جدول المحتويات
«نبض الخليج»
شكّل التدخل الروسي المباشر في سوريا، قبل عشرة أعوام، نقطة تحول مفصلية في المنطقة، إذ تجاوز حدود الدعم العسكري التقليدي لحليف سياسي، ليصبح منعطفاً حاسماً أعاد رسم موازين القوى والخارطة العسكرية والسياسية.
وقد تدخلت روسيا تحت ذرائع متعددة، لكن تدخلها ترافق مع ارتكاب انتهاكات واسعة النطاق، من قصف للمناطق المأهولة بالسكان إلى تهجير قسري وتجريب أسلحة متطورة، ما جعل سوريا ساحة اختبار لمخزونها العسكري، وأدى إلى تصاعد معاناة المدنيين بشكل غير مسبوق.
وعلى مدى عقد من الزمن، تراكمت حصيلة كارثية من الضحايا والانتهاكات، إذ وثقت المنظمات الحقوقية آلاف القتلى من المدنيين، بينهم نسبة مرتفعة من النساء والأطفال، إلى جانب مئات المجازر واستهداف المرافق الطبية والتعليمية والأسواق الشعبية.
هذا الواقع لم يقتصر على الخسائر البشرية والمادية فحسب، بل امتد ليعكس عجز المجتمع الدولي عن إيقاف موسكو، التي استخدمت نفوذها السياسي لحماية نظام المخلوع بشار الأسد من أي مساءلة، عبر تعطيل القرارات الدولية وتوفير غطاء دبلوماسي لانتهاكاته.
ومع التحولات السياسية الأخيرة في سوريا، يطرح ذلك تساؤلات حول مسؤولية روسيا القانونية والأخلاقية، وآفاق العلاقات السورية–الروسية في مرحلة “ما بعد الأسد”، في ظل مطالب متزايدة بالاعتذار والتعويض والالتزام بمبادئ العدالة الانتقالية.
التدخل العسكري في سوريا
بدأ التدخل العسكري الروسي في سوريا إلى جانب نظام المخلوع، في 30 أيلول/سبتمبر 2015، حيث ساندت روسيا حليفها سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، وارتكبت انتهاكات جسيمة، ما مكّن النظام حينها من استعادة السيطرة على مناطق استراتيجية مثل حلب والغوطة ودرعا وإدلب.
كذلك، استخدمت روسيا حق النقض (الفيتو) 18 مرة، 14 منها بعد تدخلها العسكري، كما صوَّتت ضد الشعب السوري في 21 دورة لمجلس حقوق الإنسان، رافضةَ أيّ إدانة للنظام، مجنِّدةً دولاً حليفة لحمايته، خاصة عند محاولة إدانته باستخدام الأسلحة المحرّمة دولياً مثل السلاح الكيماوي.
ضحايا التدخل الروسي
وثَّقت الشَّبكة السورية لحقوق الإنسان مقتل 6993 مدنياً، بينهم 2061 طفلاً و984 سيدة (أنثى بالغة)، وأكّد تقريرها الصادر، اليوم الثلاثاء، أنَّ النسبة المرتفعة للأطفال والنساء ضمن الضحايا تُشير إلى أنَّ الهجمات الروسية طالت على نحوٍ واسع مناطق مأهولة بالسكان، بما يثير مؤشرات قوية على احتمال تعمُّد استهداف المدنيين أو إيقاع أضرار غير متناسبة، وهو ما يخالف قواعد القانون الدولي الإنساني.
ووفقاً لقاعدة بيانات الشَّبكة، سجَّلت محافظة حلب الحصيلة الأعلى من الضحايا المدنيين بحسب التوزع على المحافظات، تلتها إدلب ثم دير الزور، كما وثَّقت الشبكة ما لا يقل عن 363 مجزرة ارتكبتها القوات الروسية خلال الفترة ذاتها، وهو ما يدل على اعتمادٍ واسع النطاق للهجمات العشوائية أو غير المتناسبة، ويؤكد أنَّ التدخل الروسي كان عاملاً أساسياً في تصعيد معاناة المدنيين وارتكاب انتهاكات ترقى إلى جرائم حرب.
الأسلحة الروسية في سوريا
منذ تدخلها في سوريا، جرّبت روسيا أسلحة جديدة ومتطورة في ساحة الحرب السورية، التي باتت معرضاً للسلاح الروسي قبل طرحه في الأسواق العالمية.
واعترفت روسيا منذ اللحظة الأولى لتدخلها العسكري، بأن وجودها في ميدان قتال حقيقي وليس تدريبياً، وأن هذا الميدان سيتيح لها تجريب مختلف أسلحتها التدميرية الجوية والبرية والبحرية، والصواريخ العابرة للقارات، وغيرها من الأسلحة.
وفي الفترة ما بين نيسان وآب 2019، وثقت الشبكة السورية استخدام روسيا العديد من الأسلحة في شمال غربي سوريا، منها الأسلحة الحارقة والذخائر العنقودية والصواريخ التقليدية والصواريخ المسمارية والبراميل المتفجرة، وصولاً إلى السلاح الكيميائي.
ومن أبرز الأسلحة التي جرّبتها روسيا:
- المقاتلات “SU-55″ و”SU-27”.
- منظومتا الدفاع الجوي “بانتسير” و”S-400″.
- المقاتلة “TU-160” (البجعة البيضاء).
- “TOS-1A” (قاذف اللهب الثقيل).
- “APS-5” (البندقية الهجومية تحت الماء).
وفي 2021، أعلن وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو أن الجيش جرّب خلال العملية العسكرية في سوريا أكثر من 320 طرازاً من مختلف الأسلحة، مشيراً خلال اجتماع مع خبراء ومصممي شركة “روست فيرتول” المتخصصة في صناعة المروحيات، إلى أنّ “أنظمة الأسلحة شهدت تطويراً كبيراً نتيجة للتجارب في سوريا”.
روسيا مطالبة بالاعتذار والتعويض
في الذكرى العاشرة للتدخل، أصدرت الشبكة السورية تقريراً طالبت فيه موسكو بتقديم اعتذارٍ رسمي ودفع تعويضاتٍ للضحايا.
ودعت المجتمع الدولي والجهات القضائية الوطنية المختصّة، بالتعاون مع المؤسسات الحقوقية السورية، إلى متابعة التحقيقات في الانتهاكات التي ارتكبتها القوات الروسية، بما يشمل القادة العسكريين والسياسيين، لضمان مساءلة كل من تورط في جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب.
وشدّدت على ضرورة دعم حقوق الضحايا وتعويضهم عبر إنشاء برامج عادلة وشاملة تجمع بين التعويضين المادي والمعنوي، وتضم إعادة بناء المرافق الحيوية والخدمات الأساسية، بما يضمن استعادة الحقوق الأساسية للسكان المتضررين.
وفي هذا السياق، قال المحامي أنور البني، رئيس المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية، في تصريح خاص لـ موقع تلفزيون سوريا: إنّه “من غير الممكن محاسبة روسيا جنائياً كدولة، وإنما يمكن محاسبة الأشخاص الذين ارتكبوا جرائم موثقة أو أصدروا أوامر واضحة بارتكابها، وذلك بصفتهم أفراداً طبيعيين لا اعتباريين”.
وأضاف: “ومع ذلك، تبقى روسيا كدولة مسؤولة عن الجرائم المرتكبة في سوريا، ويمكن ملاحقتها أمام محكمة العدل الدولية والمطالبة منها بتعويض الأضرار والانتهاكات التي ألحقتها بالسوريين والسوريات”.
وأكّد أن هذه الخطوة من المفترض أن تقوم بها الدولة السورية ذاتها، وهو أمر يظل معقداً في ظل الوضع السياسي الراهن، حيث ما تزال الدولة غير مستقرة وتواجه تهديدات كبيرة، وروسيا أحد أبرز هذه التهديدات. لكن هذا لا يلغي أن يأتي يوم يُطلب فيه من روسيا دفع ثمن ما ألحقته من ضرر.
مطالبات بتسليم بشار الأسد
كذلك طالبت الشبكة السورية بتسليم رئيس النظام المخلوع بشار الأسد من أجل محاكمته، كما أكّد مصدر سوري -لم يكشف عن هويته- لوكالة “رويترز”، أن الرئيس السوري أحمد الشرع طلب من روسيا تسليم “الأسد”، الذي فرَّ إليها “لاجئاً” بعدما الإطاحة به.
واعتبر المحامي أنور البني أنّ مسار العدالة الانتقالية في سوريا ما يزال يشهد تعطيلاً واضحاً عن مساره الحقيقي، موضحاً: “حتى اللحظة لا يمكن وصف ما يجري إلا بأنه عدالة استعراضية، في ظل غياب أي خطوات جادة نحو عدالة انتقالية حقيقية”.
وتابع: “هذا التعطيل يولّد غضباً وإحباطاً لدى الضحايا الذين ما زالوا يشاهدون المجرمين يتحركون بحرية. وحتى التوقيفات التي أُجريت سابقاً كانت أقرب إلى الشكلية، ومذكرة التوقيف الصادرة بحق بشار الأسد لم تكن بالقوة الكافية”.
وأضاف: “للأسف، هناك استهزاء بمعاناة الضحايا وتسخيف للجرائم والانتهاكات، وهو ما يضاعف من شعورهم بالخذلان. ومع ذلك، تبقى قناعتي راسخة بأنه سيأتي اليوم الذي تُلاحق فيه روسيا أمام محكمة العدل الدولية وتُجبر على دفع التعويضات عن كل ما ارتكبته من أفعال ألحقت الضرر بالسوريين والسوريات”.
العلاقات مع روسيا بعد سقوط “الأسد”
تشير مؤشرات عودة العلاقات السورية–الروسية في الفترة الأخيرة إلى مسار متقدم، بعد التحول السياسي الذي شهدته سوريا، أواخر العام 2024، إثر سقوط نظام الأسد، حيث تطرح هذه التطورات تساؤلات حول احتمالات عودة العلاقات بين البلدين، أم أنّ العوامل الإقليمية والدولية والمصالح السياسية والاقتصادية ستفرض مسارات جديدة وتوازنات مختلفة.
وسبق أن أكّد وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، في 9 أيلول الجاري، أنّ سوريا وروسيا قادرتان اليوم على بناء علاقة قائمة على السيادة والمصلحة المشتركة، وذلك خلال مؤتمر صحفي مشترك مع نائب رئيس الوزراء الروسي ألكساندر نوفاك.
وقال الشيباني: إنّ العلاقات السورية–الروسية “عميقة ومرت بمحطات صداقة وتعاون، لكنها افتقرت إلى التوازن في بعض المراحل”، مشدّداً على أن أي وجود أجنبي في سوريا يجب أن يكون هدفه مساعدة الشعب السوري على بناء مستقبله.
ورحّب بتعاون بلاده مع روسيا في مجالات إعادة الإعمار والطاقة والزراعة والصحة “على أسس عادلة وشفافة”، مشيراً إلى أنّه “كلما استقرت سوريا، انفتحت أمام الجميع آفاق التعاون، وكلما ضعفت زادت فرص الفوضى والإرهاب. والدعم الروسي الصريح لمسار سوريا الجديد سيكون خطوة تصب في مصلحة بلدنا والمنطقة بأسرها”.
من جانبه، قال نائب رئيس الوزراء الروسي، ألكساندر نوفاك، إنّ زيارته إلى دمشق جاءت لمناقشة بعض الاتجاهات المهمة للتعاون الثنائي، مضيفاً: “المرحلة التاريخية الجديدة ستقوم العلاقات فيها بين الشعبين على الاحترام المتبادل، ونتمنى أن تستمر هذه العلاقة في النمو لما فيه خير الشعبين والبلدين”.
وسبق أن قالت السفارة السورية في موسكو -وفق ما نقلت وكالة “سبوتنيك” الروسية، في 10 أيلول- إنّ الرئيس السوري أحمد الشرع، سيترأس وفد سوريا في القمة الروسية–العربية المقبلة التي ستعقد في تشرين الأول المقبل.
ومن المرجح أن يلتقي الرئيس الشرع بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في اجتماع منفرد، حيث ستُطرح قضايا حساسة مثل قواعد الاشتباك الجوي، والحد من الاعتداءات الإسرائيلية، وإعادة هيكلة الجيش والأمن، وآليات تمويل مشاريع الطاقة والغذاء بطرق تتجاوز العقوبات.
يشار إلى أنّ الشَّبكة السورية لحقوق الإنسان سبق وأن دعت إلى تنظيم أي علاقات أو تعاون مستقبلي مع روسيا ضمن إطار يلتزم بالمساءلة عن الانتهاكات السابقة، وبما يشمل مطالبة روسيا بتحمُّل مسؤولياتها القانونية تجاه المدنيين المتضررين، وإلزامها بالتعويض والمساهمة في إعادة إعمار ما دُمِّر خلال تدخلها العسكري في سوريا، مع ضمان عدم تكرار انتهاكات مماثلة ضد المدنيين أو المرافق الحيوية.
وأفادت الوكالة العربية السورية للأنباء (سانا)، في وقتٍ سابق، إنّ دمشق تريد أيضاً من روسيا، التي دعّمت “الأسد” لسنوات في حربه ضد السوريين “إعادة بناء الثقة مع الشعب السوري، من خلال تدابير ملموسة مثل التعويضات وإعادة الإعمار والتعافي”.
للمزيد: تابع موقع نبض الخليج ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر
مصدر المعلومات والصور : شبكة المعلومات الدولية