ستأتي لحظة قاتمة على أهل الحق، لحظة يُخيّل لهم فيها أنّهم غرباء على هذه الأرض، لحظة يظنّ فيها العاقل أنّه فقد صوابه، لا لشيء إلا لأنّ الباطل يتكلم بوقاحة، ويتحرك بثقة، ويتباهى بانتصاراتٍ وهميةٍ صنعها بالزيف والخداع.
كيف لا يَحتار الحليم، وهو يرى السفهاء يرفعون راياتهم على أعمدة الكذب، ويصوغون خطابًا مُزخرفًا يخدع العامة؟ كيف لا يظنّ نفسه مجنونًا، وهو يسمع أبواق الباطل تصدح ليل نهار وكأنها الحقيقة المطلقة؟!
لكن…
اعلموا أنّ تلك اللحظة ليست ضعفًا من أهل الحق، بل امتحانٌ لثباتهم وصبرهم. فالباطل يملك ضجيجًا، لكنه لا يملك برهانًا. يملك جموعًا، لكنه لا يملك ضمائر. يملك السلاح، لكنه يفتقد سلامة القلب والنية.
أما الحق، فهو كالنور، قد يغيب تحت غيومٍ كثيفة، لكنّه لا يُطفأ. وقد يُحاصر بين جدران الظلم، لكنّه لا يموت. والذين يظنّون أنفسهم مجانين اليوم، سيُكتشف غدًا أنهم الحكماء، وأنّ صبرهم كان وقودًا للنصر، وأنّ وقفتهم الشامخة كانت وصمة عار على جبين أهل الباطل.
لكن لا تنخدعوا بالثقة الزائفة، فالحق لا يحتاج صراخًا ليُثبت وجوده، وإنما يكفيه برهان. ولا تيأسوا إن ظننتم أنفسكم غرباء، فالحق دائمًا يبدأ غريبًا، ثم لا يلبث أن يعلو فوق كل صخب.
لتعلموا أنّ الحليم إذا حار، فليس ضعفًا منه، وإنما لأنّ وقاحة الباطل بلغت حدّ الجنون. ولكن شمس الحقيقة ستسطع، ولو بعد حين، وعندها سيعلم الذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون.