«نبض الخليج»
أبوظبي في 7 أكتوبر/ وام/ أكد معالي صقر غباش رئيس المجلس الوطني الاتحادي، أن دولة الإماراتِ أرست بقيادةِ صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة “حفظه الله”، فلسفةً وطنيةً إماراتيةً في التعاملِ مع التحولاتِ التقنيةِ الكبرى، تقومُ على أن الذكاءَ الاصطناعي والتحولات الرقمية ليست غايةً في ذاتها، بل وسيلةً لإعلاءِ قيمةِ الإنسانِ مثلما هي أداةٌ لتعزيزِ رفاهيتِه وتطورِه، ومن هنا جاءتِ الرؤيةُ الإستراتيجيةُ الوطنيةُ للذكاءِ الاصطناعيِّ 2031 لتجعلَ من التقنيةِ أداةً للتنميةِ المستدامةِ، وتربطَ بين الطموحِ العلمي والبعدِ الإنساني، وحتى البيئي، ولقد تجلت هذه الرؤية في مشروع “ستارجيت الإماراتِ” باعتبارِه أضخمَ مجمعٍ للذكاءِ الاصطناعيِّ خارجَ الولاياتِ المتحدةِ، وهو الأولَ عالمياً الذي يستخدمُ الطاقةَ النظيفةَ في تشغيلِه.
وتوجه معاليه باسمِ المجلسِ الوطنيِ الاتحاديِ، بالشكرِ والتقديرِ إلى سمو الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان نائب حاكم إمارة أبوظبي مستشار الأمن الوطني، على رؤيتِه الداعمةِ لمسيرةِ الذكاءِ الاصطناعي في الدولةِ، التي تجاوزت حدودَ المستخدمِ لهذه التقنيةِ إلى صانعٍ لاتجاهاته بما يخدم التنميةَ وصناعةَ المستقبلِ، وانطلاقاً من هذا النهجِ، ينهضُ المجلسُ الوطنيُ الاتحاديُ بدورِه عبر مساهمته في بناء تشريعاتٍ تستوعب الابتكارَ دون إطلاقِه بلا ضوابطَ، وتحتضن الثورةَ التقنيةَ دون التفريطِ بالقيمِ والأخلاقِ.
جاء ذلك في كلمة افتتح بها أعمال المنتدى البرلماني حول أفضل الممارسات التشريعية في مجال الذكاء الاصطناعي، الذي نظمه المجلس الوطني الاتحادي اليوم “الثلاثاء”، في قاعة زايد بمقر المجلس بأبوظبي وذلك تنفيذا لقرار أصحاب المعالي والسعادة رؤساء مجالس الشورى والنواب والوطني والأمة بدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، الذي استضاف اجتماعه الدوري المجلس الوطني الاتحادي في شهر نوفمبر الماضي بأبوظبي، وتم خلاله اختيار الموضوع الخليجي المشترك بعنوان ” الدور التشريعي للمجالس التشريعية الخليجية في حوكمة الذكاء الاصطناعي: الواقع والتحديات وآفاق مستقبلية”، ليكون موضوعا للندوة الخليجية المشتركة لعام 2025 .
وقال معالي صقر غباش في كلمته: “ يشكل المنتدى منصةً فكريةً لصياغةِ الأسسِ التشريعيةِ لمواكبةِ التحولاتِ الكبرى التي تفرضها الثورةُ التقنيةُ الذكيةُ على مجتمعاتِنا واقتصاداتِنا وأمنِنا الوطنيِ. فالتشريعُ اليوم لم يعد وظيفةً لاحقةً للتطورِ، بل أصبح أداةً استباقيةً لحمايةِ القيمِ وتوجيهِ الابتكارِ وضمانِ أن تبقى التقنيةُ في خدمةِ الإنسانِ لا على حسابِه”.
وأعرب معاليه عن جزيل الشكرِ والتقديرِ لأصحاب المعالي، رؤساءِ المجالسِ التشريعيةِ الخليجيةِ لدعمِهم المتواصلِ وصولاً إلى تحقيق الرؤى الخليجيةِ المشتركةِ في سياقِ توظيفِ وتنظيمِ استخداماتِ الذكاءِ الاصطناعي على المستويين الوطني والخليجي، وللأمانةِ العامةِ لمجلسِ التعاونِ، ولمركزِ الإماراتِ للدراساتِ والبحوثِ الإستراتيجيةِ، وللمتحدثين والمشاركين والمنظمين على ما بذلوه من جهدٍ كريمٍ في الإعدادِ والتنظيمِ لهذا المنتدى.
وقال معالي صقر غباش: ” لقد أمسى الذكاءُ الاصطناعي قوةً كبرى تعيدُ تشكيلَ مفاهيمِ السياسةِ والاقتصادِ، وأسسَ الحوكمةِ والسيادةِ، وحتى قواعد العلاقاتِ المجتمعيةِ والإنسانيةِ، وهو ما يفرضُ على البرلماناتِ إعادةَ تعريفِ وظيفةِ التشريعِ في هذا العصرِ الذي لم تعدْ فيه الوحدةُ الزمنيةُ تقاسُ بمؤشرِ “الشهرِ أو السَنةِ”، بل بمعيارِ “الدورةِ التقنيةِ” التي باتت تضعُ الدولَ والمجتمعاتِ في كلِّ يومٍ أمام التحديَ الذي لا ينحصرُ في مواكبةِ هذه التطوراتِ التقنية، بلْ في كيفية توجيهِها نحوَ خدمةِ الانسانِ، وضمانِ عدمِ اضرارِها بسلامةِ المجتمعاتِ”.
وأكد معاليه أنه بناء على ذلك، فإن التشريع اليوم، مفهوماً وممارسةً، أمام معادلات على المستويين الوطني والدولي. فعلى المستوى الوطني، فإنه مطالب بشكل أساسي بضمان تعزيز السيادةِ الوطنيةِ من خلال ترسيخِ سيادةِ الدولِ على بياناتِها الحساسةِ، وضمانِ قابليةِ التشغيلِ عبر الحدودِ دون التنازلِ عن الخصوصيةِ والأمنِ، وتمكينُ الاقتصادِ المنتجِ للقيمةِ الاجتماعيةِ، وصياغةُ أطرٍ قانونيةِ تجعلُ من الذكاءِ الاصطناعيِ “وفرةً تقنيةً” و “قيمةً اجتماعيةً” معاً من خلال ضمان الشفافية والمساءلة في استخدام الأنظمةِ الذكية، من جهة، وتنظيمِ العلاقةِ بين الذكاءِ الاصطناعي وسوقِ العمل، من جهة أخرى.
وقال معالي صقر غباش ” أما على المستوى الدولي الذي يمثلُ التحديَ الحقيقي الذي يُواجهُ التشريعَ والإنسانيةَ على حدٍ سواء فأنه يتجسدُ في قدرةِ المجتمعِ الدولي، ومعه المؤسساتِ البرلمانية، على صياغةِ تشريعاتٍ دوليةٍ عابرةٍ للحدودِ تتجلى في إطارٍ عالميٍ يوازنُ بين الابتكارِ وبين تقليلِ المخاطرِ الوجوديةِ والاجتماعيةِ. فمثل هذا التوجهُ النبيلُ ستعترضُه عقبةَ التنافسِ المحمومِ الذي دخلتْ معه الدولُ المتقدمةُ والشركاتُ التقنيةُ الكبرى مرحلةَ “سباقِ التسلح ِالتكنولوجي” التي ستجعلُ من الذكاءِ الاصطناعي، إذا ما استمر بلا قيدٍ أو مراقبةٍ، قوةً منفلتةً تزرعُ الفوضى وتهددُ أمنَ المجتمعاتِ والبلدانِ على حدٍ سواء”.
وأضاف معاليه “ إننا مطالبون، من خلالِ مؤسساتِنا البرلمانيةِ الوطنيةِ والإقليميةِ والدوليةِ، وبالتعاونِ مع المؤسساتِ الدوليةِ المعنية، بتبني معاييرَ تشريعيةٍ تتوافقُ مع الطبيعةِ العابرةِ للحدود للذكاءِ الاصطناعي، وقادرةً على التعاملِ مع نطاقِ وسرعةِ المتغيراتِ الدوليةِ المصاحبة له. وأكثر ما يبرز هنا هو الحاجةُ إلى صياغةِ واعتمادِ اتفاقاتٍ دوليةٍ تتعلقُ بمعاييرِ الشفافيةِ، والمساءلةِ، والأسسِ الأخلاقيةِ، والقانونية لاستخدامات الذكاءِ الاصطناعي بما يحدُ من مخاطرِه الأمنيةِ والعسكريةِ والاجتماعية، وبما يعززَ في الوقتِ نفسِه عجلةَ الابتكارِ التي نحنُ في أمَسِّ الحاجةِ إليها للتصدي لأكثرِ ما يمكن أنْ يهددَ البشريةَ من عوامل طبيعيةٍ وغيرِ طبيعيةٍ مثل التغيرِ المناخي والأمنِ الغذائي والمائي والطاقةِ وغيرها ذلك هو التحدي، وتلك هي رسالتُنا للأجيالِ القادمةِ”.
حضر المنتدى معالي جاسم بن محمد البديوي الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، ومعالي عمر العلماء وزير دولة للذكاء الاصطناعي والاقتصاد الرقمي وتطبيقات العمل عن بُعد، ومعالي مارتن تشونغونغ أمين عام الاتحاد البرلماني الدولي، ومعالي الدكتور عبدالله بالحيف النعيمي رئيس المجلس الاستشاري لإمارة الشارقة، ومعالي الفريق عبدالله خليفة المري القائد العام لشرطة دبي”.
كما حضر المنتدى عدد من أعضاء المجلس الوطني الاتحادي، وممثلون عن المجالس التشريعية الخليجية، والهيئات والدوائر المحلية والجهات القانونية والقضائية والمؤسسات الأكاديمية، والرؤساء التنفيذيين للذكاء الاصطناعي في الدولة.
وقال معالي جاسم بن محمد البديوي الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية في كلمة له بعنوان “أفضل الممارسات التشريعية في مجال الذكاء الاصطناعي” :” يسرني في مستهل كلمتي أن أرفع إلى مقام صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة “حفظه الله” أسمى آيات الشكر والعرفان والتقدير، على ما تحظى به مسيرة التعاون الخليجي من دعم ورعاية كريمة، وعلى استضافة دولة الإمارات لهذا المنتدى البرلماني التشريعي، متمنياً لدولة الإمارات دوام التقدم والازدهار في ظل القيادة الحكيمة لسموه”.
وأضاف ” لقد انطلقت رؤى مجلس التعاون لدول الخليج العربية من أهداف القادة المؤسسين الذين استشرفوا المستقبل، فعملوا على تحقيق التكامل والتقارب في مختلف المجالات، مؤكدين أن مسيرة التعاون لا ينبغي أن تُحصر في مجالات بعينها، بل تشمل كل ما يمس حياة الإنسان وأمنه وتنميته واقتصاده، ومن هذا المنطلق، برز اهتمام المجالس التشريعية بموضوع “الدور التشريعي للمجالس التشريعية الخليجية في حوكمة الذكاء الاصطناعي: الواقع والتحديات وآفاق المستقبل”.
وأشار معاليه إلى أن الذكاء الاصطناعي لم يعد ترفًا فكريًا أو حوارًا أكاديميًا محصورًا في قاعات الجامعات، بل أضحى عنصرًا أساسيًا في حياتنا اليومية؛ يوجّه القرارات، ويؤثر في الاقتصادات، ويعيد تشكيل أنماط العمل والإنتاج وأساليب التواصل بين الأفراد والمجتمعات، وهو يفتح آفاقًا رحبة في قطاعات حيوية كالصحة والتعليم والاقتصاد والخدمات، غير أن هذه المكاسب تصاحبها تحديات كبرى تفرض على المجالس التشريعية مسؤولية مضاعفة.
وأكد أن دول مجلس التعاون أولت اهتماماً متزايداً بقطاع الذكاء الاصطناعي، إدراكاً منها لدوره المحوري في تشكيل ملامح الاقتصاد العالمي الجديد، وتشير التقديرات إلى أن استثمارات دول المجلس في هذا القطاع، بلغت عشرات المليارات من الدولارات خلال السنوات القليلة الماضية، مع خطط طموحة لزيادة هذه الاستثمارات إلى مئات المليارات بحلول عام 2030، بما يعكس التوجه الإستراتيجي لدولنا نحو بناء اقتصاد معرفي قائم على الابتكار والتقنيات المتقدمة، وتعزيز مكانة المنطقة مركزا عالميا رائدا في هذا المجال.
وقال معاليه “ هنا يبرز دور التشريع في بناء أطر قانونية متجددة تحقق التوازن بين أمرين أساسياً: تشجيع الابتكار والانفتاح على التطوير، وحماية الحقوق وصون القيم الإنسانية والمجتمعية”.
وأضاف “ لقد حرصت الأمانة العامة لمجلس التعاون على بناء شراكات مثمرة مع مراكز إقليمية ودولية في مجال الذكاء الاصطناعي، ومنها: المركز الدولي لأبحاث وأخلاقيات الذكاء الاصطناعي التابع لهيئة البيانات والذكاء الاصطناعي في المملكة العربية السعودية، إلى جانب التعاون مع منظمات دولية رائدة مثل الويبو والمنظمة الدولية للمعايير، وقد أثمر هذا التعاون عن عقد ورش عمل وفعاليات خليجية مشتركة أسهمت في تبادل الخبرات وتعزيز القدرات”.
ولفت معاليه إلى أن الأمانة العامة، وبموافقة اللجنة الوزارية للحكومة الرقمية، بادرت إلى تشكيل فريق معني بالذكاء الاصطناعي والتقنيات الناشئة في يونيو 2021، يعمل على دعم البحث والتطوير بين دول المجلس في هذا المجال، وتحسين الخدمات الرقمية الحكومية، وإيجاد بيئة تنظيمية وتشريعية مرنة تستجيب لمتطلبات المستقبل، مشيرا إلى التوصل لعدد من الإنجازات في هذا الصدد، وجار العمل على إعداد إستراتيجية استرشادية خليجية موحدة للذكاء الاصطناعي ورغم كافة هذه الجهود والإنجازات، ألا أنه لا تزال التحديات قائمة، ومن أبرزها: غياب المعايير التشريعية الموحدة، وقضايا حماية البيانات الشخصية، واحتمالية استغلال الذكاء الاصطناعي في أنشطة ضارة أو هجمات إلكترونية.
وقال :” إن المستقبل يحمل فرصًا واعدة إذا أحسنا إدارة هذا التحول، إذ يمكن للتشريعات المتوازنة أن تجعل الذكاء الاصطناعي رافدًا للتنمية المستدامة، وأداة لتعزيز العدالة الاجتماعية، ووسيلة لرفع كفاءة المؤسسات الحكومية والخاصة على حد سواء”.
من جهته قال معالي مارتن تشونغونغ، الأمين العام للاتحاد البرلماني الدولي، في كلمة له، إن الممارسات التشريعية في مجال الذكاء الاصطناعي أصبحت قضية ذات أولوية متقدمة على جدول أعمال الاتحاد البرلماني الدولي، وأعرب عن شكره للمجلس الوطني الاتحادي على دعوته للمشاركة في هذا المنتدى، مشيرا أن الذكاء الاصطناعي لم يعد قادماً؛ بل هو موجود بيننا فعلاً، ويعيد تشكيل الاقتصادات، ويحوّل المجتمعات، ويختبر أسس الحوكمة التي نعرفها.
وأضاف أن المناقشات بشأنه ستحدد ما إذا كان الذكاء الاصطناعي سيصبح قوة تدعم الديمقراطية وتحسن حياة الناس، أم أنه سيتحول إلى أداة لتركيز السلطة، وتعميق التفاوتات، وتقويض المؤسسات التي نخدمها، وأعرب عن إعجابه بالقيادة والرؤية التي تبديها دول مجلس التعاون الخليجي في هذا المجال.
وأشار إلى أنه ووفقاً لرصد الاتحاد البرلماني الدولي، فإن أكثر من خمسين برلماناً حول العالم يتخذ إجراءات متعلقة بالذكاء الاصطناعي، وبعض الدول اعتمدت قوانين شاملة، فيما ما لا يقل عن 33 دولة تعمل حالياً على صياغة تشريعات جديدة، موضحا أن الدول تختار الأنسب لمجتمعاتها وتعكس قيمها وسياقاتها وطموحاتها الخاصة، من خلال إعداد تشريعات لا تقتصر على المبادئ، بل تكون قابلة للتطبيق، وتترك أثراً حقيقياً في طريقة تطوير الذكاء الاصطناعي واستخدامه.
وأكد الحاجة إلى مزيد من التعاون الدولي والإقليمي، فالذكاء الاصطناعي لا يعترف بالحدود، والخوارزميات التي تشغل محركات البحث، والنماذج التي تولد المحتوى، والأنظمة التي تتخذ قرارات حيوية كلها تتدفق عبر حدود دولنا بسلاسة، ونحتاج إلى تنسيق في المعايير، وفي تقييم المخاطر، وفي الضمانات الأساسية، مشيرا إلى كيفية تحقيق التوافق الدولي دون المساس بالسيادة الوطنية والاستقلال الديمقراطي.
وأشار إلى أن لدول مجلس التعاون الخليجي فرصا فريدة للتعاون في حوكمة الذكاء الاصطناعي في قطاعات حيوية مثل الطاقة والبنية التحتية، مما يخلق اقتصاديات مشتركة ويحافظ في الوقت ذاته على استقلال القرار الوطني، لافتا إلى أن مسألة كيفية تحقيق التوازن بين الخصوصية والابتكار، ودعم اللغات والثقافات الوطنية، وتلبية الاحتياجات الاقتصادية المحلية، هي قضايا تخص كل دولة على حدة.
وأوضح أنه وفي جميع هذه المسارات، يجب أن تكون البرلمانات في قلب العملية، ليس كجهات تصادق على قرارات تقنية تُتخذ في مكان آخر، بل كقلب ديمقراطي نابض لحوكمة الذكاء الاصطناعي، فنحن نمثل الشعوب، ونجسد تنوع الرؤى، ونمنح الشرعية الديمقراطية التي لا يمكن لأي خوارزمية أن توفرها، مؤكدا ضرورة بناء القدرات الوطنية من خلال الاستثمار في الخبرات داخل الحكومات، ودعم البحث العلمي في الجامعات، وضمان أن لغاتنا الوطنية لا تُهمَّش في ثورة الذكاء الاصطناعي، لأنه إذا سُمح بتطوير الذكاء الاصطناعي بلغات محدودة ومن دول محدودة، فسنواجه شكلاً جديداً من الاستعمار الرقمي.
واستعرض طبيعة الذكاء الاصطناعي كتحدٍ للبرلمانات نفسها، مشيرا أن الذكاء الاصطناعي ليس مجرد موضوع تنظيمي للبرلمانات، بل هو قوة ستعيد تشكيل المؤسسة البرلمانية ذاتها، لافتا إلى أن التحديات تتمثل في أسئلة مفتوحة، ستتضح إجاباتها مع مرور الوقت: كيف سيؤثر الذكاء الاصطناعي على عمليات اتخاذ القرار داخل البرلمانات، وهل سنستخدم أدواته لتحليل التشريعات والتفاعل مع المواطنين إضافة إلى التعامل مع القضايا السياسية.
وتطرق إلى ما يمكن أن تفعله البرلمانات من خلال إنشاء هياكل متخصصة داخل البرلمان والحكومة للإشراف على الذكاء الاصطناعي، والاستثمار في الثقافة الرقمية والذكاء الاصطناعي على جميع المستويات، وتبني نهج تشاركي متعدد الأطراف يشمل القطاع الخاص والمجتمع المدني والأكاديميين والمواطنين المتأثرين مباشرة بتقنيات الذكاء الاصطناعي، مع التأكيد على ضرورة العمل الجماعي وألا نكرر أخطاء حوكمة الإنترنت التي أدت إلى تركّز الثروة والسلطة في أيدي قلة من الشركات والدول.
وأكد أهمية تطوير رؤية إيجابية للعلاقة بين الذكاء الاصطناعي والإنسانية، وأن نعمل بإصرار لتحقيقها، تقوم هذه الرؤية على التعاون المتزايد وإدراك أننا جميعاً في قارب واحد، واستخدام الذكاء الاصطناعي لخدمة احتياجات الناس الحقيقية، لتحسين الرعاية الصحية، وتعزيز التعليم، وحل مشكلات المواطنين اليومية، فالذكاء الاصطناعي يجب أن يكون أداة لازدهار الإنسان، لا غاية بحد ذاته.
وتم خلال المنتدى إطلاق حزمة المجلس الوطني الاتحادي لأدوات الذكاء الاصطناعي البرلماني بعنوان “ من الفكرة إلى التشريع : رحلة الذكاء الاصطناعي”، وهي أدوات متكاملة تعزز كفاءة التشريع وتجعل الرقابة أكثر ذكاء والحوكمة أكثر استعدادا للمستقبل، وهي منظومة متكاملة لبرلمان أكثر استعدادا للمستقبل.
وتتألف الحزمة من ثلاث ركائز أساسية؛ الأولى سياسة الذكاء الاصطناعي في المجلس الوطني الاتحادي، وتمتد لتشمل محاور متعددة من المبادئ الأخلاقية وتطبيقاتها العملية والتوعية وبناء القدرات وإدارة التحديات والتحسين المستمر للأنظمة، والثانية لائحة أخلاقيات استخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي في المجلس، والتي تشكل إطارا تشريعيا عصريا لتحقيق أعلى مستويات الكفاءة والفعالية في أنشطة الدعم البرلماني لتنظم الالتزامات الأخلاقية والضوابط التقنية لاستخدام الذكاء الاصطناعي وأحكام الحوكمة والرقابة وتجمع بين الطابع المؤسسي الرصين والروح المستقبلية الطموحة. والركيزة الثالثة دليل أدوات الذكاء الاصطناعي في الأعمال البحثية البرلمانية، ويعد خارطة طريق مبتكرة يقدم رؤية متكاملة لمجموعة من أدوات الذكاء الاصطناعي التي يمكن توظيفها كأدوات مساعدة في الأعمال البحثية البرلمانية ويضم 39 أداة متخصصة للذكاء الاصطناعي ليعد مرجعا علميا شاملا يعكس التزام المجلس الوطني الاتحادي بالريادة في تبني الحلول التقنية الحديثة.
كما صاحب المنتدى معرض تقنيات الذكاء الاصطناعي الذي تم تنظيمه بالتعاون مع شرطة أبوظبي.
وناقشت الجلسة الأولى “الدور التشريعي للمجالس التشريعية الخليجية في حوكمة الذكاء الاصطناعي الواقع، التحديات، وآفاقه المستقبلية”، والتي أدارها سعادة الدكتور سيف سعيد المهيري الأمين العام المساعد للتشريع والرقابة في المجلس الوطني الاتحادي، وتحدث فيها سعادة كل من الدكتورة إشراق الرفاعي عضو مجلس الشورى السعودي، وسعادة وليد المنصوري عضو المجلس الوطني الاتحادي، وسعادة الدكتور أحمد السعدي عضو مجلس الشورى العماني، وسعادة صادق عيد آل رحمه عضو مجلس الشورى البحريني، والسيد محمد إبراهيم الشيخ مدير إدارة التشريع في مجلس الشورى القطري.
وأكد المشاركون في الجلسة حرص المجالس التشريعية الخليجية على بناء منظومات متقدمة وآمنة لحوكمة الذكاء الاصطناعي، وأن المنظومات التشريعية في الخليج تتطور بشكل متسارع، وكل دولة تخطو بثقة نحو بناء أطر متكاملة لحوكمة الذكاء الاصطناعي، وأن هناك تحديات دقيقة تتطلب توازنًا بين الابتكار والمساءلة، لا سيما في القطاعات الحساسة، ويوجد توافق عام على أهمية التعاون الخليجي، سواء في توحيد المبادئ أو إطلاق أدوات مشتركة مثل نظام قانون استرشادي لحوكمة الذكاء الاصطناعي ومختبر الأثر التشريعي.
وقال معالي عمر سلطان العلماء وزير دولة للذكاء الاصطناعي والاقتصاد الرقمي وتطبيقات العمل عن بعد، في جلسة بعنوان “الشراكة التشريعية والتنفيذية في عصر الذكاء الاصطناعي- نحو تناغم برلماني حكومي فعال”، إن دولة الإمارات تعمل بفعالية مع الجميع للمستقبل بإيجابية وبإصرار وعزيمة، لوضع أفضل التشريعات للحد من التحديات واستثمار الفرص، مستعرضا نهج دولة الإمارات في التعامل مع أية تقنيات من خلال استثمار الفرص والتعامل مع التحديات، مؤكدا أهمية أن تكون التشريعات أسرع وأكثر استباقية وقادرة على متابعة هذه التقنيات.
وقال معاليه ” إن دولة الإمارات تدمج الذكاء الاصطناعي في صنع القرار الحكومي وقامت بمنح عضوية استشارية للذكاء الاصطناعي في مجلس الوزراء، وأنها لا تكتفي بالاستجابة للمتغيرات بل هي صانعة للأساس الذي تبنى عليه التحولات الكبرى، وأطلقت الدولة الميثاق الوطني لتطوير استخدام الذكاء الاصطناعي، وأول منظومة تشريعية ذكية متكاملة لتطوير التشريعات والقوانين في الحكومة، ووضعت سياسة اللجنة الوطنية للانتخابات باستخدام الذكاء الاصطناعي”.
وأشار إلى أهمية التكامل بين الأطر التشريعية والتنفيذية لضمان حوكمة رشيدة لتقنيات الذكاء الاصطناعي مع تسليط الضوء على آليات التنسيق المثلى بين الجهات الحكومية والبرلمانية لصياغة منظومة تشريعية مرنة تواكب التطور التكنولوجي المتسارع وتحمي مصالح المجتمع.
واستعرض التجربة الإماراتية بين النماذج العالمية الكبرى في تطبيق تشريعات الذكاء الاصطناعي، مؤكدا أن الإمارات تقدم مسارا ثابتا متوازنا بتشريعات استباقية مرنة ببعد دولي واضح.
وتحدث السيد غابرييل مازيني المصمم والمؤلف – قانون الذكاء الاصطناعي الأوروبي لتنظيم الذكاء الاصطناعي، في جلسة بعنوان “نحو إطار تشريعي خليجي موحد للذكاء الاصطناعي دروس من قانون الذكاء الاصطناعي الأوروبي”، عن مسألة بناء إطار تشريعي خليجي موحد للذكاء الاصطناعي، مستعرضا التجربة الأوروبية في وضع أول تشريع ينظم استخدام هذه التقنيات على مستوى عالمي، مشيرا إلى كيفية تكييف تلك التجربة بما يتناسب مع خصوصية البيئة الخليجية، وتعزيز التكامل التشريعي بين دول المجلس لضمان الاستخدام الآمن والمسؤول للذكاء الاصطناعي، ودعم تنافسية المنطقة في الاقتصاد الرقمي العالمي.
وتناول سعادة المهندس ناصر الراشدي رئيس تنفيذي في شركة أي آر فايف للاستشارات والتدريب، في جلسة بعنوان “موضوع الذكاء الاصطناعي والمجتمع”، التجربة الشخصية للمتحدث في عالم الذكاء الاصطناعي، مستعرضا عددا من الدوافع والقصص الواقعية التي قادته إلى هذا المجال، كما تناول التحديات التي واجهها في تنفيذ مشاريع ذات بعد اجتماعي، مع تسليط الضوء على المهارات الإنسانية التي ستظل ذات أهمية متزايدة في عصر الذكاء الاصطناعي.
وعقدت جلسة حول “الرئيس التنفيذي في عصر الذكاء الاصطناعي : قيادة التحول” أدارتها الإعلامية أميرة محمد، وتحدث فيها سعادة مباركة إبراهيم المدير التنفيذي لقطاع الاتصالات والرئيس التنفيذي للذكاء الاصطناعي في مؤسسة الإمارات للخدمات الصحية، وسعادة محمد الشارد المدير التنفيذي لقطاع رقمنة الموارد البشرية في الهيئة الاتحادية للموارد البشرية الحكومية، وسعادة المهندس مطر المهيري الأمين العام المساعد للتطوير المؤسسي في الأمانة العامة للمجلس الوطني الاتحادي.
واستعرضوا الدور المحوري للمديرين التنفيذيين في قيادة التحول الرقمي داخل مؤسساتهم، من خلال تبادل الخبرات والرؤى حول بناء الثقافة المؤسسية المناسبة، وصياغة الإستراتيجيات الفعالة، ومعالجة تحديات إعادة هيكلة القوى العاملة في ظل ثورة الذكاء الاصطناعي.
وأكدوا أهمية استخدام الأمن والمسؤول للذكاء الاصطناعي خاصة في القطاعات الحيوية، وتطبيق التشريعات وتطوير السياسات، والتركيز على التدريب والتأهيل للموارد البشرية والتأني في التعامل مع الذكاء الاصطناعي واختيار الأفضل والتركيز على الإنسان، وأن يكون هناك إستراتيجية لدى المؤسسات الحكومية للتعامل مع الذكاء الاصطناعي.
للمزيد: تابع موقع نبض الخليج ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر
مصدر المعلومات والصور : شبكة المعلومات الدولية