جدول المحتويات
«نبض الخليج»
في شارع بغداد وسط دمشق، حيث تختنق المدينة بالسيارات وتندر المواقف، يروي “أبو أيهم” معاناته اليومية في البحث عن مكان يركن فيه سيارته، وبرغم أنّه وجد مساحة فارغة أمام أحد المحال التجارية تتسع لسيارتين، إلا أنّها محجوزة بموجب عقد إيجار من محافظة دمشق كموقف خاص، ما اضطره إلى الاصطفاف في الصف الثاني وترك رقم هاتفه تحسّبًا لأي طارئ.
يقول لموقع تلفزيون سوريا: “أحد أبرز أسباب ازدحام الشوارع هو تأجير المواقف الخاصة لأصحاب المحال والمنازل والعيادات، هؤلاء يمنعون الآخرين من استخدامها حتى عندما تكون فارغة في ساعات الذروة، مما يضطر السائقين إلى الاصطفاف في نسق ثانٍ، والنتيجة هي اختناقات مرورية متكررة وتعطيل لحركة السير”.
أزمة المواقف تتسع في دمشق
ما يعيشه “أبو أيهم” لا يقتصر على شارع بغداد، ففي شوارع دمشق المختلفة تنتشر لافتات وسلاسل حديدية تحجز مساحات واسعة لصالح محال تجارية أو مطاعم أو عيادات.
هذا المشهد بات جزءًا من الحياة اليومية للعاصمة، حيث يشعر السائقون أنّ الشوارع صارت ملكيات خاصة مجزأة بين المؤسسات والأفراد، بدل أن تبقى مساحة عامة متاحة للجميع.
على مقربة من وزارة الصحة، وضع صاحب مطعم لوحة كتب عليها “موقف خاص، سيارة عدد 2″، وألحقها بوثيقة رسمية من محافظة دمشق تؤكد استئجاره للمساحة. هذا المشهد يعكس أنّ الظاهرة ليست عشوائية بالكامل، بل تجد لها غطاءً قانونيًا يكرّس تحويل الشوارع إلى مساحات مؤجرة بشكل خاص.
بالنسبة لصاحب المطعم، يمثّل هذا العقد ضمانًا لراحة زبائنه وحماية لاستثماره التجاري، بينما ترى بلدية دمشق في هذه العقود مصدرًا ماليًا إضافيًا يعزز إيراداتها. لكن في المقابل، يجد السائقون أنفسهم الطرف الأضعف في هذه المعادلة، إذ يُحرمون من استخدام مواقف فارغة في أوقات الذروة، ما يفاقم معاناتهم اليومية
شوارع تكاد تُغلق
ولا تنحصر المشكلة في الطرق الرئيسية، بل تمتد إلى الأحياء السكنية حيث يزداد البحث عن موقف للسيارة صعوبة.
يقول عبد الرحمن علبي، وهو سائق أجرة: “لا نستطيع التوقف حتى في الأماكن الفارغة من السيارات، فأغلب أصحاب المحال يضعون حواجز تمنعنا بحجة أنّها مواقف خاصة. والنتيجة أنّ شوارع دمشق تكاد تُغلق بسبب هذه الممارسات، مع أنّ أكثر من نصف هذه المواقف تبقى فارغة معظم اليوم”.
ويضيف أنّ بعض أصحاب المحال يمنعون حتى الوقوف المؤقت أمام محالهم، مما يضاعف أزمة المرور ويجعل السائقين يعيشون ضغطًا يوميًا متكررًا.
جذور الأزمة وحلول ممكنة
تضاعف عدد السيارات في دمشق بعد سقوط النظام السابق، بينما بقيت البنية التحتية المرورية على حالها، فلا جسور جديدة أُنشئت، ولا أنفاق أُضيفت، ولا مرائب عامة حديثة جرى افتتاحها لتستوعب هذا التزايد، والنتيجة أنّ المدينة تعيش أزمة مرورية خانقة، تتجلى يوميًا في ساعات الذروة.
ومع غياب خطة شاملة لإدارة المرور والمواقف، تحوّلت مسألة المواقف الخاصة إلى عبء إضافي يفاقم الأزمة بدل أن يخففها.
ورغم صعوبة الوضع، يقترح بعض السائقين والمراقبين حلولًا يمكن أن تفتح أفقًا للتخفيف من حدة الأزمة، من هذه الحلول:
• إعادة تنظيم المواقف الخاصة: بحيث يُسمح باستخدامها للجميع في ساعات النهار، على أن تبقى مخصصة لأصحابها في المساء.
• إنشاء مرائب عامة متعددة الطوابق في المناطق التجارية المزدحمة، بما يوفّر بدائل عملية للسائقين.
• إطلاق مبادرات مجتمعية تشجّع على المشاركة في استخدام المواقف بين الجيران أو بين المحال التجارية وزبائنها.
• توظيف التكنولوجيا عبر تطبيقات ذكية تساعد السائقين على معرفة المواقف المتاحة مسبقًا، مما يقلل من الوقت الضائع في البحث العشوائي.
من أزمة إلى فرصة
معالجة أزمة المواقف لا تتطلب قرارات صارمة فحسب، بل رؤية تخطيطية طويلة الأمد تراعي تزايد عدد السيارات وحاجات السكان. وبدل أن تتحول الشوارع إلى ساحة نزاع يومي بين السائقين وأصحاب المواقف الخاصة، يمكن لبلدية دمشق أن تعيد النظر في آليات التأجير وتنظمها بما يوازن بين حقوق الأفراد والمصلحة العامة.
فالأزمة، إذا ما أُديرت بذكاء، قد تتحول إلى فرصة لإعادة التفكير في إدارة المدينة: من خلال تطوير شبكة نقل عام أكثر كفاءة، وإنشاء بنية تحتية حديثة، وتعزيز ثقافة احترام الفضاء العام. عندها فقط يمكن تخفيف الازدحام وتحسين جودة الحياة في العاصمة.
للمزيد: تابع موقع نبض الخليج ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر
مصدر المعلومات والصور : شبكة المعلومات الدولية