«نبض الخليج»
نشرت شبكة DW الألمانية تقريراً تناولت فيه التوترات الطائفية بين السوريين في الداخل السوري وانعكاساتها على الجالية السورية في ألمانيا، حيث استعرضت شهادات عدد من اللاجئين والناشطين، وتطرقت إلى أحداث محافظة السويداء، إضافة إلى الاحتجاجات والمشاحنات التي شهدتها بعض المدن الألمانية مثل برلين ودوسيلدورف، فضلاً عن مواقف السلطات المحلية والمنظمات الحقوقية بهذا الشأن.
ويورد موقع تلفزيون سوريا فيما يلي الترجمة الحرفية للتقرير كما ورد في DW، من دون أن يتبنى أيّاً من الآراء أو المواقف الواردة فيه:
لم يكن أحد يسأل حسان عن طائفته بعد أن وصل هذا الشاب السوري الذي يبلغ من العمر 32 عاماً إلى ألمانيا في عام 2015، إثر هروبه من بلده بعد مشاركته في أحداث الحرب بجانب القوات المناهضة للنظام، لكن الناس صاروا يسألونه عن طائفته اليوم.
يعيش حسان في برلين، وعن الوضع الجديد يقول: “ثمة مستوى كبير من الانتهاكات الطائفية وخطاب الكراهية عبر وسائل التواصل الاجتماعي”، ومثله مثل أي سوري عادي أجريت معه مقابلة من أجل هذه المادة، لم يرغب بالإفصاح عن اسمه الكامل حتى يتحدث بصراحة عن أمور حساسة للغاية في أوساط السوريين الذين يعيشون في ألمانيا، وكذلك في سوريا، ويضيف هذا الشاب: “إننا نخسر بعضنا من أجل ذلك”.
و”ذلك” يقصد به حسان العنف الذي ظهر في سوريا مؤخراً عندما بدأت طائفتان وهما الدروز والبدو السنة بالاقتتال في محافظة السويداء الواقعة جنوبي البلد في أواسط شهر تموز، فقد بدأ العنف من جراء عمليات اختطاف متبادلة بين الطرفين، ثم تصاعد.
قوات الأمن العام وهي تتوجه نحو السويداء
لم تكن هذه الجولة الأخيرة من العنف بين الطوائف في سوريا هي الوحيدة، إذ في آذار، وقع اقتتال بين الطائفة العلوية في سوريا وبقية الأطياف السورية، بعد انتشار شائعات عن قيام انتفاضة [في الساحل].
وفي كلتا الحالتين، حدثت عمليات قتل خارج إطار القانون على يد معظم المجموعات التي تورطت في القتال، ناهيك عن عمليات النهب والسلب والخطف والعنف. وفي كلتا الحالتين أيضاً، عجزت الحكومة السورية المؤقتة عن حفظ السلم والأمن.
توسع كلا الصراعين الآن ليصل إلى الجالية السورية بألمانيا، ويصف لنا حسان ذلك بقوله: “يعتقد الأشخاص الذين كنت مقرباً منهم بأننا لا يمكن أن نبقى أصدقاء بعد اليوم وذلك لكوني سني”.
ينتمي صديق حسان، واسمه مجد، إلى الطائفة الدرزية، وقد عاد إلى السويداء بعيد اندلاع العنف فيها، يحدثنا حسان عن ذلك فيقول: “أشعر بأن الناس هنا في برلين يبدون توتراً أكبر بكثير تجاه تلك الأحداث، وأعتقد أن سبب ذلك يعود إلى أن بعض الأشخاص مايزالون يحتفظون بعقليتهم القديمة، ومايزالون يتصرفون وكأن نظام الأسد مايزال يحكم”.
تؤكد رزان رشيدي، وهي المديرة التنفيذية لمنظمة حقوقية، ما قاله حسان، وتضيف: “كثيرون منا من الجالية السورية في برلين يشعرون بهذا التحول، إذ خلال السنوات الأولى للثورة، كان هنالك إحساس كبير بوجود نضال مشترك، ولهذا نادراً ما كان الناس يسألون عمن هو سني أو علوي أو مسيحي أو كردي، لأنهم كانوا متوحدين وملتفين حول مناهضة الدكتاتورية والمطالبة بالحرية”.
شجار سوري في ألمانيا
تغيرت الأمور بسبب الأحداث الأخيرة، إذ في 20 من تموز وفي مدينة دوسيلدورف، التقت جماعتان تضم كل منهما مئات المتظاهرين خارج محطة القطارات الرئيسية في المدينة، وإحدى هاتين الجماعتين موالية للكرد، في حين تؤيد الأخرى الحكومة السورية المؤقتة.
أعلنت شرطة دوسيلدورف بأنه: “في البداية، وبعد استفزازات لفظية… وقع اقتتال”، فاعتقل شخصان وجرح شخص وجرى التراشق بالقوارير والحجارة على خلفية ذلك الحادث.
وخلال عطلة نهاية الأسبوع نفسه، وفي مظاهرة خرجت في برلين، أخذت مجموعة صغيرة من الشبان تهتف ضد الدروز وإسرائيل وسط حشد كبير ضم نحو 400 شخصاً، وبعد انتشار مقطع فيديو قصير لهذه المظاهرة، علق عليه عمدة برلين، كاي فيغنر من الحزب الديمقراطي المسيحي المحافظ، فقال إن الدعوة للقتل والإرهاب أمر غير مقبول في برلين، ففتحت الشرطة المحلية تحقيقاً بذلك، كما هدد فيغنر بترحيل السوريين الذين هتفوا من أجل ذلك.
طوال سنين، بقيت سوريا وإسرائيل في حالة حرب، ثم قصفت إسرائيل سوريا مؤخراً بحجة “الدفاع” عن دروز سوريا، وهذا ما زاد التوتر بين الطائفة الدرزية وبقية السوريين.
يخبرنا أحمد، 30 عاماً، وهو نادل في برلين، بأنه كف منذ فترة قريبة عن التحدث إلى صديقه الدرزي، وقال عنه: “يخبرني بأنه يرغب بشراء عقار في سوريا بالقرب من الحدود الإسرائيلية” ويضيف غاضباً في إشارة إلى الطائفة الدرزية: “لا يمكنك أن تثق بهؤلاء الناس بكل بساطة، إذ كيف يتعاملون مع إسرائيل؟” ثم يسحب كلامه ويقول بلهجة المعتذر: “لا أعني كل الدروز، بل بعضهم”.
معظم مقاطع الفيديو التي صورت مظاهرة برلين تظهر السوريين وهم ينشدون أغاني الثورة، وقد أجرى تلفزيون سوريا مقابلة مع سبعة متظاهرين منهم، وذكر جميعهم أسباباً مماثلة دفعتهم للمشاركة في تلك المظاهرة، إذ قال أحدهم: “إننا جميعاً ننتمي لهذا البلد، ولهذا يجب علينا أن نتعايش مع بعضنا” وقال آخر: “علينا أن نتوحد”، وشرح متظاهر آخر موقفه بالقول: “نظمنا هذه المظاهرة في برلين رفضاً للتدخل في الشأن الداخلي السوري ورفضاً لأي محاولة لزرع بذور الفتنة الطائفية والعرقية”.
سوريون يحرقون ما خلفه النظام البائد بعد سقوطه
عندما سئلت رشيدي عن احتمال ظهور مزيد من حالات العنف في ألمانيا والتي تشبه ما حدث في برلين، أجابت: “أجل، وقعت بعض الحوادث القميئة، ونعم هنالك مخاوف حقيقية لدى الناس الذين تعرضوا للتهديد، ولا يجوز التغافل عن ذلك”.
ثم شرحت الوضع بالقول: “لكن بعض عناوين الصحف الألمانية أتت تحذيرية بلا أي داع، لأن معظم السوريين أتوا إلى هنا هرباً من العنف، لا حتى يعيدوا إنتاجه، كما أن الغضب وكسرة القلب التي نحس بها ما هي إلا مشاعر حقيقية، وما نشهده هو عبارة عن هزات ارتدادية لنزاع لم يتم حله ولعدم وجود محاسبة في الوطن، بل حتى هنا في أوروبا في بعض الأحيان، غير أن الفكرة القائلة إن ألمانيا باتت على وشك أن تشهد الحرب السورية وهي تنتقل إلى شوارعها ليست سوى مبالغة”.
كيف نخفف التوتر بين السوريين في الشتات؟
في الوقت نفسه، ثمة مشاعر جياشة تسود بين سوريي الشتات في ألمانيا، بوصفهم أكبر جالية سورية في أوروبا.
تحدث من أجرينا معهم مقابلات إلى جانب محللين عن وسائل التواصل الاجتماعي التي زادت الوضع سوءاً، إذ ينتشر قدر كبير من التضليل الإعلامي وخطاب الكراهية عبر الإنترنت، وبعض ذلك ظهر بعد أن دفعت وحثت أحزاب وأطراف وحكومات ترغب بأن ترى سوريا مقسمة بعض الفئات لفعل ذلك.
تخبرنا رشيدي بأن أحد مشاريع منظمة Syria Campaign يبحث في هذا الموضوع، ولهذا فإنها تحث الجميع على “مطالبة المفوضية الأوروبية بتطبيق قانون الخدمات الرقمية والذي يعني ضمان حماية المنصات لمستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي من الكراهية عبر الإنترنت”. وهنالك مشروع آخر يطالب القادة الأمميين والأوروبيين بفعل خطوات أكبر لمنع تقسيم سوريا.
ترى رشيدي بأنه لابد من تقديم دعم أكبر لمنظمات المجتمع المدني السورية التي “تعمل على مدار الساعة على توثيق الجرائم، ومناصرة العدالة، ومعالجة الانقسامات ومحاربة التضليل الإعلامي”.
وهنالك مبادرة سورية أخرى في ألمانيا، وهي حركة” تسعة الشهر”، وتحاول هذه المبادرة الوقوف ضد حالات التوتر، ولقد أتى اسم هذه الحركة من التاريخ الذي تم فيه تحرير السجناء السياسيين في سوريا وهو التاسع من كانون الأول عام 2024، وقد أعلن أنصار هذه الحركة عن رغبتهم بالتظاهر في اليوم التاسع من كل شهر، وينحدر هؤلاء من مختلف أنحاء سوريا، وبينهم ناشطون وناشطات عارضوا النظام الدكتاتوري في سوريا حتى قبل بدء الحرب في عام 2011.
وخلال عطلة نهاية الأسبوع الماضي، نظموا وقفة احتجاجية صامتة رفعوا خلالها الأعلام، وذلك أمام مبنى مكتب الخارجية الفيدرالية الألمانية ببرلين وذلك احتجاجاً على “المجازر والحصار.. والهيستيريا الطائفية”.
ذكر أحد مؤسسي هذه الحركة بأن أنصارها، مثلهم مثل معظم السوريين، يرفضون التدخل الأجنبي في سوريا، ويرغبون أن يروا الحكومة المؤقتة تقوم بخطوات أخرى فيما يتصل بتحقيق العدالة والمحاسبة، وأضاف: “تأسست الحركة لمناصرة سوريا الديمقراطية القائمة على حقوق الإنسان وعلى حكم القانون” لكنه رفض الكشف عن اسمه لأن الحركة لم تعين بعد ناطقاً إعلامياً باسمها كما لم تخرج بعد ببيان رسمي، وقال أخيراً: “نرى بأن سقوط نظام الأسد كان مجرد خطوة أولى باتجاه سوريا التي نريد والتي نحارب من أجلها، أي سوريا لكل السوريين”.
المصدر: DW
للمزيد: تابع موقع نبض الخليج ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر
مصدر المعلومات والصور : شبكة المعلومات الدولية