«نبض الخليج»
في أحد شوارع أشرفية صحنايا بريف دمشق وتحت شمس آب الحارقة، تقف “أم محمد” -امرأة ستينية من دمشق- على مقربة من أحد الأفران، حاملةً ستة أكياس خبز طازج اشترتها صباحاً، وتعرضها للبيع على سائقي السيارات المارين بفارق ألفي ليرة سورية (أقل من ربع دولار) زيادة عن السعر الرسمي للربطة الواحدة.
امتهنت “أم محمد” بيع الخبز، منذ سنوات، وتخرج يومياً بعد شروق الشمس لتستبق الازدحام أمام الفرن، حيث تشتري الخبز تمهيداً لبيعه، مستهدفةً الزبائن الراغبين في تفادي الازدحام وتجنّب الانتظار.
تقول لـ موقع تلفزيون سوريا: “عملتُ في أكثر من مهنة حتى تمكنت من تأمين مستلزمات زواج أبنائي، والآن أعمل من أجل لقمة عيشي”، مضيفةً: “عملتُ مستخدمة في صالات الأعراس وبيوت الناس، واليوم أنا بائعة خبز على الأرصفة وفي الطرقات”.
“أم محمد” فقدت زوجها منذ سنوات، وهي اليوم المعيل الوحيد لأربعة أبناء، حيث لا تتجاوز أرباحها اليومية 30 ألف ليرة سورية (أقل من 3 دولارات)، وتضطر إلى تقليص ساعات عملها بسبب وضعها الصحي وحرارة الطقس، إذ تعمل صباحاً لساعتين ومساءً لثلاث ساعات قبيل الغروب.
على الجانب الآخر من الشارع نفسه، تقف هبة الله -فتاة في الـ14 من محافظة دير الزور- وهي تحمل آخر ربطة خبز معدّة للبيع، حيث تتوجّه بسرعة نحو السيارات القادمة لتعرض عليهم شراء تلك الربطة.
تقول هبة الله لـ موقع تلفزيون سوريا: “يتكاسل بعض السائقين عن النزول من سياراتهم وشراء الخبز، فأبيعه لهم بفارق بسيط في السعر، ألف ليرة سورية مقابل بقائهم في السيارة وتجنّب الشمس”.
هبة الله، التي تعتبر نفسها معيلة لأسرتها، ولا يتجاوز دخلها اليومي 40 ألف ليرة (أقل من 4 دولارات)، تصرّ على إتمام دراستها إلى جانب العمل، بعد أن أصبح والدها عاجزاً بسبب المرض، في حين تضطر والدتها إلى رعاية أطفالها في المنزل لحين عودتها.
تتشابه معاناة “أم محمد” وهبة الله مع السيدة رانيا -أرملة في الـ46 من عمرها- والتي تعمل منذ وفاة زوجها لإعالة أبنائها السبعة، حيث تبدأ يومها عند الفجر وتتنقل بين السيارات لبيع الخبز.
تقول رانيا لـ موقع تلفزيون سوريا: “قبل وفاة زوجي كانت أحوالنا المادية ممتازة، لكن رحيله جعلني أسعى فقط لتأمين طعام بيتي”، مضيفةً: “اليوم أعمل لتوفير وقت من لا يغادرون سياراتهم المكيّفة. أشعر بالخجل أحياناً من التجوّل، لكنه الخيار الوحيد للعيش”.
ورغم عمل رانيا لأكثر من 7 ساعات يومياً، لا يتجاوز دخلها 40 ألف ليرة سورية، وغالباً ما تضطر إلى إعادة الخبز المتبقي إلى المنزل.
سخرية وشتائم مقابل لقمة العيش
تتفاوت تفاصيل قصص المعاناة القاسية خلال العمل، لكن القاسم المشترك بين هؤلاء النساء هو الحاجة والفقر، وسعيهن لتوفير دقائق معدودة من وقت زبائن السيارات مقابل أرباح هامشية لا تتناسب مع متطلبات الحياة اليومية.
توضّح “أم محمد”: “لا يجد المسيء مشكلة في إهانتي رغم كوني في عمر والدته أو أكبر.. أحياناً أُشتم من السائق نفسه، وأحياناً يتجرأ الأطفال على السخرية مني أو من لباسي”.
وتروي حادثة تعرّضت فيها للإهانة من أحد عناصر الأمن في أثناء محاولة ابنها اصطحابها إلى المنزل: “شتمني أمام الناس، وعندما تدخل ابني أهانه أيضاً، بقيت في المنزل يومين غير قادرة على الخروج”.
وتؤكّد هبة الله أنها تتعرّض أيضاً لألفاظ خادشة من شبّان يافعين، موضحةً: “حين يلاحظون خوفي وصمتي، يتمادون أكثر في الكلام”.
أمّا بالنسبة لـ رانيا، تختلف ردود فعل الزبائن، فبعضهم يشتري الربطة بسعرها المرتفع من دون اعتراض، وآخرون يجادلون في السعر رغم معرفتهم بأنّ الربح لا يتجاوز ألفي ليرة: “يمر بعض السائقين يشترون ربطة ويعطونني ثمن ربطتين، وهم قلّة”.
“مناشدة للإنصاف والكرامة”
مهند الأطرش، سائق تاكسي من السويداء، يقول لـ موقع تلفزيون سوريا، إنّه يشتري يومياً الخبز من هؤلاء النساء، ويعبّر عن استيائه من واقعهن موضحاً: “لا يمكن تجاهل هذه القصص المؤلمة، نساء يعملن تحت الشمس ويتعرضن لأقسى أنواع التعنيف مقابل أرباح زهيدة لا تكفي لشيء”.
تأمل النساء العاملات في بيع الخبز أن يتحسن واقعهن في ظل الحكومة السورية الجديدة، ويأملن أن تُصان كرامتهن ويُحاسب كل من أساء إليهن، مؤكدات أن كل واحدة منهن تخوض معركة يومية من أجل تأمين الحد الأدنى من احتياجات الحياة.
للمزيد: تابع موقع نبض الخليج ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر
مصدر المعلومات والصور : شبكة المعلومات الدولية