جدول المحتويات
«نبض الخليج»
في ظلّ تزايد عودة السوريين من تركيا ودول اللجوء الأخرى، ومع تصاعد الحاجة إلى ترجمة الوثائق الرسمية لأغراض التعليم والمعاملات القانونية، تحوّلت مكاتب الترجمة في سوريا إلى محطة إلزامية لا بدّ منها لكل عائد يسعى لتسوية أوراقه.
لكن خلف الأبواب المزوّدة بختم “الترجمان المحلّف” تدور معاناة أخرى، عنوانها الأبرز ارتفاع التكاليف وغياب الرقابة. فبينما يصفها البعض بـ”مكاتب الجزّارين” نظراً للأسعار الفلكية التي تفرضها، يرى أصحابها أنهم مجرد وسطاء يتحمّلون عبء الاحتكار والقيود الإدارية.
الشاب معن عبد الغفور يقول لموقع تلفزيون سوريا إنه اضطر لدفع رزمة كبيرة من النقود لمكتب الترجمة، قيمة ترجمة أوراق أبنائه الأربعة العائدين من تركيا، ويجرون معاملاتهم المعقّدة من أجل المفاضلة الجامعيّة والنقل الجامعي المماثل.
يشير معن إلى أنّ أوراق الترجمة كلّفته أكثر من مليوني ليرة سوريّة ونصف، أي ما يعادل 200 دولار تقريبًا، ينظر إلى كيس النقود مبتسمًا ويتمتم “سآخذه كما أعطاني إياه مكتب الصرافة، وأدفعه إلى الجزّار”، وكيس النقود أمر اعتاد عليه السوريون، إذ أصبحوا يحملون الأموال بأكياس الخضار والفواكه بعد انهيار العملة.
أمّا ربا فالأمر مختلف لديها، تقول لموقع تلفزيون سوريا بأنها استلمت حوالة ماليّة من ابنها المقيم في إحدى دول الاتحاد الأوروبي لدفع أجور الترجمة وإتمام معاملة المفاضلة الجامعيّة لابنتها.
من يحدّد الأسعار؟
تُعد مهنة الترجمة المحلفة في سوريا من المهن الحساسة والضرورية، خاصة في ظل الظروف الراهنة التي تتطلب توثيق العديد من المستندات الرسمية للأغراض التعليمية أو القانونية أو الهجرة، ومع ذلك، يواجه العائدون تحديات كبيرة تتعلق بتكاليف الترجمة الباهظة، مما يثير تساؤلات حول الجهات التي تحدد هذه الأسعار والآليات القانونية التي تحكم عمل مكاتب الترجمة.
يقول صاحب أحد مكاتب الترجمة المنتشرة في منطقة المرجة وسط العاصمة دمشق، لموقع تلفزيون سوريا، إنّهم مطالبون بحسب اللوائح والقوانين بوضع لائحة أسعار للترجمة، لكنّهم غير مطالبين بالتقيّد بسعر محدّد، ولا يمكن تحديد أسعار الترجمة، فقد تجد وثيقة تحتوي على 100 كلمة وأخرى تحتوي على 600 كلمة.
ومع أنّ القوانين الناظمة تنص على وضع لوائح واضحة لأسعار الترجمة فإنّ المكاتب لا تلتزم بذلك أبدا، إذ تخلو جميع مكاتب الترجمة في منطقة المرجة من لائحة أسعار واضحة للترجمة، بحسب ما رصده موقع تلفزيون سوريا.
يقول مراجع لتلك المكاتب، لموقع تلفزيون سوريا، إنّ الأسعار تخضع للبازار، مضيفا أنّ أحد المكاتب طلب منه مبلغ 250 ألف ليرة سوريّة (21 دولارا تقريبا) لترجمة وثيقة واحدة، بينما استطاع بعد جولة بازار في مكتب آخر أن يترجمها بمبلغ 150 الف ليرة سوريّة (13 دولارا تقريبا)
الواقع بين القانون والتطبيق
على الرغم من وجود إطار قانوني ينظم مهنة الترجمة المحلفة وشروط افتتاح المكاتب، إلا أن الواقع الذي يصفه المتعاملون مع هذه المكاتب يثير العديد من التساؤلات، فالشكاوى المتكررة حول الأسعار المرتفعة، كما في حالة معن عبد الغفور وربا، تشير إلى وجود فجوة بين التنظيم القانوني والممارسات الفعلية، فالعبارة الدارجة “مكاتب الجزّارين” تعكس استياءً كبيرا من التكاليف الباهظة التي يفرضها بعض أصحاب المكاتب.
يقول الترجمان المحلّف في في ولاية هاتاي بتركيا، حسان التركماني، لموقع تلفزيون سوريا، إنّ جزءا من هذه المشكلة قد يعود إلى قلة عدد المترجمين المحلفين المعتمدين للغات معينة، مثل اللغة التركية، مما يخلق احتكارًا ويسمح للمكاتب بفرض أسعار مرتفعة، كما أن الحاجة الملحة للترجمة الرسمية، خاصة للمستندات المتعلقة بالتعليم أو الإقامة، تضع المواطنين في موقف ضعف، حيث يضطرون لدفع أي ثمن لإنجاز معاملاتهم.
ويضيف أنّه لو اعتمدت الموسسات الرسميّة الوثائق المترجمة والمصدّقة في دول اللجوء، لخفّف هذا كثيرا عن العائدين، فأسعار الترجمة في دول اللجوء تكاد تصل إلى نصف أسعار سوريا، فضلا عن أنّ الدخل في تركيا مرتفع مقارنة بسوريا، لذلك لن تشكّل أجور الترجمة عبئا على طالب الترجمة.
ويضيف أنّ العدد الكبير للعائدين من تركيا شكّل طلبا كبيرا على السوق، مما دفع بأصحاب مكاتب الترجمة إلى رفع الأسعار بشكل جنوني لايتناسب مع الدخل في سوريا.
من جانب آخر، يشير أصحاب المكاتب إلى أن جزءًا كبيرًا من الأجور يذهب إلى المكتب الوحيد الذي يمتلك ختمًا للترجمة من لغات معينة، مما يجعلهم مجرد وسطاء يحصلون على عمولة بسيطة، وهذا يلقي الضوء على هيكلية السوق، حيث قد تكون هناك مستويات مختلفة من الاعتماد والترخيص، مما يؤثر على سلسلة الطلب والتسعير.
دور وزارة العدل والجهات الرقابية
تتولى وزارة العدل في سوريا مسؤولية الإشراف على مهنة الترجمة المحلفة، من خلال لجنة شؤون المترجمين التي تشكل بقرار من الوزير، تختص هذه اللجنة بقيد المترجمين، ومراقبة أعمالهم، والاطلاع على سجلات الترجمة، والنظر في الشكاوى المتعلقة بهم.
ومع ذلك، يبدو أن هناك حاجة ماسة لتفعيل دور هذه اللجان الرقابية بشكل أكبر، خاصة فيما يتعلق بتحديد سقف للأسعار أو وضع آليات واضحة لتسعير خدمات الترجمة، بما يضمن العدالة للمواطنين ويحد من الاستغلال، كما أن زيادة عدد المترجمين المحلفين المعتمدين، خاصة في اللغات التي تشهد طلبًا مرتفعًا، يمكن أن يساهم في كسر الاحتكار وتخفيض الأسعار.
يقول حسان التركماني إن التحديات التي يواجهها المواطنون السوريون في الحصول على خدمات الترجمة المحلفة، والتي تتجلى في التكاليف الباهظة والشكاوى المتكررة، تستدعي مراجعة شاملة للإطار التنظيمي والتطبيقي لهذه المهنة، فبينما توجد قوانين وشروط واضحة لترخيص المترجمين والمكاتب، فإن الفجوة بين هذه القوانين والواقع المعيشي للمواطنين تتسع.
ويرى أنّ الأمر يتطلب تضافر الجهود من قبل الجهات الحكومية، ممثلة بوزارة العدل، والمترجمين أنفسهم، لإيجاد حلول تضمن تقديم خدمات ترجمة عالية الجودة بأسعار عادلة، وتحمي المواطنين من الاستغلال، وتعيد الثقة إلى مهنة حيوية لا غنى عنها.
وفي ظل هذا الواقع، يتساءل معن عبد الغفور “كم من الأكياس المليئة بالنقود سندفعها حتّى نتمكّن من تسجيل أولادنا في الجامعات والمدارس؟ وهل هذا هو الأمر الطبيعي أم أننا ضحيّة قرارات خاطئة ومكاتب ترجمة لا يتطبق عليها سوى اسم مكاتب الجزّارين؟”.
للمزيد: تابع موقع نبض الخليج ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر
مصدر المعلومات والصور : شبكة المعلومات الدولية