جدول المحتويات
«نبض الخليج»
ارتبط شهر أيلول في جنوب سوريا خصوصاً، بطقوس التحضير للشتاء، بدء من تحضيرات “المونة الشتوية”، وشراء المازوت والحطب، انتهاءً بالاستعداد للعودة إلى المدرسة، ومنذ عقد من الزمن تحول أيلول إلى أكثر الفترات إرهاقاً للعائلات التي تواجه نفقات موسمية تدفعها لاختصار الكثير من طقس التحضير للشتاء.
وبين لهيب الأسعار، وضعف القدرة الشرائية لدى المواطنين، إضافة إلى الجفاف الذي أدى إلى ضرب الموسم الزراعي لدى سكان الجنوب الذين يعتمدون بشكل رئيسي على الزراعة للعيش، والتوترات الأمنية التي شهدتها المنطقة، بات أيلول لا يشبه ذاته، ولا يشبه ذكريات الناس عنه.
ويضم الجنوب السوري ثلاث محافظات رئيسية وهي “القنيطرة، السويداء، درعا”.
كميات رمزية من “المونة”
اعتاد الأهالي في الجنوب السوري على تخزين كميات كبيرة من “المونة” بسبب إغلاق الطرقات في الشتاء، نتيجة تراكم الثلج خاصة في القنيطرة والسويداء، كما يعتمدون في “المونة” على أراضيهم لتأمين جزء منها، فكانت “البندورة، والفليفلة، والباذنجان، والزيتون” وحتى اللبن والقمح تُنتج محلياً وتتحول إلى “مونة” تكفي شهور الشتاء.
لكن موسم 2025 بحسب المزارعين من القنيطرة ودرعا كان واحداً من أضعف المواسم الزراعية في السنوات الأخيرة بسبب الجفاف الذي ضرب سوريا وندرة مياه الأمطار، إضافة إلى ارتفاع كلفة الزراعة.
ضعف الإنتاج المحلي، دفع العائلات نحو الأسواق لشراء الخضروات وتحضير “المونة”، أو تخزين كميات رمزية واختصار الكميات.
جواد مرعي المزارع من قرية مسحرة في ريف القنيطرة، قال لموقع تلفزيون سوريا، إن العديد من العائلات في القنيطرة تخلت عن تموين “دبس البندورة” و”المربيات” و”زيت الزيتون”، بسبب ارتفاع تكلفة انتاجها وضعف الموسم الزراعي، لصالح تموين “وورق العنب، والبازلاء، والفول”، كونها ضرورية وغير متوفرة في الشتاء.
وتابع، “ما زرعناه من باذنجان وجوز وفليفلة حمراء، اضررنا إلى بيعه لأسواق دمشق، ولا مكدوس لأبناء القنيطرة هذا العام”.
وبحسب جواد مرعي فإن تكلفة الـ 10 كيلو من المكدوس تبلغ حوالي 150 ألف ليرة سورية، وهي كمية لا تكفي لمدة أسبوعين، إذ اعتاد الأهالي على تموين ما يقارب 30 إلى 60 كيلو من المكدوس للشتاء.
وكانت مجمل الأسر السورية تنشغل بإعداد “المكدوس” الذي كان يحتل المرتبة الأولى في سلم المونة، وهو باذنجان بحجم ونوعية معينة، يحشى بالجوز والفلفل والثوم، ومن ثم يُغمر بزيت الزيتون، ويكون عادة حاضراً في وجبة الإفطار في معظم بيوت السوريين.
شتاء بلا حطب في الجنوب
مع بداية أيلول، تبدأ العائلات السورية في الجنوب تقليديًا بتخزين الحطب، صيانة المدافئ، وتأمين البطانيات أو المازوت إن توفر بأسعار تناسب الواقع المعيشي، لكن الشتاء يقترب هذا العام دون مؤشرات واضحة على قدرة الناس على الاستعداد له.
ففي درعا والسويداء اعتاد الأهالي على تخزين الحطب، من اقتطاع بقايا الأشجار في المناطق الواقعة على الحدود الإدارية بين السويداء ودرعا، ومع تحول تلك القرى، إلى نقطة توتر أمني بات من الصعب تأمين الحطب بشكل مجاني.
أما في القنيطرة التي يعتمد الأهالي فيها على التدفئة باستخدام الحطب بدرجة أكبر بسبب طبيعة المنطقة الباردة في الشتاء، تم تجريف مساحات واسعة من أراضها واقتطاع الأشجار من قبل الاحتلال الإسرائيلي، يجد الأهالي أنفسهم بلا مصدر للتدفئة.
وبحسب نشرة أسعار شتاء عام 2024 2025 يبلغ سعر طن الحطب ما يقارب 1.5 مليون ليرة سورية، في حين لا توجد مؤشرات على توزيع مازوت مدعوم في فصل الشتاء لهذا العام، مع ارتفاع سعر المازوت في سوريا والذي يبلغ 11 ألف ليرة سورية للتر الواحد.
ويقول عزام مصلح من مدينة القنيطرة، لموقع تلفزيون سوريا، إن أهالي القنيطرة لم تعتاد على شراء المازوت، كون مادة المازوت لا تعتبر مصدر للتدفئة في القرى التي تعاني من البرد الشديد.
ويضيف، “إسرائيل اقتطعت الأشجار مساحات كنا نتعمد عليها في جمع الحطب، هذا العام ربما نستخدم باقيا الأثاث والبلاستك للتدفئة بدلاً من جمع الحطب”.
ضغط متزامن وسط بيئة غير مستقرة
تأتي هذه الالتزامات الموسمية في وقت يعاني فيه المواطنون من انخفاض حاد في القدرة الشرائية، حيث لا يتجاوز متوسط الراتب الشهري حاجز 350 ألف ليرة سورية في بعض القطاعات، بينما تتجاوز الاحتياجات الشهرية الأساسية لأسرة مكونة من 5 أفراد أكثر من 3 ملايين ليرة، وفق تقديرات غير رسمية.
في حين، يواجه الجنوب السوري واقعاً معيشياً هشاً، تتقاطع فيه الضغوط الاقتصادية مع بيئة أمنية غير مستقرة.
فبينما تستمر حوادث التوتر الأمني في بعض مناطق السويداء، تعاني القرى في درعا من ضعف الخدمات الأساسية، وتواجه القنيطرة توغلات إسرائيلية شبه يومية، يتراجع النشاط الاقتصادي في الأسواق، وينخفض المعروض من المواد الغذائية بسبب محدودية الطلب، إضافة إلى موسم زراعي كان مليئ بالخسائر.
كل هذه العوامل تجعل من شهر أيلول، الذي كان يعتبر موسم العمل والتجهيز، شهراً مرهقاً يفاقم الضغوط على المواطنين في واحدة من أكثر المناطق تأثراً بتبعات الحرب والانهيار الاقتصادي.
للمزيد: تابع موقع نبض الخليج ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر
مصدر المعلومات والصور : شبكة المعلومات الدولية