«نبض الخليج»
وحتى لو توقف العالم عن حرق الفحم والنفط والغاز غدا، فإن إنتاج ما نأكله سيظل كافيا لتدفئة المناخ بأكثر من 1.5 درجة مئوية. هذا هو التحذير الصارخ من لجنة لانسيت، وهي لجنة تضم أكثر من 70 عالما بارزا في جميع أنحاء العالم، والتي نشرت مؤخرا تقييما شاملا لكيفية زعزعة العادات الغذائية لاستقرار الكوكب.
ويأتي ما يقرب من ثلث انبعاثات غازات الدفيئة العالمية من إنتاج الغذاء، بما في ذلك غاز الميثان الذي تنتجه الماشية، وقطع الغابات لإطعام الحيوانات، والطاقة الأحفورية المستخدمة في صنع الأسمدة.
ولا يقتصر الضرر على الانبعاثات: فالأنظمة الغذائية أصبحت الآن السبب الرئيسي وراء تجاوز البشرية لمساحة التشغيل الآمنة للأرض، والحواجز البيئية المعروفة باسم “حدود الكوكب”، مما يؤدي إلى فقدان التنوع البيولوجي، وتدهور الأراضي، وندرة المياه العذبة، وتلوث التربة.
نتائج صادمة
وقال العالم السويدي يوهان روكستروم، الذي شارك في رئاسة اللجنة، إن “النتائج صادمة”، موضحا أن “الغذاء وحده يمكن أن يدفعنا إلى ما هو أبعد من 1.5 درجة مئوية، لكن الطعام قادر أيضا على مساعدتنا في العودة”.
والحجة الرئيسية للعلماء هي أنه لا يزال من الممكن إطعام حوالي 10 مليارات شخص بنظام غذائي صحي ضمن نطاق التشغيل الآمن للأرض، وهو التحدي الذي لا تستطيع النظم الغذائية الحالية مواجهته حتى في ظل المستويات السكانية الحالية.
ويعتمد “النظام الغذائي الصحي العالمي” الذي يقترحه العلماء بشكل كبير على الفواكه والخضراوات والبقوليات والمكسرات، مع كميات متواضعة من منتجات الألبان والدواجن والأسماك، وكميات أقل بكثير من اللحوم الحمراء والمصنعة.
ويقدر العلماء أن اتباع هذا النمط يمكن أن يمنع ما يصل إلى 15 مليون حالة وفاة مبكرة كل عام، في حين يخفض الانبعاثات المرتبطة بالغذاء بأكثر من النصف.
وقدر العلماء التكلفة السنوية لهذا النمط بما يتراوح بين 200 مليار و500 مليار دولار.
التغيرات الغذائية
من جهته، أكد عالم الأوبئة في جامعة هارفارد والتر ويليت، الذي شارك أيضا في رئاسة اللجنة، أن الأمر لا يتعلق بفرض “أسلوب حياة شبه نباتي”، مشيرا إلى أنه يمكن تكييف النظام الغذائي مع التقاليد المحلية – من البحر الأبيض المتوسط إلى آسيا – لكن الاتجاه العام واضح: المزيد من النباتات، ولحوم أقل وسكر أقل.
الكثير من هذه الرسالة ليس جديدا. ودعا التقرير الأصلي للجنة Eat Lancet لعام 2019 إلى تغييرات جذرية في النظام الغذائي، خاصة في أوروبا وأمريكا الشمالية، حيث يتجاوز استهلاك اللحوم ومنتجات الألبان المعايير العالمية. ما تغير هو ثقل الأدلة، والشعور بأن السياسة قد تحركت في الاتجاه المعاكس.
تصدرت نسخة 2019 عناوين الأخبار العالمية وأثارت ردود فعل عنيفة من المهتمين باللحوم ومنتجات الألبان. ووصفت شركات العلاقات العامة والأكاديميون المرتبطون بالصناعة مقترحات مجلة لانسيت بأنها نخبوية وغير واقعية ومناهضة للمزارعين. وقال ويليت إن هناك «محاولة مدبرة مرة أخرى، وهذه المرة لتشويه النتائج».
الصفقة الخضراء
إن أوروبا تجسد الطموح والانحدار في وقت واحد. تم تضمين دراسة Eat Lancet الأصلية مباشرة في استراتيجية الاتحاد الأوروبي من المزرعة إلى الشوكة، التي تم إطلاقها في عام 2020 كجزء من الصفقة الخضراء التي صاغتها رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين.
ووعدت الخطة بجعل النظام الغذائي في أوروبا “عادلا وصحيا وصديقا للبيئة” من خلال خفض استخدام المبيدات الحشرية إلى النصف وتقليل الأسمدة وتوسيع الزراعة العضوية وتعزيز النظم الغذائية الصحية.
وبعد خمس سنوات، انتهى عصر “من المزرعة إلى المائدة”. وفي مواجهة احتجاجات المزارعين، والضغوط الصناعية المنسقة، والتداعيات السياسية الناجمة عن الحرب الروسية في أوكرانيا، تراجع الاتحاد الأوروبي بهدوء عن إصلاحاته الغذائية الأكثر طموحا.
وبدلا من ذلك، عادت الكتلة إلى معاركها المعتادة حول ما إذا كان ينبغي وضع حد للدعم الزراعي، وكيفية التعامل مع الواردات من أوكرانيا أو أمريكا اللاتينية، وكيفية تهدئة المزارعين الغاضبين في فرنسا وألمانيا وبولندا. ويأتي هذا في وقت يحذر فيه علماء الاتحاد الأوروبي أنفسهم من أن الزراعة هي المحرك الرئيسي لفقدان التنوع البيولوجي وتدهور المياه والتربة. لكن بينما تراجعت أوروبا، فإن القارة تتحمل أيضا جزءا كبيرا من عبء الأضرار البيئية الناجمة عن النظم الغذائية، وهو ما تؤكده النتائج التي توصل إليها التقرير بأن أغنى 30% من سكان العالم يولدون أكثر من 70% من هذه الأضرار.
وقال العالم والتر ويليت: “إذا تبنت الاقتصادات سريعة النمو الأنظمة الغذائية الغربية الغنية باللحوم، فهذا هو الطريق إلى كارثة بيئية وصحية”. عن “بوليتيكو”
عامل التوتر
وأكدت لجنة لانسيت أن الغذاء يشكل عامل ضغط، وليس مجرد عبئ، حيث تشير تقديرات العلماء إلى أن التحولات السريعة في الأنظمة الغذائية والممارسات الزراعية والنفايات يمكن أن تحقق نحو خمسة تريليونات دولار سنويا من الفوائد الصحية والبيئية.
وقالت شاكونتالا ثيلستيد، الرئيس المشارك للجنة EAT Lancet: “إن الغذاء هو جوهر رفاهية الإنسان وصحة الكوكب، ويجب علينا أن نضمن الحق في الغذاء والعمل العادل وبيئة صحية للجميع”.
• يعتمد “النظام الغذائي الصحي العالمي” المقترح على الفواكه والخضراوات والبقوليات والمكسرات، مع كميات متواضعة من منتجات الألبان والدواجن والأسماك، وكميات أقل بكثير من اللحوم الحمراء.
للمزيد: تابع موقع نبض الخليج ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر
مصدر المعلومات والصور : شبكة المعلومات الدولية