جدول المحتويات
«نبض الخليج»
في سوريا التي تعاني من الفقر المدقع وارتفاع نسبة البطالة، أصبحت مكاتب التوظيف الخاصة، المرخّصة وغير المرخّصة، وجهة لكثير من الشباب السوريين الباحثين عن العمل، سواء عبر وظيفة داخلية أو فرصة سفر إلى الخارج.
تجد إعلانات لهذه المكاتب في الشوارع والطرقات وعلى منصات التواصل الاجتماعي التي تتعهد بتقديم الفرص وتحقيق الأحلام.
وتشكل مكاتب التوظيف تحدياً كبيراً يحدد مستقبل طالبي العمل، قد تؤدي إلى بداية جديدة، أو تنتهي بفخّ احتيال يبتلع أحلامهم ومدخراتهم.
ضحايا بين الخيبة والنجاح
مروة السعيد (25 عاماً)، تقيم في دمشق وهي خريجة كلية الاقتصاد، أنهكتها سنوات البطالة وأثقلتها الحاجة، ما دفعها للبحث عن فرصة عمل.
تقول مروة، في حديثها لموقع “تلفزيون سوريا”، “وجدت إعلاناً على فيس بوك لمكتب يوظّف في الخليج، تواصلت معهم وقالوا إن كل شيء مضمون. طلبوا مبلغ 600 دولار أميركي كرسوم تجهيز أوراق وفيزا. بعت هاتفي وسحبت كل ما ادخرته لأدفع لهم”.
لكن حلم مروة لم يدم طويلاً، فبعد أشهر من الوعود والمماطلة، أغلق المكتب أبوابه واختفى القائمون عليه. فجأة، تقول الشابة بحسرة “وجدت نفسي بلا مال ولا فرصة، فقط شعور بالخديعة”.
أما ليث الهمام (30 عاماً) من ريف دمشق، فكانت قصته مختلفة، فقد اختار التعامل مع مكتب مرخّص في دمشق بعد سماعه عن تجارب فاشلة عاشها أصدقاؤه.
يقول ليث: “دفعنا عمولة، نعم، لكنهم كانوا واضحين. جهزوا أوراقي خلال شهر وسافرت إلى أربيل للعمل في ورشة. العمل كان شاقاً، لكن الراتب جيد. بعد عام عدت ومعي مدخرات فتحت بها ورشة صغيرة في مدينتي”.
ليث يؤكد أن المشكلة ليست في فكرة المكاتب بحد ذاتها، بل في غياب الضوابط التي تمنع المتلاعبين من الإضرار بسمعة المهنة.
بدروه، رامي البستاني (29 عاماً) من دمشق، لدى تجربة خاصة، ويقول “كنت على أعتاب عقد عمل في الكويت بعدما دفعت 400 دولار لمكتب وعدني أن ‘كل شيء مضمون’. انتظرت شهراً بلا أي تقدم، فبدأت أشك، ضغطت كثيراً حتى استرجعت المبلغ، لكن خسرت وقتاً طويلاً كان يمكن أن أبحث فيه عن فرصة أخرى”.
مكاتب مرخّصة وأخرى وهمية
تتباين تجربة الشباب السوريين مع مكاتب التوظيف حسب نوع المكتب الذي يتعاملون معه. فالمكاتب المرخّصة، مثل تلك التي لها سجل تجاري ومقر واضح وضمانات مالية، توفر فرص عمل حقيقية وتضع شروطاً واضحة للرسوم والإجراءات، لكنها تواجه تحدياً في بناء ثقة العملاء بعد انتشار المكاتب الوهمية.
أما المكاتب غير المرخّصة، فهي غالباً تعمل من المنازل أو عبر الإنترنت، وتعد بوظائف مغرية مقابل مبالغ مالية تتراوح بين 1000 و5000 دولار، لكنها تختفي بعد استلام المبالغ، تاركة ضحاياها بلا عمل ولا أمل. هذه الفوضى القانونية تجعل التفريق بين المكتب الجاد والمحتال صعباً على الباحثين عن فرصة عمل، خصوصاً الشباب بين 18 و28 عاماً، الذين يمثلون الشريحة الأكبر من الباحثين عن عمل والهجرة.
الصالح مع الطالح
من الناحية القانونية، يوضح المحامي عبد الخالق حميدان لموقع “تلفزيون سوريا” أن التعامل مع مكاتب التوظيف المرخّصة يوفر حماية أكبر للباحث عن العمل، إذ تخضع هذه المكاتب لقوانين التجارة والاستثمار، ويمكن مقاضاتها في حال وقوع أي احتيال أو مخالفة للشروط المتفق عليها.
أما المكاتب غير المرخّصة، فهي تعمل غالباً خارج الإطار القانوني، ما يجعل متابعة مرتكبي الاحتيال صعبة للغاية، وغالباً ما تكون الإجراءات القضائية طويلة ومعقدة.
وينصح حميدان الشباب الباحثين عن عمل بالتحقق دائماً من ترخيص المكتب، ووجود سجل تجاري، ومقر رسمي، وضمانات مالية قبل دفع أي مبلغ، والاحتفاظ بالإيصالات والعقود كأدلة قانونية في حال حدوث أي نزاع.
سميح شقير، صاحب مكتب توظيف مرخّص في دمشق، يرى أن الفوضى تضر حتى بالمكاتب الجادة، مؤكداً أن “المكاتب المرخّصة توفر فرصاً حقيقية، لكن المكاتب الوهمية تزرع الشك في نفوس الزبائن. أي شخص يمكنه فتح صفحة على فيس بوك ويعلن عن وظائف مقابل مبالغ مالية، من دون أي وجود قانوني”.
الأرقام تكشف حجم الأزمة
بلغ معدل البطالة في سوريا عام 2024 نحو 12.96 في المئة، فيما وصلت بطالة الشباب (15–24 عاماً) إلى 31.48 في المئة، مع نسب أعلى في بعض المحافظات التي تتجاوز أحياناً 40 في المئة. وبحسب البيانات نفسها الصادرة عن المكتب المركزي للإحصاء، شكّلت النساء 53 في المئة من إجمالي العاطلين عن العمل. توضح هذه الأرقام مدى الضغط الذي يعيشه الشباب للبحث عن أي فرصة عمل، وهو ما يستغله المحتالون على نطاق واسع.
يقول الخبير الاقتصادي حسام طه أن فرصة العمل تحولت إلى سلعة تُباع وتُشترى في ظل غياب مؤسسات قادرة على خلق وظائف جديدة، نتيجة للانكماش الاقتصادي وغياب الاستثمارات.
ويضيف، في حديثه لموقع “تلفزيون سوريا”: “عندما يفتقد السوق لآليات إنتاج فرص العمل، يصبح الأمل ذاته سلعة، ويستغل الوسطاء والمكاتب غير القانونية هذه الفجوة عبر بيع وعود بالوظائف أو بالسفر.
ويشير الخبير الاقتصادي إلى أن الشباب مستعدون لدفع أي مبلغ مقابل وعد بالسفر أو وظيفة براتب مغرٍ، لأن البديل في الداخل غالباً هو راتب لا يتجاوز 20 أو 30 دولاراً شهرياً، وهو ما لا يكفي لتغطية الحد الأدنى من المعيشة، على حد تعبيره.
ووفقاً لطه فإن هذه الظاهرة ليست مجرد نشاط احتيالي فردي، بل تحولت إلى “سوق ظل” قائم بذاته، له وسطاء ومكاتب وطرق دعاية، خصوصاً عبر فيس بوك وتطبيقات المراسلة.
ويؤكد أن الفئة الأكثر استهدافاً هي من تتراوح أعمارهم بين 18 و28 عاماً، باعتبارها الأكثر قابلية للمخاطرة بسبب البطالة الطويلة وانسداد الأفق، موضحاً أن “هذه الشريحة غالباً لا تملك خبرة قانونية ولا قدرة مالية كافية للاستشارة، ما يجعلها الهدف المفضل للمحتالين”.
بين الخيبة التي لحقت بمروة، والنجاح الذي غيّر حياة ليث، والتجربة المرّة التي عاشها رامي، يبقى الشباب السوريون عالقين بين حلم تحسين حياتهم وكابوس الخسارة. مكاتب التوظيف، بالنسبة لكثيرين، ما زالت نافذة أمل، لكنها نافذة مفتوحة على المجهول، حيث يمكن أن يهب نسيم الفرصة أو عاصفة الاحتيال.
للمزيد: تابع موقع نبض الخليج ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر
مصدر المعلومات والصور : شبكة المعلومات الدولية