«نبض الخليج»
قال وزير الأوقاف السوري الدكتور محمد أبو الخير شكري، إن الـ 100 الأولى كانت لإعادة هيكلة الوزارة وتنظيم مديرياتها والدوائر التابعة لها، لتكون أكثر كفاءة وشفافية.
وأضاف الوزير شكري في أول لقاء إعلامي بعد استلامه المنصب مع تلفزيون سوريا، أنه في الأشهر الثلاثة الأولى، استعدنا 1243 عقاراً وقفياً كانت منهوبة أو غير مستثمرة بشكل قانوني. هذا رقم ضخم. لدينا في سوريا أكثر من 33,700 عقار وقفي، كانت نسبة كبيرة منها خارج السيطرة القانونية، لا سيما في حلب، التي تستحوذ على نحو نصف هذه العقارات، والنصف الآخر موزع على باقي المحافظات.
ولفت إلى أن الوزارة عقدت 268 مزادًا علنيًا حقيقيًا لإعادة تأجير العقارات الوقفية بشفافية تامة، وفق إجراءات قانونية تضمن العدالة والعدالة في التوزيع والاستثمار.
وفي سياق آخر، قال الوزير: نحن نؤمن أن وزارة الأوقاف مسؤولة عن تقديم الخطاب الديني الأصيل، خطاب الإسلام الحقيقي الذي يدعو إلى الاعتدال والسلم والتعايش. خطاب الإسلام لا يدعو للتفرقة أو الكراهية، بل للمحبة بين الناس. كما قال الله تعالى في كتابه الكريم: “وقولوا للناس حسناً”، ولم يقل “للمؤمنين” فقط.
نحن نخاطب جميع السوريين، مسلمين وغير مسلمين، بمبدأ الاحترام والمودة. المكونات غير المسلمة في سوريا هي جزء أصيل من هذا الشعب، ولهم كامل الاحترام.
وبخصوص حل المجلس الإسلامي السوري، بيّن الوزير أن المجلس الإسلامي السوري كان من أنجح الهيئات الدينية التي تأسست خلال الثورة السورية. وضمَّ نخبة من كبار العلماء، وكان له دور مرجعي كبير للمسلمين في داخل سوريا وخارجها.
وأردف شكري، “لكن بعد أن منّ الله علينا بالتحرير وأصبحت سوريا بلدًا حرًّا لجميع أبنائها، أصبح من الضروري توحيد صفوف العلماء، سواء من كانوا في الخارج، أو في المناطق المحررة، أو في الداخل السوري، وخاصة من ثبتوا على الحق ولم يمالئوا النظام”.
وبرر الوزير حل المجلس بقوله: “مع تقديرنا للدور الهام الذي قام به المجلس الإسلامي، فإن المرحلة الآن تتطلب إطارًا أوسع يضم جميع العلماء من مختلف المناطق والمدارس الدينية. ونحن نعمل على تشكيل مجلس علماء وطني شامل، يضم كبار العلماء من جميع المحافظات، يُعقد له مؤتمر سنوي أو نصف سنوي، ويُناقش قضايا تمسّ المجتمع والدين”.
ولفت الوزير إلى أن عدد طلاب التعليم الشرعي في سوريا يزيد على 100 ألف طالب، يتلقون تعليمًا وسطيًا معتدلًا، قائمًا على نشر العلم والتعايش والسلم المجتمعي.
أما بما يخص المساجد المدمرة بسبب قصف النظام المخلوع، أوضح الوزير شكري أن هناك أكثر من ألفي مسجد مدمّر، كليًا أو جزئيًا. أي أن نحو 20% من المساجد في سوريا تعرّضت للتدمير منها حوالي 500 مسجد مهدّم تمامًا، أي أُزيل عن وجه الأرض، وحوالي 1500 مسجد مدمّر جزئيًا.
المقابلة كاملة مع وزير الأوقاف السوري، الدكتور محمد أبو الخير شكري بعد 100 يوم من استلامه المنصب:
مرّت الآن مئة يوم منذ تسلمكم وزارة الأوقاف، ولا شك أن المرحلة كانت صعبة ومليئة بالتحديات، خصوصًا في بلد خرج من حرب مدمرة، وبعد أكثر من خمسين عامًا من حكم النظام السابق، وما خلفه من فساد مستشرٍ داخل الوزارة. كيف وجدتم التركة؟ وكيف كانت المئة يوم الأولى؟
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
بالفعل، التركة ثقيلة، نتحدث عن أكثر من نصف قرن من التراكمات، والفساد الذي طال معظم مؤسسات الدولة، ووزارة الأوقاف كانت من بين الوزارات التي عانت بشدة. كما قال الله تعالى: “وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد”.
منذ اليوم الأول، بدأنا العمل على إعادة هيكلة الوزارة وتنظيم المديريات والدوائر التابعة لها. وضعنا الخطط العامة، وما زلنا نعمل على ملء الشواغر ضمن الهيكلية الجديدة، بحيث تكون الوزارة أكثر كفاءة وشفافية في أدائها.
ما أبرز الملفات التي واجهتموها خلال هذه الفترة؟
دعني أبدأ بإعطاء صورة عن طبيعة عمل الوزارة. لدينا شقّان أساسيان:
الأول هو الشق التربوي والتعليمي، ويتضمن المدارس والمعاهد الشرعية، والإشراف على المناهج الدينية، وتأهيل الأئمة والخطباء.
الثاني هو الشق الوقفي، وهو ما يرفد الشق الأول ويضمن استمراريته، لأنه يدعم رواتب الأئمة والخطباء وخدمة المساجد وكل ما يتعلق بها.
في أول 100 يوم، استعدنا 1243 عقارًا وقفيًا كانت منهوبة أو غير مستثمرة بشكل قانوني. هذا رقم ضخم. لدينا في سوريا نحو 33,700 عقار وقفي، كانت نسبة كبيرة منها خارج السيطرة القانونية، لا سيما في حلب، التي تستحوذ على نحو نصف هذه العقارات، والنصف الآخر موزع على باقي المحافظات.
عقدنا 268 مزادًا علنيًا حقيقيًا لإعادة تأجير العقارات الوقفية بشفافية تامة، وفق إجراءات قانونية تضمن العدالة والعدالة في التوزيع والاستثمار.
وبفضل الله، نحن اليوم بصدد إطلاق نهضة حقيقية في التعليم الشرعي. على مدى خمسين عامًا، تم افتتاح 230 ثانوية شرعية فقط. أما خلال المئة يوم الماضية، فقد افتتحت 40 ثانوية شرعية جديدة، ونتوقع الوصول إلى 300 ثانوية شرعية بنهاية هذا العام.
ومن أبرز مظاهر الفساد، الترهل الإداري داخل الوزارة. لدينا مديرية من المفترض أن يعمل فيها 38 إلى 40 موظفًا، لكن في الواقع أنها تضم 180 موظفًا، أي أكثر من أربعة أضعاف الحاجة الفعلية. وهذا ما نعتبره شكلاً من أشكال الفساد الإداري الواضح.
أحد مديري الأوقاف قرر عقد لقاءات تقييمية مع الموظفين، فاكتشف أن أحدهم يتواصل معه من ألمانيا! قال له: “أنا موظف لديكم، واسمي ما زال على جدول الرواتب.” وعندما سأله المدير: “أين أنت؟”، أجاب: “أنا في ألمانيا!”
والأدهى من ذلك، أن راتبه يُصرف بشكل منتظم، ويتقاضاه عنه زميل له. هذا نموذج واضح للفساد والترهل الإداري الذي نواجهه.
هناك عقارات من المفترض أن تؤجّر بمبلغ 500 دولار شهريًا، لكنها كانت مؤجرة بدولار واحد فقط!
أما من أراد أن يحصل على رخصة لبناء مسجد، فكان عليه أن يدفع رشاوى، ليس فقط بالمال، بل بالذهب، على شكل ليرات أو أونصات ذهبية.
هذا شكل من أشكال الفساد المؤلم، ونحن نعمل يومًا بعد يوم على تنظيف هذا الركام المتراكم عبر عقود.
معالي الوزير، في أحد خطاباتكم قلتم إن وزارة الأوقاف هي وزارة السلم الأهلي أيضًا. كيف ترى الوزارة دورها في رأب الصدع بين السوريين بعد كل ما جرى في سوريا؟
الحقيقة أن دور وزارة الأوقاف هو تقديم الخطاب الديني الأصيل، خطاب الإسلام.
والخطاب الإسلامي يعني الاعتدال، والإسلام هو السلم الأهلي، والتعايش، والإسلام الحقيقي هو المحبة لكل الناس. قال الله عز وجل في القرآن الكريم: “وقولوا للناس حسنا”، لم يقل “قولوا للمؤمنين”. وقال سبحانه للنبي عليه الصلاة والسلام: “وما أرسلناك إلا رحمةً للعالمين”، ولم يقل “رحمةً للمؤمنين”. وقال: “الحمد لله رب العالمين”، ولم يقل “رب المؤمنين”. فالله عز وجل هو رب العالمين جميعًا، رب الخلائق كلهم.
نحن ننطلق من هذا الفهم، لننشره في المجتمع. لدينا كذلك مسؤولية في العلاقة بين المسلمين أنفسهم، فنحن نسعى لردم الهوة الموجودة في الخطاب الداخلي، إذا صح التعبير، داخل البيت المسلم. قد يكون هناك بعض الأشخاص ممن لديهم أفكار معينة، ونحن نريد أن نرجع الجميع إلى الخطاب الإسلامي الحقيقي، الذي يمثّل الاعتدال، ويمثّل السلم، ويمثّل المحبة.
ومن لطف الله وتقديره، أنني كنت العبد الفقير رئيس مجلس السلم الأهلي في سوريا في عام 2013، وكنت منتخبًا عن كل مجالس السلم الأهلي الموجودة في المحافظات. فهذا السلم الأهلي يسري في دمي، لأنني أعيش السلم الأهلي، بل ويجب على الناس جميعًا أن يعيشوا هذا السلم، الذي يعني أن نستوعب الجميع تحت مظلة واحدة، مظلة الإسلام، مظلة المحبة، مظلة الوطن الواحد، الوطن الذي هو سوريا.
فأنا لا أنظر إلى الإنسان الذي يأتيني على أنه من طائفة كذا أو من دين كذا، بل على أنه إنسان سوري، تجمعني وإياه سوريا. فسوريا تشمل الجميع وتحب الجميع، وكلنا تحت هذه المظلة. نحن دائمًا نجسر الهوة الموجودة بين المسلمين وبين مكونات الشعب السوري، أياً كانت هذه المكونات، فنحن نعيش معهم تحت مظلة الوطن الواحد. فكلنا، بغض النظر عن انتماءاتنا أو مذاهبنا أو أفكارنا، هذا هو خطابنا.
مع غير المسلمين، الذين هم مكوّنات أصيلة في الشعب السوري، وأيضًا فيما بين المسلمين أنفسهم، يجب أن يكونوا جميعًا على الرحمة والمودة والمحبة، لنكون جميعًا كما قال الله تعالى: “وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين”. نبني هذا البلد. أنا ذكرت سابقًا ثلاث كلمات: التحرير، ثم التمكين، ثم البناء؛ بناء الإنسان وبناء البنية.
نحن الآن بحاجة إلى أن نبني بلدنا. سئمنا الحروب، سئمنا القتال، سئمنا سفك الدماء. لا نريد أن يكون أحد في سوريا أو خارجها خارج القانون، ولا نريد أن يكون أحد فوق القانون. كلنا تحت القانون، جميعًا تحت مظلة هذا العلم، علم سوريا، جميعًا.
هذه هي الحقيقة التي نسعى إليها في وزارة الأوقاف. ويوما بعد يوم، بفضل الله عز وجل، يسري خطاب الخطباء على المنابر، والمدرّسين في المساجد، الخطاب الذي أقوله لك، إن شاء الله، في جميع أنحاء سوريا، لتكون بلد الوئام، وبلد المحبة، وبلد السلام، وبلد التعايش، وبلد الاستقرار، إن شاء الله.
انتقالًا من ذلك، هناك حديث عن وجود خطاب سلفي جهادي وتخوّفات، كيف يمكن أن تكون وزارة الأوقاف هي حامل التوازن في ذلك في سوريا؟
والله، الحقيقة، أقول لك بكل صدق الجهاد في ديننا ماضٍ إلى يوم القيامة.
نعم. لكن نحن الآن نريد أن نبني بلدنا. هناك وعي كبير لدى كل خطباء المساجد عندنا. لدينا 13,100 مسجد، يُقام في نحو 8,000 منها صلاة الجمعة. بعضها مساجد لا تُقام فيها الجمعة، وبعضها جوامع تُقام فيها الجمعة.
في هذه المساجد الثمانية آلاف، لا أظن أن لدينا أكثر من 8 خطباء يخرجون عن هذا النهج. فعندما تقول إن واحدًا من كل ألف يخرج عن هذا الخط، فهي نسبة لا تكاد تُذكر، واحد بالألف لا تُساوي شيئًا.
ومع هذا، قد يكون له رأي شخصي أحيانًا. لكن وزارة الأوقاف مهمتها أن تضع الخط الديني المعتدل، كما قلت لك، وهو خطاب الإسلام. نحن لا نصطنع خطابًا جديدًا، لا. خطابنا هو خطاب الإسلام. الإسلام خطاب للجميع، قال الله: “وكذلك جعلناكم أمة وسطا”.
فبفضل الله عز وجل، ليس عندنا شيء اسمه “الخطاب الجهادي” أو “الخطاب السلمي”، لا. عندنا “الخطاب الإسلامي”، الذي يعني العلاقة، المحبة، التعايش، بين الجميع، تحت مظلة الوطن الواحد، والعلم الواحد، الذي هو دولة سوريا المستقرة، التي يريد أبناؤها بناءها من جديد، بناء الإنسان، وبناء البنيان، معًا بإذن الله تعالى.
قبل فترة، أُعلن عن تشكيل مجلس الإفتاء الأعلى بالتزامن مع تأسيس الرئاسة والحكومة. ما شكل العلاقة بين وزارة الأوقاف ومجلس الإفتاء الأعلى؟ وما دور كل طرف منهما؟
في السابق، في عهد النظام السابق، كان المفتي يتبع لوزير الأوقاف، وكان الإفتاء مديرية من مديريات وزارة الأوقاف. الآن، تم إعلاء شأن الافتاء ومكانة المفتي في سوريا.
الإفتاء في سوريا له تاريخ يعود لأكثر من ألف عام، وله مكانة كبيرة. المفتي في سوريا بمنزلة الوزراء، بل وأعلى. لذلك، تم إنشاء هيئة جديدة باسم “مجلس الإفتاء الأعلى”، يرأسها المفتي العام للجمهورية، وهو بمرتبة وزير، ويتبع رئاسة الجمهورية مباشرة، ولا يتبع وزير الأوقاف.
ويتكوّن مجلس الإفتاء الأعلى من خمسة عشر عالمًا من كبار العلماء، ووزير الأوقاف عضو فيه. هذا المجلس لا يبحث في الفتاوى الجزئية أو الفتاوى اليومية التي تتعلق بالعبادات والمعاملات والزواج، فهذه يمكن لأي عالم أن يفتي بها في منطقته.
مجلس الإفتاء الأعلى يهتم بما يسمى “فتاوى النوازل”، أي الأمور الهامة والمصيرية التي تخص البلد كلها. إذا جاءت نازلة من النوازل، أو مشكلة كبيرة، يبحثها المجلس ويصدر بشأنها فتوى موحّدة.
بالطبع، لمجلس الإفتاء الآن مكانة كبيرة، وأعضاؤه من العلماء الكبار أصحاب الخبرة، وله علاقة وثيقة مع وزارة الأوقاف، من حيث التنسيق الإداري واللوجستي وغير ذلك، لأن عددًا كبيرًا من العلماء فيه من كوادر وزارة الأوقاف.
كما أن التعاون وثيق أيضًا مع وزير العدل، وهو أيضًا عضو في المجلس، وهو من العلماء.
هل يوجد مقر لمجلس الإفتاء حاليًا؟
نعم، حاليًا مقره في وزارة الأوقاف، وقد خُصّص له طابقان، وربما يُنشأ له مقر مستقل لاحقًا إن شاء الله، دعمًا لاستقلاليته.
قبل فترة أعلن المجلس الإسلامي السوري حلّ نفسه، وهناك من رأى أن بقاء هذا المجلس كان يُعزز استقلالية العمل الديني عن السلطة. كيف يرى وزير الأوقاف هذا الأمر؟
الحقيقة أن المجلس الإسلامي السوري كان من أنجح الهيئات الدينية التي تأسست خلال الثورة السورية. ضمَّ نخبة من كبار العلماء، وكان له دور مرجعي كبير للمسلمين في داخل سوريا وخارجها. وبعد أن أُلغي منصب المفتي العام في النظام البائد، تم انتخاب الشيخ أسامة الرفاعي -رئيس المجلس الإسلامي- ليكون مفتيًا عامًا للجمهورية.
لكن بعد أن منّ الله علينا بالتحرير وأصبحت سوريا بلدًا حرًّا لجميع أبنائها، أصبح من الضروري توحيد صفوف العلماء، سواء من كانوا في الخارج، أو في المناطق المحررة، أو في الداخل السوري، وخاصة من ثبتوا على الحق ولم يمالئوا النظام.
لذلك، ومع تقديرنا للدور الهام الذي قام به المجلس الإسلامي، فإن المرحلة الآن تتطلب إطارًا أوسع يضم جميع العلماء من مختلف المناطق والمدارس الدينية. ونحن نعمل على تشكيل مجلس علماء وطني شامل، يضم كبار العلماء من جميع المحافظات، يُعقد له مؤتمر سنوي أو نصف سنوي، ويُناقش قضايا تمسّ المجتمع والدين، مثل شؤون المساجد والتعليم الشرعي والوقف والمناهج، ويُقدّم توصياته لوزارة الأوقاف ومجلس الإفتاء للعمل بها.
نعود إلى موضوع التعليم الشرعي، ما علاقة المدارس والكليات الشرعية بوزارتكم؟ وهل هي تابعة لكم مباشرة أم لوزارة التربية والتعليم العالي؟ وما خطتكم المستقبلية في هذا المجال؟
التعليم الشرعي التابع لوزارة الأوقاف يتنوع إلى عدة مستويات:
الثانويات الشرعية: حاليًا لدينا حوالي 270 ثانوية شرعية للبنين والبنات، تدرّس المنهاج العام لوزارة التربية بالإضافة إلى المنهاج الشرعي. ونخطط ابتداءً من العام القادم لإطلاق “الثانوية الشرعية العلمية”، أي أن تكون هناك فروع شرعي علمي إلى جانب الشرعي الأدبي، لأول مرة.
المعاهد الشرعية: وتشمل معاهد بنظام ست سنوات، تقدّم تعليمًا شرعيًا مكثفًا، بالإضافة إلى بعض العلوم الكونية الضرورية.
المعاهد المتوسطة (الدبلوم): مدتها سنتان، وتهدف لتأهيل الخريجين ليكونوا أئمة وخطباء ومدرّسي تربية إسلامية.
التعليم العالي الشرعي: مثل جامعة بلاد الشام، والجامعة الإسلامية التي ستفتح فرعًا في دمشق قريبًا بإذن الله.
عدد طلاب التعليم الشرعي لدينا يزيد على 100 ألف طالب، يتلقون تعليمًا وسطيًا معتدلًا، قائمًا على نشر العلم والتعايش والسلم المجتمعي.
وزارة التربية تصدر الشهادات وتشرف على الامتحانات في المواد العلمية مثل الرياضيات والفيزياء والكيمياء، في حين وزارة الأوقاف تُشرف على المواد الشرعية بالكامل، وتضع مناهجها الخاصة.
أمر مهم أخير: لدينا أكثر من 160 معهدًا شرعيًا في مختلف المحافظات، بعضها أُسّس قبل التحرير. ونحن نعمل حاليًا على الاعتراف بشهاداتها. وقد اجتمعنا مؤخرًا مع وزيري التعليم العالي والتربية، وشكّلنا لجنة من معاوني الوزراء لدراسة آلية الاعتراف بهذه الشهادات قريبًا إن شاء الله
خلال الثورة، تعرّضت المساجد كما تعرّضت المدارس والكنائس وغيرها من دور العبادة للقصف والتدمير من قبل النظام. هل لديكم إحصائية عن عدد المساجد المهدّمة؟ وهل توجد خطط لإعادة إعمارها؟
الوزير: الحقيقة، هذا الموضوع مؤلم جدًا لي ولجميع السوريين. لقد سمعت شهادة من أحد الأشخاص الذين كانوا في النظام السابق، قال فيها إن بعض العناصر كانوا يتباهون بإسقاط المآذن! كان أحدهم يسأل الآخر: “هل تستطيع أن تُسقط هذه المئذنة؟” فيرد عليه، ويصوّب مدفعيته نحوها، فتنهار. لم يكونوا يستهدفون مبنى فقط، بل كانوا يستهدفون رمزًا من رموز الإسلام. ثم يقول له: “هل تستطيع أن تُسقط قبة المسجد؟” فيُصوّب عليها حتى تنهار أيضًا. هذا السلاح ليس ملكه، بل هو من مال الشعب، من جيبي وجيبك وجيوب كل السوريين، ومع ذلك وُجّه نحو بيوت الله!
كان يُفترض أن تكون للمساجد حرمة. في كل مكان في العالم، تُترك المساجد آمنة، لكن في سوريا، دمّروا الإنسان، ودمّروا البيوت، وحتى المساجد لم تسلم من بطشهم.
نحن نملك الآن إحصائية تُفيد بأن هناك أكثر من ألفي مسجد مدمّر، كليًا أو جزئيًا. أي أن نحو 20% من المساجد في سوريا تعرّضت للتدمير على يد النظام البائد. منها حوالي 500 مسجد مهدّم تمامًا، أي أُزيل عن وجه الأرض، وحوالي 1500 مسجد مدمّر جزئيًا.
لقد بدأنا بعمل منهجي لإعادة الإعمار. شَكّلنا ورشة من المهندسين لإحصاء وضع كل مسجد على حدة، مع تحديد كلفة الترميم أو إعادة البناء. وتم حتى الآن ترميم حوالي 250 مسجدًا، وهناك عشرات الورشات التي تعمل يوميًا. نحن نُوثق كل شيء، من صور المساجد قبل التدمير، إلى ما وصلت إليه الآن، وخطط إعادة إعمارها بإذن الله.
نحن نعتمد بشكل كبير على تبرعات أهل الخير من أبناء شعبنا. كل يوم يأتينا سوريون من حمص، من حلب، من اللاذقية، من دمشق، من درعا… بعضهم يعيش في أوروبا أو أميركا، لكنه لا يزال مرتبطًا ببلده، ويقول لنا: “أريد أن أُعيد بناء مسجد في حارتي، أو في قريتي.”
وأنا من هنا أُوجّه نداء إلى كل السوريين: هذه بلادكم، وهذه مساجدكم، وإعادة إعمارها مسؤوليتنا جميعًا. وأنا واثق أن الشعب السوري لن يُقصّر. هو شعب معطاء، مليء بالخير.
وبالطبع، إعادة الإعمار لا تعني فقط بناء الجدران، بل بناء الإنسان أيضًا. نحن نريد أن تُفتح المساجد للناس، وأن تعود لتكون منارات للعلم والعبادة.
رجاؤنا بالله كبير. إن شاء الله، ستُبنى المساجد، وتُبنى البيوت من حولها، وستنهض سوريا من جديد.
من المعروف أن النظام السابق كان يُخصّص رواتب ضئيلة جدًا للعاملين في وزارة الأوقاف، من أئمة ومشايخ وخطباء، وربما كان ذلك متعمّدًا لإضعاف مكانتهم أو دفعهم إلى الفساد. ما هي خطة الوزارة اليوم؟ هل ستُعيد لهم حقوقهم ورواتبهم الطبيعية أسوةً بباقي موظفي الدولة؟
الحقيقة، هذا الموضوع يشغلني يوميًا. منذ أن توليت الوزارة وأقسمت اليمين أمام السيد الرئيس، كان من أول البنود التي وضعتها في خطتي: رفع مكانة أهل العلم، ليس فقط معنويًا، بل ماديًا أيضًا.
للأسف، طوال عقود، كانت رواتب الأئمة والخطباء والمؤذنين تُصرف من أموال الوقف، لا من خزينة الدولة. وعندما كانت عائدات الوقف منهوبة أو محدودة، كانت الرواتب كذلك. وهذا جزء من سياسة النظام السابق لإذلال أهل العلم، وتقزيم دورهم.
نحن الآن، وبعون الله، نعمل على استعادة أموال الوقف، ومن ثم زيادة رواتب العاملين في المساجد. بعض الأئمة كانوا يتقاضون 3 آلاف ليرة فقط في الشهر، أي أقل من دولار! وهذا الرقم لا يكفي حتى أجرة وسيلة نقل ذهابًا وإيابًا. لذلك، لدينا خطة لضمّ هؤلاء إلى ملاك الدولة ليحصلوا على رواتب نظامية، شأنهم شأن أي موظف رسمي.
موضوع العقارات والأوقاف مهم جدًا، وربما يتابعه الناس بشغف كبير، خاصة في ظل حالة جديدة من إبراز الأرقام والشفافية. سمعنا مثلًا في مقابلة لمعاونكم الأستاذ سامر عن مبالغ معينة، وشفافية ربما لم تكن مألوفة من قبل للسوريين. كما أن هناك حالة من الاستخفاف بأهمية الوقف، مثل بيت في أبو رمانة كان يؤجّر بخمسين أو مئة ليرة في السنة. كيف تنظر وزارة الأوقاف اليوم لهذا الملف؟
أنا أود أن أشير إلى أمر مهم جدًا، وهو أن عائدات الأوقاف تعود للقائمين على المساجد، وعلى التعليم الشرعي، والخطباء، والأئمة، والمؤذنين، والخدّام، وبناء المساجد وترميمها. يعني المسجد الآن يحتاج إلى نفقات، كما أن بيتك يحتاج إلى نفقات شهرية. هذه التكاليف تأتي من أموال الوقف. كذلك رواتب القائمين على المساجد تأتي من أموال الوقف.
وإذا كان هناك نقص في التعليم الشرعي، فنحن نغطيه أيضًا من مال الوقف. اليوم، نحن ننشئ ما يسمى بالحلقات التربوية في كل مسجد، يوجد فيها تحفيظ للقرآن الكريم، ويشارك فيها مئة أو مئتا طالب. هؤلاء يحتاجون إلى من يتفرغ لتعليمهم، وهذا أيضًا من مال الوقف.
في السابق، كان هذا الوقف منهوبًا بشكل كبير جدًا. لدينا الآن 33,700 عقار وقفي في سوريا، نصفها تقريبًا في حلب. ومع ذلك، كانت إيرادات هذه العقارات لا تتجاوز مليون وستمئة ألف دولار في السنة كلها. خذ مثلًا معرض دمشق الدولي، هو بالكامل وقف، 119 دونمًا. وكان مؤجرًا بسبعين ألف دولار فقط في السنة، في حين قيمته عشرات أضعاف هذا الرقم. إحدى الصالات كانت مؤجرة بـ300 دولار سنويًا، في حين أن قيمتها الحقيقية 300 ألف دولار، أي واحد بالألف من قيمتها الفعلية. هذا نهب ممنهج.
نحن الآن نعمل على إعادة تنظيم أموال الوقف. لدينا ثلاث مراحل أساسية:
أولًا: حصر الوقف. لا بد أن نعرف ما هي ممتلكات الوقف. مثلًا، وجدنا في الفيلات الغربية عقارًا ضخمًا، نحو ثلاثة دونمات، كان يستخدمه أحد أبناء النظام كراجًا لسياراته. هذا العقار هو مسجد وثانوية شرعية، لكنه ظل مجهولًا لعشرات السنين، وكان الناس يظنونه مجرد كراج.
ثانيًا: تنمية الوقف، أي استثمار الوقف بطريقة صحيحة ليعود بعائدات مجدية.
ثالثًا: إنشاء وقف جديد. في السابق، كان الناس يعزفون عن التوقيف، لأنهم كانوا يرون أن النظام يتصرف بأموال الوقف بطريقة مؤلمة. المسؤول الفلاني يستولي على وقف، أو ابنه، أو قريبه، وكان يتم ذلك في ما يسمى بمزاد علني، لكنه في الحقيقة لم يكن علنيًا. أذكر أحدهم اشتكى، وقال: “أنا حصلت على هذا الوقف من مزاد علني”. فسألت القائمين، فقالوا: “هو مزاد علني، لكن ليس علنيًا”. كيف؟ قالوا لي: “دخل ابن أحد المسؤولين الكبار، وكان هو وأخوه يزاودان، ووضعوا شخصًا على الباب حامل بارودة يمنع أي أحد من الدخول”. فالمزاد كان شكليًا، وأخذوا العقار بالشهر الذي أرادوه، وبأقل من عشرة في المئة من قيمته.
نحن اليوم ألغينا ذلك المزاد، وأجرينا مزادًا علنيًا حقيقيًا، يأتي فيه من يشاء، ويزاود أمام الجميع وفي العلن، وبأسلوب شفاف.
كيف ترون مستقبل سوريا الديني اليوم؟ وما هي رسالتكم للسوريين من كل المشارب والألوان؟
الحقيقة، بفضل الله عز وجل، أرى أن سوريا تستقر دينياً شيئاً فشيئاً، وأرجو الله أن تستقر كلياً. كما ذكرت، فإن العلاقة بين المسلمين في سوريا تتجه نحو مزيد من التفاهم والتآلف. وقد أطلقنا مبدأً واضحاً بأن سوريا، فيما يتعلق بالمسلمين، مرجعيتها الفقهية هي المذاهب الأربعة: الشافعية، والحنفية، والمالكية، والحنابلة، فهؤلاء هم فقهاؤنا وعلماؤنا.
وعقدياً، فإن المذاهب الثلاثة: الأشاعرة، والماتريدية، وأهل الحديث، هم أيضاً من أئمتنا وعلمائنا. هذا هو المعتمد عندنا في سوريا. هذا ما كان سائداً في دمشق، في الجامع الأموي، وفي غيره، حيث كانت الدروس تُلقى من الجميع، ونحن الآن بفضل الله نُعيد إحياء هذا النهج، سواء في جامع بني أمية أو في مساجد أخرى. نُشجع على علم الحديث، وعلى تدريس المذاهب الأربعة، فكل مسجد يمكن أن يُدرس فيه مذهب من هذه المذاهب، وهكذا نكرس مفهوم أهل السنة والجماعة ونعزز التعاطف والتآلف بينهم.
أما بالنسبة لبقية المكونات من مختلف الألوان والانتماءات، فنحن تجمعنا سوريتنا. يجمعنا العلم السوري، وتجمعنا هوية سوريا. نعيش معاً في وطن واحد، وهم مواطنون لهم ما لنا وعليهم ما علينا.
أرى إن شاء الله أن سوريا تسير نحو استقرار ديني، لا يوجد لدينا خطاب فيه تطرف، ولا خطاب خارج عن المألوف، بل نحن جميعاً، بفضل الله، يد واحدة في خدمة هذا البلد، وفي بناء هذا الوطن، وترسيخ التعايش السلمي.
نحن لا نرضى أن يُظلم أحد، سواء كان مسلماً أو غير مسلم، نحن دائماً مع المظلوم، أياً كان دينه، وضد الظالم، أياً كان دينه. همنا أن نقيم العدل في جميع أرجاء سوريا بإذن الله.
وأخيراً، شكراً لكم على إتاحة هذه الفرصة، والشكر موصول لكل المشاهدين. وأود أن أؤكد أن أبواب الوزارة مفتوحة لكل من يريد أن ينصحنا أو يوجه لنا نقداً بناء. نحن بشر، نخطئ ونصيب، وخير الخطائين التوابون. نستقبل كل الملاحظات، وكل نصيحة نتمكن من تنفيذها، فسنفعل ذلك بعون الله.
للمزيد: تابع موقع نبض الخليج ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر
مصدر المعلومات والصور : شبكة المعلومات الدولية