملأت السوق في الأشهر الأخيرة، وسيؤدي إلى غربلة سوق السيارات وبالتالي خلق سوق سيارات حديثة وصحيحة المواصفات والحالة الفنية خلال وقت قصير.
في حديثه لموقع تلفزيون سوريا، أوضح محمد منصور الحنفي وهو تاجر سيارات في منطقة المزرعة بدمشق، بأن هذا القرار هو تصحيح للقرار الذي سبقه في يناير/كانون الثاني الماضي، والذي سمح باستيراد جميع السيارات والمركبات عبر معبر نصيب الحدودي شريطة ألا يزيد عمرها عن 15 عاماً.
وكان القرار السابق قد أغرق السوق المحلية بالسيارات ذات الأعطال والحالة الفنية المتدهورة وشبه المتهالكة، نتيجة فتح باب الاستيراد عل مصراعيه دون فحص للسيارات أو الكشف عن حالتها الفنية، كما أنَّ هذا القرار وفق رأي عدد كبير من تجار دمشق، قد تسبب بخسارتهم آلاف الدولارات خلال أشهر.
يقول الحنفي: “إغلاق باب الاستيراد العشوائي للسيارات المستعملة، سيؤدي إلى التخلص من الكميات المتكدسة في السوق من السيارات المستعملة القابلة للبيع والشراء، والسيارات المتهالكة تماماً سيتم تحييدها من السوق والتخلص منها، خلال مدة سنتين أو ثلاث بتقديراتي كتاجر سيارات، وهذه عملية تنظيف للسوق وترقية له أيضاً”.
هل سيختلّ ميزان العرض والطلب؟
توقع عدد كبير من السوريين أن يختل السوق بالقرار الأخير ولا سيما الحديث عن ازدياد الطلب على السيارات المستعملة الموجودة في السوق، والتي جرى استيرادها في الفترة الماضية، ما سيؤثر بالضرورة على أسعار هذه السيارات بالزيادة الكبيرة.
وبجولة لموقع تلفزيون سوريا، في سوق السيارات في دمشق وريفها، وبلقاء عدد من تجار السيارات في شارع الملك العادل بمنطقة المزرعة وفي سوق السيارات على أتستراد حرستا، أوضحوا أن هذه المخاوف مٌبالغ بها حتى وصلت إلى حدّ التهويل؛ فالسوق مُغرق ومتخَم بالسيارات المستعملة، والتجار يريدون البيع دون حاجتهم إلى رفع الأسعار كما يتوقع الناس.
حتى أن بعض التجار باعوا بنفس السعر السابق أو بتخفيضه بعد صدور القرار، ولا سيما أن حركة البيع والشراء في الآونة الأخيرة شبه معدومة.
في حديثه لموقع تلفزيون سوريا، يقول جمال عبد العال وهو تاجر سيارات منذ قرابة الثلاثين عاماً في منطقة المزرعة، بأنَّ القرار الأخير يحرّك السوق من ناحية زيادة الطلب لمخاوف الناس من ازدياد أسعار السيارات المستعملة، لكنه لن يرفع الأسعار بشكل حقيقي كما يتوقع البعض، كون التجار تريد البيع وبالنظر إلى أنّ عددا هائلاً من السيارات المستعملة موجودة حالياً في السوق.
يقول جمال: “دخلت أكثر من 300 ألف سيارة في الأشهر الأخيرة بعد فتح باب الاستيراد، ومازال السوق مٌتخماً بالسيارات فلن ترتفع الأسعار وإن زاد الطلب؛ هذا رأينا كتجار”.
بينما كان للتاجر محمد الشهابي رأياً مختلفاً، إذ أوضح أن ارتفاعاً طفيفاً ومحدوداً طال بعضا السيارات المستعملة منذ صدور القرار، ولا سيما بالنسبة للسيارات الألمانية والكورية، دون تأكيد إذا ما كان ذلك مرتبطاً بشكل مباشر بالقرار أم أنَّ هناك أسباب أخرى أو حتى من محض المصادفة.
يقول الشهابي لموقع تلفزيون سوريا: “ارتفعت أسعار بعض السيارات المستعملة، فسيارة مرسيدس c300- 2012، كانت تباع في السابق بـ 11 ألف دولار، أما اليوم فوصل سعرها إلى 12 ألف و500 دولار”.
بينما أوضحت وزارة الاقتصاد والصناعة لموقع تلفزيون سوريا، وعلى لسان مدير الاتصال الحكومي فيها، بأنَّ الوزارة قد أخذت بالحسبان مسبقاً بأنَّ تقليص الاستيراد قد يخلق ضغوطاً “مؤقتة” على الأسعار، لكنها أيضاً أخذت بالحسبان أنَّ السوق شهد مسبقاً دخول عدد كبير جداً من السيارات الكافية لتغطية الطلب في المرحلة الحالية.
وعن تسجيل السيارات المستعملة، قال قاسم كامل: “لا يوجد أي توجه في الوقت الحالي لإيقاف تسجيل السيارات المستعملة، بل تستمر الإجراءات الخاصة بها بشكل اعتيادي”.
خلق لسوق صيانة جديد
أثارت فكرة إدخال السيارات الجديدة ذات الطراز الحديث، جملة من التساؤلات المتعلقة باحتياج السوق إلى قطع الغيار والخدمات الفنية والصيانة الخاصة بهذه السيارات والتي يعتمد بعضها على الأتمتة والصيانة الخاصة من قبل فنيين يملكون الخبرة فيها، وهو ما لا يملكه فنيو السيارات القديمة في الوقت الحالي ولا سيما في المناطق التي كان يحكمها النظام، والتي لم تطأها السيارات الحديثة إلا بعد سقوطه.
وعن ذلك، أوضحت وزارة الاقتصاد والصناعة بجواب مقتضب وعام، لموقع تلفزيون سوريا، أن الوزارة تٌنسق مع “الجهات المعنية” بهذا الملف، وستلبي الاحتياج إلى الصيانة المتعلقة بهذه السيارات الحديثة من خلال القطاع الخاص عبر “الاستثمار في مراكز صيانة حديثة”.
كما أكدت الوزارة على فكرة “تأهيل كوادر فنية محلية” تتواءم في خبرتها مع الطٌرز الحديثة للسيارات التي سيتم استيرادها، دون تفاصيل إضافية حول كيفية التأهيل وتوقيته.
قرارات جدلية.. فماذا عن تعديلها؟
وعن سؤالنا حول إذا ما كان القرار الأخير قابلاً للتعديل بعد الجدل الذي أحدثه في السوق وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، أوضحت الوزارة أنها منفتحة على التقييم المستمر للقرار وانعكاساته، بما يخدم المصلحة العامة وبالاعتماد على المعطيات الواقعية وردود فعل الشارع، وذلك بالتنسيق مع بقية الجهات ذات الصلة.
وبين تبريرات الحكومة ومخاوف الناس، يبقى القرار مفتوحًا على التقييم، بينما ينتظر السوريون أن يروا إن كان حلم السيارة سيظل بعيدًا أم يعود في متناول أيديهم.
للمزيد: تابع موقع نبض الخليج ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر
مصدر المعلومات والصور : شبكة المعلومات الدولية