«نبض الخليج»
من الضروري أن نبدأ التفكير، نحن السوريين جميعًا، بوطنيةٍ صافية. وأن يسعى الجميع إلى تقديم بادرة حُسن وطنية، تتضمن وقفًا غيرَ مشروطٍ للحرب، والقتل، والانتقام، وتتضمن إطلاق المحتجزين، والمأسورين، وفتح الطريق للمحاصرين، وعودة المخطوفين جميعهم، أيًا كان دينهم أو مذهبهم أو انتماؤهم، وفتح الطرقات، وإدخال المساعدات والمواد الغذائية، من دون أي شروط، وكباردة حسن وطنية من الجميع إلى الجميع.
ثم بعد ذلك، يمكن أن نقترح النقاط الآتية، بوصفها خلفية ذهنية، تبني إطارًا عامًا للتفكير استنادًا إلى أسسٍ وطنية، لعلنا نحدث خرقًا في حفل الجنون الجماعي الماثل أمام أعيننا منذ أيام، وصونًا للدماء والكرامات، وضمانًا لعدم تكرار هذه الكوارث في المستقبل، الإنسانية منها، والسياسية.
وللنقاط الآتية بتقدير كاتب هذه السطور أهمية متساوية لبناء الخلفية الذهنية للتفكير الواعي والمسؤول والذي يقيم دائمًا وزنًا كبيرًا للضمير.
النقطة الأولى: ليس للدروز السوريين، أي طريقة لحماية أنفسهم، في مثل هذه الظروف التي نمر بها، إلا الاستناد إلى التاريخ الوطني السوري، الذي يقول إن السوريين المسلمين السُنةَ، كانوا، وما يزالون، حاضنةَ مشروعٍ وطني، وإنهم قادرون دائمًا على رفع هذا المشروع في الظروف التاريخية الصعبة، وحماية الجميع، وإعادة الروح الوطنية. وهذا يتطلب موقفًا وطنيًا سوريًا سريعًا يتم التعبير عنه بكل الطرائق السلمية المُمكنة، التي تستند إلى العقل والمحبة والاندماج الوطني.
النقطة الثانية: تثبيت مسألة مُهمة – الآن، وفي المستقبل – بأن الإسلام السوري، لم يتحول إلى طائفة في مواجهة طوائف، ولن يتحول. بل إنَّه، بما يمتلكُ من ذاكرةٍ وطنية وتاريخٍ، ونياتٍ طاهرة، وعقلٍ وطنيٍ متبصرٍ واسعٍ، قادرٌ دائمًا أن يكون حاضنة المشروع الوطني السوري، وليس طائفة.
السوريون في السويداء جميعهم، وتحديدًا الدروز، لهم تاريخٌ وطني، ما يزال حاضرًا ويملك من القوة الرمزية، والوطنية، والقيمية، والأخلاقية، ما يؤهله ليكون رصيدًا مهمًا وأساسيًا في رأسِ المال الوطني السوري
النقطة الثالثة: السوريون في السويداء جميعهم، وتحديدًا الدروز، لهم تاريخٌ وطني، ما يزال حاضرًا ويملك من القوة الرمزية، والوطنية، والقيمية، والأخلاقية، ما يؤهله ليكون رصيدًا مهمًا وأساسيًا في رأسِ المال الوطني السوري. ورأس المال هذا أهم ما ينبغي مراكمته بكثافةٍ في هذه اللحظة المفصلية. ولمجتمع السويداء قِيمُهُ وأصالته التي تؤهله للانفتاح، وتعزيز الاندماج الوطني، ومقاومة أي شكلٍ من أشكال الدرزية السياسية. كما يحمل هذا المجتمع ذاكرةً مجتمعيةً زاخرةً بالتجارب النضالية والعمل الوطني المشترك، وهي ذاكرة تستحق التفعيل وطنيًا، والإحياء في الحاضر الراهن.
النقطة الرابعة: أي خطابٍ يتم تقديمه في المستقبل، من النوع الذي يتضمن عباراتٍ ومفهوماتٍ إشكالية، غير مقبولةٍ للسوريين، لن يُمثِّل إلا صاحبَه، ولا يُحسب على أهالي السويداء جميعهم، أو على فئةٍ منهم. بل يتحمل صاحبُه وحيدًا المسؤوليةَ القانونيةَ والسياسيةَ والأخلاقيةَ عنه. ولا سيما إذا كان خطابًا يرحب بالعدو الإسرائيلي، ويشجع على التنسيق معه، أو مع أي جهاتٍ محسوبةٍ عليه.
النقطة الخامسة: رقابة المجتمع على سلوك الدولة، ومقارباتها، ومساعدتها في المأزق الصعب الذي وضعت نفسها فيه في أكثر من مرةٍ بأن صارت في مواجهة اتهاماتٍ بقتل السوريين الأبرياء. ويتطلب ذلك العمل على تقليل أثر أخطاء النظام السياسي في إضعاف الدولة وتفكيك المجتمع السوري، ومساعدة الحكومة على إنقاذ نفسها من نفسها، وتجنّب تبعات قراراتها الكارثية التي انعكست سلبًا على قوة الدولة، ومدى وطنية قراراتها، التي يُفترض أن تستمدّ مشروعيتها من قوة السوريين جميعًا في هذه المرحلة الحرجة. كما يستوجب الأمر الحرص الشديد على انتقاء العاملين في السلك العسكري والأمني وفق معايير صارمة، تستند إلى الوطنية، والأخلاق الرفيعة، والانضباط، والقدرة على الوقوف على مسافة واحدة من جميع السوريين، من دون تمييز، والتعامل الصارم، والسريع، مع مرتكبي الانتهاكات وغير المنضبطين، ومحاسبتهم جميعًا بموجب القانون.
النقطة السادسة: قدرة السوريين على حلّ مشكلاتهم بأيديهم، من دون الحاجة إلى أيّ جهة خارجية، وقدرتهم على التعبير عن إمكانات المجتمع السوري في دعم المسار السياسي الوطني، والتدخّل السلمي لمساعدة السوريين المنكوبين، أيًّا يكن انتماؤهم.
وهذا يعني بالضرورة قدرة المجتمع السوري، بالتعاون مع الحكومة والجهات الرسمية، على بناء تعاون وطني بنّاء في جميع اللحظات المفصلية، وهذه اللحظة واحدةٌ منها.
ثمّة ضرورةٌ تاريخية لصياغة هذا النموذج وتقديمه، للداخل والخارج معًا، بما يُظهر الرغبة الوطنية في تجاوز المحنة. وهذا يقتضي أن ينطلق الرأيُ العامّ السوري في التعبير عن نفسه بحرية، ومن دون قيود، وبصورةٍ سلمية، هدفُها الأسمى هو بناء الجسور الوطنية بكل السُّبل الممكنة.
ومن أبرز تلك السبل: نبذُ التحريض، والجنون، والشيطنة، ودعوات الكراهية، وتعميق الفجوة. كما يتطلّب الأمر التشارُكَ في كلّ ما يُعزّز القيم الإنسانية، والإكثار من الحديث عن المحبة، والتراحم، والاندماج، والمودّة، والنيّات الصافية، بوصفها السلاحَ الأكثر فعالية في مواجهة هذا النوع من الأزمات، ودرءًا لغياب العقل، ومنطق الزعران، أيًّا كانوا.
بعد هذه الخلفية الذهنية يمكن أن نقول الآتي في الإطار العام لسؤال ما العمل، والذي يشكِّل بتقديرنا المنهجية الوطنية للتفكير في هذه الكارثة الراهنة:
أولًا: وقف غير مشروط لإطلاق النار من الجميع، وإطلاق المحتجزين، والمأسورين، وفتح الطريق للمحاصرين، وعودة المخطوفين، جميعهم أيًا كان دينهم أو مذهبهم أو انتماؤهم، وفتح الطرقات، وإدخال المساعدات والمواد الغذائية، من دون أي شروط، وكبادرة حسن وطنية من الجميع.
ثانيًا: تشكيل طرف وطني سوري بانٍ للثقة، فيه شخصيات وطنية، ومشيخة دمشقية قريبة لأهالي السويداء ومعروفة لديهم، ومجلس الإفتاء، وشخصيات سياسية قادرة ممَّن أثبتوا القدرة على ضبط العقل والنفس.
ثالثًا: فسح المجال لنقاشٍ داخلي في السويداء بشأن مصير الشيخ الهجري، وكل الجهات التي استقوت بإسرائيل، وفسح المجال لتصنيف هذا الملف بوصفه ملف جناية قانونية، وفصله الكامل عن ملف السويداء ومطالب أبنائها.
رابعًا: جبر الضرر، وجبر الخواطر، ومشاركة السوريين في عزاء مفتوح مشترك للضحايا، من كل الأطراف.
خامسًا: العمل على كتابة وثيقة سورية وطنية، تكون بمثابة ميثاق سلامٍ وطني دائم كي لا تتكرر هذه الحوادث في أي بقعةٍ من سوريا في المستقبل، والعمل على ابتكارٍ نُصبٍ رمزي للسلام يقام أمام مجلس الشعب في دمشق، ليحتضن هذه الوثيقة، ويظل يذكرنا أن مثل هذه الأحداث لن تتكرر في مستقبلنا على الإطلاق، ويتم تضمين هذه الوثيقة في الإعلان الدستوري بالطريقة القانونية الملائمة.
للمزيد: تابع موقع نبض الخليج ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر
مصدر المعلومات والصور : شبكة المعلومات الدولية