«نبض الخليج»
أطلق مجلس مدينة اللاذقية بالتعاون مع عدد من المؤسسات والجمعيات حملة “اللاذقية نحن أهلها”، بهدف إعادة تأهيل وترميم الحدائق العامة المنتشرة في أحياء المدينة، في خطوة وُصفت بأنها محاولة لإعادة الروح إلى المساحات الخضراء التي أهملتها سنوات الحرب والإهمال الإداري. في حين تفاوتت آراء الأهالي بين الترحيب بالخطوة وانتقادها لغياب خطط الاستدامة والخدمات الأساسية.
الحملة، التي جاءت بمبادرة من محافظ المدينة، شملت حتى الآن ترميم أكثر من خمس حدائق عامة، وسط وعود بمتابعة العمل في مواقع جديدة خلال الفترة المقبلة.
مدير دائرة الحدائق في المجلس، عادل زليطو، أوضح لموقع تلفزيون سوريا أن الهدف الأساسي من الحملة هو إضفاء طابع جمالي على المدينة، وتوفير متنفس للأهالي بعيداً عن ضجيج الشوارع وزحمة العمران.
وبيّن زليطو أن العمل شمل حديقة الحرش على الكورنيش حيث تمت زراعة أشجار زينة وحوليات، وإزالة الأشجار العشوائية، وتركيب مقاعد خشبية وبيتونية، وإنارة الحديقة بشكل كامل، وطلاء جذوع الأشجار.
كما جرى ترميم حديقة تقع بالقرب من مجمع أفاميا السياحي بعد أن تحولت في السابق إلى مكب للقمامة ومأوى للجرذان، فتم تنظيفها وزراعتها بالنباتات وتأمين السقاية الدائمة بمشاركة أهالي الحي.
أما ساحة العيد في شارع أنطاكيا فقد أزيلت منها النباتات الضارة وزُرعت بأشجار دائمة الخضرة ومزهرة. كذلك أعيد تأهيل حديقة الجمل بشكل كامل. كما أعلن زليطو أن خطط المجلس المستقبلية تشمل تأهيل حديقة زنوبيا وحديقة مشروع شريتح، إضافة إلى قص الأشجار اليابسة وزراعة جديدة في الدوارات والجزر الوسطية.
ردود فعل الأهالي
أثارت الحملة ردود فعل متباينة بين سكان اللاذقية. بعض الأهالي رحّبوا بالخطوة، معتبرين أنها تمنح المدينة نفساً جديداً وتفتح المجال أمام الأطفال والعائلات لقضاء وقت ممتع في الهواء الطلق. بينما عبّر آخرون عن استيائهم من اقتصار العمل على التجميل السطحي دون معالجة المشكلات الأساسية.
السيدة فدوى، وهي من سكان المدينة، قالت لموقع تلفزيون سوريا: “نقدّر الجهود المبذولة، لكن هذه الأعمال غير متكاملة. الحدائق بحاجة إلى متابعة دائمة، لا يكفي أن نزرع الأشجار ونضع مقاعد. خلال أسابيع قليلة تتعرض للتكسير والتخريب أو حتى السرقة. نحن بحاجة لحراسة، كاميرات، مياه للشرب، ومراحيض نظيفة، وإلا ستعود أسوأ من قبل”. وأضافت أن هناك أولويات أهم من الحدائق، مثل صيانة المدارس التي تعاني من وضع مزرٍ، معتبرة أن تحسين التعليم سينعكس على سلوك الأطفال في المستقبل، فيتعلمون الحفاظ على الممتلكات العامة ومنها الحدائق.
من جانبه، اعتبر خالد صهيوني في حديثه للموقع أن الحدائق مهمة، لكنها ليست أولوية. وقال: “من الجميل أن نرى حدائق خضراء، لكن الأجمل أن نرى مدارس صالحة للتعليم. الطالب الذي يتعلم في بيئة جيدة سيكون هو نفسه المواطن الذي يحافظ على الحدائق لاحقاً. المدرسة هي الأساس، والحديقة ثمرة لهذا الأساس”.
كيف نمنع تخريب المرافق العامة؟
وأيضا يتخوّف كثير من الأهالي من أن تعود هذه المرافق إلى الإهمال والتخريب مجدداً كما حصل في السنوات السابقة، معتبرين أن غياب الحراسة والرقابة يجعل أي جهد مبذول مهدداً بالزوال.
المهندس مصطفى بكري، العامل سابقاً في المجلس المحلي لريف اللاذقية والذي يعمل حالياً في اللاذقية، قدّم قراءة مختلفة للمشكلة. إذ اعتبر أن جذورها مرتبطة بثقافة المجتمع: “الناس اعتادت لعقود أن الممتلكات العامة ليست ملكها، لذلك لا تكترث للحفاظ عليها. التخريب صار جزءاً من السلوك اليومي. لا يمكن أن يتغير هذا الواقع من دون قوانين صارمة ورقابة مشددة”.
واقترح بكري في حديثه لموقع تلفزيون سوريا وضع لافتات تحذيرية وتطبيق غرامات مالية على المخالفين، إلى جانب تعزيز دور المدرسة في تعليم الأطفال احترام الفضاء العام. وأشار إلى أن الحدائق المهجورة كانت في السابق مأوى للمدمنين والمشردين، وإعادة تأهيلها حرمت تلك الفئات من مكانها، ما قد يفسر بعض أعمال التخريب.
وأحد أبرز الانتقادات التي وُجّهت للحملة هو غياب خطط الاستدامة. كثير من الأهالي يرون في حديثهم لموقع تلفزيون سوريا أن الجهود الحالية تقتصر على التصوير الإعلامي لإظهار إنجازات شكلية، بينما لا توجد آليات واضحة للحفاظ على هذه المساحات بعد إعادة تأهيلها. زليطو نفسه أقرّ بوجود تحديات، مؤكداً أن بعض الحدائق عُيّن لها حراس، لكن دوامهم يقتصر على ساعات العمل الرسمية. كما نفى وجود كاميرات مراقبة، مشيراً إلى أن الإمكانات المالية للمجلس لا تسمح بتنفيذ جميع المطالب دفعة واحدة.
وتبقى الأسئلة مفتوحة؛ هل ستنجح هذه الجهود في خلق بيئة حضرية أفضل؟ أم ستتكرر التجارب السابقة حيث تعود الحدائق إلى الإهمال بعد فترة قصيرة؟ بين التفاؤل الحذر والانتقادات الواسعة، يظل مصير المساحات الخضراء في اللاذقية رهناً بمدى قدرة الجهات الرسمية على الانتقال من التجميل السطحي إلى الإدارة المستدامة، وتعاون المجتمع المحلي في الحفاظ على ما يتم إنجازه .
للمزيد: تابع موقع نبض الخليج ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر
مصدر المعلومات والصور : شبكة المعلومات الدولية