جدول المحتويات
«نبض الخليج»
يشكّل معبر جديدة يابوس الحدودي بين سوريا ولبنان شريانًا أساسيًا لحركة المسافرين والبضائع منذ سنوات، غير أن القرارات الإدارية المتلاحقة حوّلته إلى مصدر معاناة متجددة للسائقين والركاب السوريين على حدّ سواء.
ففي الوقت الذي سُمح فيه للسيارات العمومية اللبنانية بدخول الأراضي السورية حتى الساعة الرابعة عصرًا، مقابل منح السيارات العمومية السورية الحق ذاته ضمن التوقيت نفسه، بقي التطبيق على الأرض متناقضًا ومليئًا بالاستثناءات.
إذ كثيرًا ما شوهدت سيارات خاصة لبنانية تدخل الأراضي السورية خارج الأوقات المحددة، بل وبصحبة ركاب لا تجمعهم صلة قرابة مع السائق، في تجاوز واضح للاتفاق ما انعكس بشكل مباشر على عمل السائقين السوريين الملتزمين بالقيود الزمنية الصارمة.
ورغم أن القرار كان قد طُرح بداية باعتباره “إجراءً مؤقتًا”، إلا أن العمل به مازال مستمرًا قبل أن يُفاجأ المسافرون والسائقون السوريون اليوم بصدور قرار جديد غير معلن عنه أكثر إجحافًا، يقضي بمنع أي سيارة تقل سعة محركها عن 2000 “سيسي” من العمل على طريق السفر وإعادتها من الحدود من دون سابق إنذار أو إعلان رسمي مسبق.
خبر تلقّاه السائقون كالصاعقة وسط حالة من الغضب والارتباك، لما يحمله من تبعات اقتصادية واجتماعية على مئات الأسر التي تعتمد على هذه السيارات كمصدر رزق وحيد.
“رزقتنا من السيارة، وبلاها منموت جوع” بهذه الكلمات لخّص ماجد أبو سليمان (54 عامًا)، وهو سائق يعمل منذ 27 عامًا على خط عمّان – دمشق، معاناته في حديثه لموقع تلفزيون سوريا.
موضحًا أن مشكلتهم بدأت منذ جائحة كورونا، حين قررت السلطات الأردنية السماح بدخول السائقين المسجلين أمنيًا فقط عبر الحدود، ومنع بقية السائقين من العمل على الخط على الرغْم من تسجيلهم الرسمي، ما اضطر كثيرين للتحول إلى خط لبنان – عبر معبر جديدة يابوس – بنظام “الاستضافة”، في محاولة للحفاظ على مصدر رزقهم. مضيفًا أنّ السائقين كانوا يدفعون مبالغ للاستضافة تُجدّد كل 3 أشهر مقابل 350 ألف ليرة سورية، على عهد النظام المخلوع.
نداء السائقين إلى الحكومة السورية
بعد سلسلة من القرارات المتناقضة والإجراءات المفاجئة، وجد السائقون أنفسهم محاصرين بين رسوم متزايدة وشروط تعجيزية، من دون أي ضمان لحقهم في العمل أو تعويض عن خسائرهم ومع تفاقم الضغوط المالية والاجتماعية لم يعد أمامهم سوى رفع صوتهم بمناشدة علنية، لعلها تصل إلى من بيده القرار.
أوضح السائق أبو سليمان أنهم واجهوا بعض المماطلة من قبل الجهات المعنية عند محاولة التجديد، وبعد عدة أيام وافق المحافظ على تجديد “الاستضافة”، إلا أن مدير المعبر رفض تنفيذ هذا القرار مبرّرًا بأن القرار غير نافذ بالنسبة لهم ولا يمكن تطبيقه.
وبعد مرور أيام أخرى من الانتظار، صدر أخيرًا قرار جديد من مدير المعبر يتيح العمل بموضوع “الاستضافة”، لكن هذه المرة وفق رسوم جديدة، بلغت 750 ألف ليرة سورية مقابل ثلاثة أشهر، ومليونًا ونصف ليرة سورية مقابل ستة أشهر، حَسَبَ ما أكده أحد السائقين.
وتابع السائق قائلًا “دفعنا المبالغ في المكتب التابع للمحافظة في كراج السومرية حَسَبَ المسموح، لكن عندما وصلنا إلى الحدود لمباشرة العمل طُلب منا إجراء فحص ميكانيك جديد، يتم التعامل معنا بطريقة مجحفة ندفع لثلاثة أشهر، لكن عند المعبر لا يمنحوننا سوى شهرين”، وأضاف “مازلنا نحارب على لقمة عيشنا ومصدر رزقنا”.
من جانبه، اعتبر أبو سليمان أن القرار الأخير بمنع السيارات ذات المحركات تحت 2000 “س.س” من العبور هو “الشعرة التي قصمت ظهر البعير”، فبعد أن دفعوا المبالغ مقابل الاستضافة، اضطروا للعودة إلى المحافظة والمطالبة باسترداد أموالهم إلا أن الجواب كان “الأموال دخلت خزينة الدولة”.
وختم حديثه مناشدًا الرئيس السوري أحمد الشرع والمسؤولين المعنيين بالنظر إلى معاناة السائقين قائلًا “نحن لا نطلب المستحيل، فقط نريد لقمة عيش حلال نطعم بها أولادنا لكن القرارات الفردية تجعل الوضع يزداد سوءًا يومًا بعد يوم”.
خلف الحدود “قرارات تصنع أزمات”
في ظل القرارات الأخيرة المتعلقة بإغلاق الحدود والعمل عبر المعابر، يعاني سائقو النقل العمومي من ظروف اقتصادية قاسية تهدد قوت يومهم وقوت أسرهم، وسط اتهامات متكررة بالتهريب وتطبيق إجراءات مفاجئة بلا إشعارات قانونية واضحة.
إبراهيم أبو ثائر ( 57 عامًا)، سائق يعمل عبر معبر جديدة يابوس منذ أكثر من ثلاثين عامًا، تحدث لموقع تلفزيون سوريا عن هذه المعاناة، مؤكدًا أنّ ما يعيشه اليوم ليس محصورًا به شخصيًا بل يشمل أكثر من ألف سيارة عمومية تعيل كل واحدة منها منزلين على الأقل، حيث يكاد أفرادها لا يجدون قوت يومهم بسبب القرارات المجحفة الأخيرة.
وتابع مضيفًا “كأن المستهدف هو الفقراء هل أصبحت لقمة عيشنا هي الحرب”، متسائلًا عن جدوى قرارات إغلاق الحدود التي قيل سابقًا إنها مؤقتة لكنها استمرت وأخذت منحى أشد قسوة، وتسائل قائلًا “أي دولة تغلق حدودها عند السادسة مساء، رزقنا مقطوع توقعنا نسترجع كرامتنا يلي ذلها النظام بما كان يتصرفوه معنا في لبنان بس لسا اللبناني اله قيمة، أما نحنا فأي سيادة بقيت لنا؟”.
وردًا على اتهامات البعض بممارسة التهريب شدّد أبو ثائر على أنّ هذه المزاعم لا تنطبق على الجميع، وقال “من يخرج عن الطريق الصحيح حاسِبوه، لكن القرار الحالي بحد ذاته هو أكبر خطأ نحن لا نطلب سوى حقنا بالعمل لإطعام أطفالنا”.
مبينًا أنّ السائقين كانوا سابقًا يسافرون مرتين يوميًا لتأمين دخل يكاد يكفي أسرهم، في حين اليوم لا يوجد غير رحلة واحدة كل يومين وهو ما لا يكفي للعيش الكريم، وأضاف “اشتكينا فقالوا إن الأمر مؤقت لكن الواقع يزداد سوءًا وضع الحدود صار مأساويًا، وفي البداية كنا نأمل أن تتحسن الأمور لكن العكس هو ما حصل.”
كما أشار أبو ثائر إلى أنّ القرارات الأخيرة لا تصبّ في مصلحة المواطن، وروى ما حصل معه إذ أنه وصل إلى الحدود يوم، الإثنين 25 من الشهر الماضي فأُبلغ بضرورة إرجاع سيارته ذات المحرك 1600 “س.س”، وعندما اقترح تغيير المحرك قيل له إن ذلك غير ممكن، لتتوقف السيارة عن العمل من دون أي نص قانوني أو إخطار مسبق، وقال “كل السيارات المشابهة عادت أدراجها من دون قرار رسمي واضح.”
وختم أبو ثائر مناشدًا الجهات المعنية بالنظر إلى وجع السائقين “نحن منتمنى نركب سيارات حديثة مثل غيرنا، لكن وضع البلد سيء ومقدرين صعوبة المرحلة، في المقابل نحن بحاجة لاقتصاد أفضل ولشغل يضمن إلنا تطوير سياراتنا، فكيف منشتري الجديد ونحن لا نملك ثمن لقمة الخبز؟”.
وفي هذا السياق، تواصل موقع تلفزيون سوريا مع وزارة النقل التي نفت علمها بصدور مثل هذه القرارات، مؤكدة في الوقت نفسه أن لا علاقة لها بهذا الموضوع بشكل مباشر.
المنع.. بين الشائعات والواقع رواية الهيئة العامة للمنافذ
في خضم الجدل حول عمل السيارات العمومية السورية عبر المعابر الحدودية، وتصاعد الانتقادات المتعلقة بمنع السفر أو التهريب، خرجت الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية لتوضيح الحقائق والرد على ما يُشاع حول هذا الملف.
وأكد مازن علوش، مدير العلاقات في الهيئة لموقع تلفزيون سوريا، أن كلّما تم تداوله بشأن منع دخول السيارات العمومية أو حرمان السائقين من العمل لا يستند إلى أي قرار رسمي، وأن السيارات المسجلة أصولًا ما تزال تعمل بشكل طبيعي.
كما أوضح علوش أن بعض الموافقات منحت بشكل فردي من قبل بعض المحافظين من دون تنسيق مع الهيئة العامة للمنافذ، مشيرًا إلى أن الهيئة خاطبت رسميًا الجهات المعنية لمعالجة هذا الخلل وتوحيد آلية منح الموافقات بما يتناسب مع الطاقة الاستيعابية الفعلية للمعابر.
وأضاف أن خزينة الهيئة لم يدخلها أي مبلغ مالي من هذا الباب، مؤكدًا أن كلّما يُشاع حول الموضوع لا يستند إلى أي أساس، كما كشف عن وجود دراسة حالية لتنظيم العبور مع الجانب اللبناني، بما يسمح للسيارات العمومية السورية واللبنانية بالعمل ضمن أوقات محددة (من السادسة صباحًا حتى الثانية عشرة ليلًا) وبالمعاملة ذاتها لكلا الجانبين، في حين تواصل السيارات الخاصة السورية واللبنانية العمل ضمن المدة الزمنية نفسها.
ونفى علوش أن تكون إدارة المعبر قد وجهت أي اتهام مباشر للسائقين بممارسة التهريب، موضحًا أن الظاهرة موجودة على الحدود كما هو الحال في معظم الدول، لكنها حالات فردية وليست عامة، ويتم التعامل معها وفق القوانين الناظمة.
كما شدد على أن الهيئة ملتزمة بتقديم كل التسهيلات الممكنة للسائقين والمواطنين، ولم يُمنع أي سائق مسجل أصولًا من مزاولة عمله، مؤكدًا أن العمل جارٍ باستمرار على إيجاد حلول تنظيمية تضمن استمرارية العمل ضمن القانون والإمكانات المتاحة.
وختم علوش بالتأكيد أن أي قرار تنظيمي لا يصدر عن إدارة المعابر مباشرة، بل عبر الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية وبمراسلات رسمية واضحة وبالتنسيق الكامل مع الوزارات المعنية، مشددًا على أن “لا أحد مستفيد من هذا الواقع، لأنه لم يصدر أصلًا أي قرار بالمنع”، وأن الضمانة الأساسية تبقى في أن جميع القرارات تصدر رسميًا وبما يخدم المصلحة العامة، وما يُتداول بخلاف ذلك لا يعدو كونه شائعات.
للمزيد: تابع موقع نبض الخليج ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر
مصدر المعلومات والصور : شبكة المعلومات الدولية