جدول المحتويات
«نبض الخليج»
لم تتمالك أسماء دموعها وهي تعود أدراجها من أمام الملعب البلدي في دير الزور مساء الخميس، جاءت باكراً مع أطفالها لتشهد انطلاق حملة “دير العز”، لكنها فوجئت بعناصر الأمن يمنعونها من الدخول بحجة “امتلاء المقاعد”.
حاولت إقناعهم بأن أبناءها متحمسون لرؤية الحفل، غير أنّ الأوامر كانت صارمة، عادت أسماء أدراجها منكسرة، تحمل جرحا في قدمها نتيجة لسقوطها بسبب التدافع، وخيبة مزدوجة: خيبة فقدان فرصة المشاركة، وخيبة شعور بأن المواطنين البسطاء ما زالوا في آخر الصفوف.
“دير العز”.. تجهيزات عالية وتنظيم مرتبك
على الرغم من أن المدينة استكملت جميع التجهيزات اللوجستية والأمنية قبل ساعات من انطلاق الحملة، فإن سوء التنظيم بدا واضحاً منذ اللحظات الأولى، تجمّع غير منظّم عند البوابات، غياب لوحات الإرشاد، عناصر أمن غير مدربين على التعامل مع حشود من هذا النوع، ومقاعد على المدرّجات محجوزة في حين بقي الجمهور العادي في الانتظار.
أحد المتبرعين، ويدعى أبو مازن، قال لموقع تلفزيون سوريا “جئنا بفرح كبير، لكننا صُدمنا بالفوضى، هذه ليست أول مرة نحضر فعالية وطنية، لكننا نأمل أن يتعلم المنظمون من الأخطاء، لأن الناس بحاجة إلى الثقة بأنهم شركاء في أي عمل”.
من جانبه قال عضو مجلس محافظة دير الزور وعضو أمناء الحملة، عدنان الدخيل، لموقع “تلفزيون سوريا”، إنّ الحملة بهذا الحجم غير مسبوقة، وبالنسبة لنا وضعنا كامل الإمكانيّات لدى مديريّة الشؤون السياسيّة بدير الزور التي تسلّمت كافّة الأمور التنظيميّة واللوجستيّة، ابتداءا من الدعم اللوجستي وليس انتهاء بتسخير كافة الجهود والعناصر الأمنية لضمان نجاح الحفل، لكن هذه النتائج التنظيميّة لم تكن على المستوى المأمول”، مضيفاً أن الضغط الجماهيري الكبير فاق التوقعات، لكنّه ليس مبرّرا لتلك الأخطاء التنظيميّة التي ظهرت للجمهور.
أموال ضخمة ورسائل رمزية
ورغم الارتباك التنظيمي، نجحت حملة “دير العز” في جمع أكثر من 30 مليون دولار خلال أقل من ثلاث ساعات، من ضمنها 10 ملايين من وزارة المالية السورية، وهو رقم يُعتبر “قياسياً” يعكس رغبة حقيقية لدى السوريين في دعم مدينتهم المدمَّرة.
وخلال الحفل أكّد وزير الإعلام الدكتور حمزة المصطفى أن “دير الزور والجزيرة السورية لن تبقيا مهمشتين”، مضيفاً أن “الدمار مؤقت، والإعمار قادم بهمة السوريين”، أما وزير الصحة الدكتور مصعب العلي فقد شدّد على أن القطاع الصحي “يتصدر أولويات إعادة الإعمار، من بناء مشافٍ جديدة إلى تزويدها بأجهزة استراتيجية”.
بين التبرع والشكوك
وخلال حديث تلفزيون سوريا مع عدد من المتبرّعين أكدوا أن دافعهم الأول هو “رد الجميل للمدينة”.
رجل الأعمال المقيم في قطر خالد الزعّال، يقول لموقع “تلفزيون سوريا” إنّه ساهم بما يستطيع في هذا الحملة من أجل إعادة إعمار مدينته دير الزور، مضيفا “لا أريد أن أستفيد أنا مباشرة، لكن أريد أن يكون لابني ولأبناء المحافظة مستقبل أفضل”.
غير أن بعض الأهالي أبدوا قلقا حول آلية توزيع الأموال، فالموظف المتقاعد عبد الهادي سليمان، تساءل عبر موقع “تلفزيون سوريا”، من سيشرف على المشاريع؟ هل هناك ضمانات أن هذه الملايين ستذهب فعلاً إلى إعادة بناء المدارس والمستشفيات؟.
صدى رسمي وشعبي
الحملة شهدت حضوراً رسمياً واسعاً، حيث اعتبر وزير الثقافة محمد ياسين الصالح أن أبناء دير الزور “جسّدوا الانتماء الوطني بصمودهم”، مشيراً إلى أن الثقافة “لا تنفصل عن التنمية”.
كما أكد مستشار رئاسة الجمهورية أحمد زيدان أن “تضحيات أبناء المنطقة كانت أساس النصر، وأن المرحلة الحالية تتركز على البناء”.
إلا أن المشهد الشعبي لم يكن أقل حضوراً، فقد توافدت آلاف العائلات، بعضهم جاؤوا من القرى المحيطة، ليشاهدوا مدينتهم -من خارج أسوار الملعب البلدي- وهي ترفع شعار “دير الزور لم تُكسر”.
ملاحظات وانتقادات
خلال الحفل اضطر وزير الثقافة محمّد ياسين صالح إلى التلويح بإيقاف الحملة نهائيّا إذا لم يلتزم المدعوون بأماكن جلوسهم، وهذا ما شاهده الملايين على وسائل التواصل الاجتماعي خلال البث المباشر للحفل.
ويرى عدنان الدخيل الذي اعترف بوجود “قصور واضح في إدارة الحشود”، أنّ تلك الأخطاء التنظيميّة يمكن أن تكون “درساً للمستقبل”. وقال: “نحتاج إلى تدريب كوادر الأمن على التعامل مع فعاليات جماهيرية كبيرة، لا يكفي وجود الحواجز والبوابات، بل يجب أن يكون هناك تنظيم يضمن دخول العائلات وتوزيع المقاعد بعدالة”.
الناشط المدني سامر الحسين ذهب أبعد من ذلك، إذ قال: “المشكلة ليست فقط في التنظيم، بل في عقلية التعامل مع الناس، إذا لم يكن المواطن في قلب الفعالية، فإن الأموال وحدها لن تصنع الإعمار”.
من جانبه، رأى عضو اللجنة التنظيمية للحملة، مهند الحنيدي، لموقع “تلفزيون سوريا” أن ما يميز “دير العز” عن الحملات السابقة هو أنها لم تقتصر على جمع التبرعات المادية، بل شهدت أيضًا حضورًا واسعًا للدعم المعنوي، وأوضح أن ما اعتبره بعضهم فوضى لم يكن سوى اندفاع عفوي وحماسة صادقة من الأهالي للتعبير عن محبتهم لمدينتهم ورغبتهم في مساندة محافظتهم ووطنهم، نحو حلول عملية
نحو حلول عمليّة
وإزاء هذه التحديات، يقترح الناشط في مجال المجتمع المدني مصطفى الحسن أن تُنشأ لجنة محلية شفافة لإدارة الأموال، تضم ممثلين عن الأهالي، إضافة إلى الجهات الرسمية، كما دعا آخرون إلى الاستعانة بالخبرات السورية في الخارج، خصوصاً في مجالات الهندسة والطب والتعليم.
وفيما يخص الجانب التنظيمي، شدد الحسن لموقع “تلفزيون سوريا” على ضرورة تدريب عناصر الأمن على مهارات التعامل مع الحشود، فضلا عن توفير قنوات تواصل واضحة للجمهور، مثل منصات إلكترونية لنشر مواعيد الفعاليات وآليات المشاركة، فضلا عن إشراك المجتمع المدني في التنظيم، بدلاً من ترك الأمر حصراً للجهات الرسمية.
بين الرمزية والواقعية
أسماء التي مُنعت من الدخول وعادت بخيبة أمل، لكنها تابعت أخبار الحملة من منزلها قالت “حتى لو لم أكن حاضرة، يكفيني أن أعرف أن مدينتنا بدأت تنهض من جديد”.
وبين الأمل الذي عكسته التبرعات الضخمة، والإرباك الذي كشف هشاشة التنظيم، تبقى “دير العز” رسالة مزدوجة، رسالة قوة بأن المدينة لم تُكسر، ورسالة تنبيه بأن إعادة الإعمار لا تُقاس فقط بالأموال، بل بالثقة، والشفافية، واحترام المواطن.
بهذا المعنى، قد تكون حملة “دير العز” نقطة بداية، شرط أن تتعلم منها المدينة – والدولة – أن البناء لا يبدأ بالإسمنت والحديد، بل بالإنسان أولاً.
للمزيد: تابع موقع نبض الخليج ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر
مصدر المعلومات والصور : شبكة المعلومات الدولية