جدول المحتويات
«نبض الخليج»
لم تقتصر بصمة النساء السوريات في مصر على مشاريع المأكولات والملابس التي عرفت بها الجالية السورية، بل تجاوزتها إلى مجالات جديدة وغير مألوفة، أبرزها تنظيم الرحلات والأنشطة الترفيهية للنساء والأطفال، سواء على المزارع أو الريف المصري أو على شواطئ البحر المتوسط والأحمر.
هذه التجربة ليست مجرد عمل اقتصادي، بل تحولت إلى مساحة للاندماج الاجتماعي، ومتنفس للأسر السورية والمصرية على حد سواء.
من فكرة صغيرة إلى فرص عمل
مع تزايد أعداد السوريين في مصر بعد عام 2012، وجدت الكثير من النساء أنفسهن بحاجة إلى مصدر دخل لا يقتصر على المشاريع التقليدية، بعضهن فكرن في تنظيم رحلات صغيرة للسيدات السوريات وأطفالهن، للتخفيف من أعباء الغربة وخلق جو اجتماعي مشابه لما اعتادوه في سوريا.
بمرور الوقت، ومع نجاح التجارب الأولى، تطورت هذه المبادرات لتأخذ طابعا تنظيميا أكثر، حيث تحجز حافلات، وترتب برامج متكاملة تشمل التنقل والإقامة والطعام والأنشطة الترفيهية، حتى أصبحت أقرب إلى شركات سياحة صغيرة تديرها نساء سوريات.
تقول ريم الحمصي (36 عاما) سورية مقيمة في حي العبور، وتعمل في هذا المجال منذ خمس سنوات، بدأت الرحلات بيننا كصديقات لزيارة أماكن سياحية، ثم بدأ الأقارب يطلبون الانضمام، وبعدئذ توسع الأمر ليصبح مشروعا، لم أتوقع يوما أن يتحول التنزه إلى مصدر رزق لي ولعائلتي.
وجهات الرحلات والفعاليات المميزة
لا تقتصر هذه الرحلات على مكان واحد، بل تتنوع الوجهات وفق الموسم والميزانية، في الصيف، يتجه المنظمون إلى مزارع العبور والشيخ زايد، أو إلى سواحل الإسكندرية والعين السخنة والساحل الشمالي، حيث تجذب السواحل السيدات الراغبات في قضاء وقت ممتع مع أطفالهن ويرغبن في الذهاب “بمشوار نسائي”.
أما في المواسم الأخرى، فتتجه الأنظار نحو الأماكن الأكثر دفئا وقربا من القاهرة، حيث القناطر الخيرية أو مزارع الفيوم، حيث تقضي المشاركات يوما مليئا بالأنشطة، جولات بين الخضرة، ركوب الخيل، حفلات شواء، ومسابقات للأطفال.
بينما تستغل النساء الوقت بقضاء وقت مع صديقاتهن، حيث يصنعن الطعام معا ويتشاركن الوصفات، بالإضافة إلى أنشطة تراثية، تقدم من خلالها أكلات سورية ومصرية، ومسابقات تقليدية، وسهرات غنائية تعكس روح الموروث الشعبي.
توضح ميساء الديري (42 عاما)، وهي سورية ومشرفة على تنظيم الرحلات وتقول، الرحلات ليست مجرد فسحة، بل فرصة لخلق مجتمع مصغر يجمع السوريين والمصريين، نحن نضيف أنشطة تراثية سورية مثل الحكايات الشعبية والأكلات المشهورة، وهذا يفتح بابا للتعارف وكسر الحواجز.
فرص عمل جديدة
اقتصاديا، تمكنت هذه المشاريع من خلق فرص عمل لعدد من السوريات، وإلى جانب المنظمات الرئيسيات، تفتح الأبواب للعمل كمساعدات، ومشرفات، ومقدمات طعام، أو مدربات أنشطة للأطفال.
تقول ريم الحمصي، أصبح لدي فريق من أربع نساء يعملن معي، كل واحدة منهن تعيل أسرتها من خلال هذا المشروع، الرحلة الواحدة قد تبدو بسيطة، لكنها توفر لنا دخلا ثابتا في الوقت الصعب.
كما وفرت أيضا دخلا إضافيا لأصحاب المزارع سواء من السوريين أو المصريين، الذين تحولت الأنظار نحو مزارعهم وباتت تطلب بشكل يومي وتحجز لأيام طويلة وبأسعار جيدة.
يقول عادل علي، مصري وصاحب مزرعة، ذهبت زوجتي مع جارتنا السورية إلى مزرعتنا، وبعدئذ اقترحت جارتنا أن تستأجرها مع عائلتها، وعندئذ طرأت لنا فكرة المشروع، وبتنا نؤجرها بشكل يومي ومعظم زبائننا من السوريين.
وبالنسبة لأسعار الرحلات فتعد متوسطة، تتراوح بين 400 إلى 1000 جنيه مصري (20 دولاراً أميركياً)، وتختلف باختلاف نوع الرحلة ومكانها، وإذا كانت تشمل وجبات طعام جاهزة وأحياناً تجلب النساء معهن الطعام.
أثر اجتماعي ونفسي
إلى جانب الدخل المالي، توفر هذه الرحلات فرصة للتفريغ النفسي، إذ تمنح العائلات متنفسا بعيدا عن ضغوط الحياة اليومية، بالنسبة للسوريات، تمثل الرحلات نوعا من إعادة بناء الروابط الاجتماعية الممزقة بفعل الحرب والغربة، أما النساء المصريات المشاركات، فيرون فيها فرصة للتعرف إلى ثقافة مختلفة واكتشاف عادات جديدة.
تقول مرام جابر (35 عاما)، وهي سورية مقيمة في القاهرة، أشعر أن الرحلات تعيد لي ذكريات النزهات العائلية في دمشق، أولادي يجدون أصدقاء جددا، وأنا أجد فرصة للراحة من أعباء الحياة.
بينما تضيف منى عبد الرحيم، مصرية من الجيزة، فوجئت بالتنظيم الممتاز، والأجمل أني شعرت وكأنني مع عائلتي، السوريون قريبون جدا من روح المصريين، والرحلة جعلتني أكتشف جوانب جديدة من ثقافتهم.
قد يبدو تنظيم الرحلات عملا بسيطا، لكنه بالنسبة لكثير من السوريات في مصر يمثل بوابة للاندماج، وفرصة للرزق، ومتنفسا للنساء اللواتي يعشن ضغوط الحنين والغربة.
هذه التجارب أثبتت أن الإبداع لا يوقف عند حدود اللجوء، بل يزدهر في أصعب الظروف ليحول البحر والمزارع والأنشطة البسيطة إلى مساحات للفرح والأمل.
للمزيد: تابع موقع نبض الخليج ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر
مصدر المعلومات والصور : شبكة المعلومات الدولية