(رؤية قانونية واجتماعية)
الحرية قيمة إنسانية سامية، وهي حق أصيل لا يستقيم العدل ولا يزدهر الإبداع من دونه. غير أنّ الحرية ليست فوضى، ولا شعارًا يُرفع لتبرير العبث، بل هي وعي بالحدود، وانضباط داخلي يحكم سلوك الفرد تجاه المجتمع والقانون.
فالحرية بلا مسؤولية تتحول إلى تمرّد على القوانين وتجاوز على حقوق الآخرين، وتغدو بابًا للفوضى يعصف بالأمن والنظام، ويهدم ما بُني من قيم واستقرار. وعلى الضفة الأخرى، فإنّ قمع الحرية بحجة النظام يفضي إلى الاستبداد والدكتاتورية، حيث تُكمّم الأفواه وتُقمع العقول، فيخسر المجتمع حيويته وتنهار روح المواطنة.
المعادلة العادلة إذن هي التوازن: حرية مقرونة بالمسؤولية، وقوانين تطبّق بعدل على الجميع بلا محاباة. هنا يصدق القول: «من أمن العقوبة أساء الأدب»؛ فغياب المحاسبة يغري بالتجاوز، أمّا وضوح القوانين وعدالة تطبيقها فيمنح الحرية معناها الحقيقي، ويجعلها منبعًا للإبداع لا مدخلاً للفوضى.
المجتمعات التي تحترم هذا التوازن تنعم بحرية واعية، يلتزم فيها الأفراد بواجباتهم كما يتمسكون بحقوقهم، ويصبح القانون سياجًا يحمي الجميع، لا سوطًا يُخيفهم ولا قيدًا يكبّلهم. عندئذٍ، تزدهر الأوطان وتسمو القيم، ويغدو كل مواطن حارسًا للحرية قبل أن يكون مستفيدًا منها.