حين نرى وردةً متفتحة، تخطف الأبصار بعطرها وجمالها، قد نندفع لقطفها، غير آبهين بأن أول ما نفعله هو إزالة شوكها حتى يسهل علينا الإمساك بها.
نظن أن الشوك عيبٌ في جمالها، فننـزعه دون تفكير، ونترك في ساقها جراحًا غائرة لا تلتئم.
لكن الحقيقة أن الشوك لم يكن عيبًا، بل كان جزءًا أصيلاً من طبيعتها، يحميها من الأذى ويمنحها اتزانها في عالم لا يرحم الرقة.
وهكذا يفعل بعض الناس في تعاملهم مع الآخرين؛
يقتربون من أحدهم بإعجاب، ثم يحاولون أن “يُشكّلوه” كما يريدون، فيقصّون من شخصيته ما لا يروق لهم، ويُهذّبون ما لا يتوافق مع أهوائهم، ظنًّا منهم أنهم يُحسنون صنعًا.
غير أنهم، دون أن يشعروا، يُجرّدونه من ذاته، ويتركون في روحه ندوبًا أشد ألمًا من جراح الساق المقطوفة.
القبول لا يعني التنازل، ولا يعني أن نُعجب بكل ما في الآخر،
بل يعني أن نؤمن أن الاختلاف جزء من طبيعة البشر، وأن الجمال في التنوع لا في النسخ المتطابقة.
فمن أراد علاقة إنسانية ناضجة — حبًا كانت أم صداقة أم شراكة — فعليه أن يتعلم كيف يتعامل مع “الشوك” لا أن ينزعه.
فالشخص الذي تحاول تعديله ليتناسب معك، لن يبقى هو نفسه بعد التعديل، ولن تبقى أنت كذلك بعد أن تُرهق محاولتك.
الحياة لا تحتاج إلى مزيد من “المشاريع البشرية المعدّلة”، بل إلى مزيد من القلوب التي تتّسع لتقبّل الآخر كما هو.
فمن لا يحتمل اختلاف الناس، لا يمكنه أن يحتمل نفسه حين يتغيّر مع الزمن.
إننا حين نُقلم الشوك لنمسك بالوردة براحة، نخسر شيئًا من حقيقتها،
وحين نحاول تغيير الآخرين لنرتاح نحن، نخسر صدق العلاقة وجمالها.
فلنقبل الناس كما خُلقوا،
بشوكهم قبل عطرهم، وبطباعهم قبل مظهرهم،
ولنتذكّر دائمًا أن الشوك لا ينتقص من جمال الوردة،
بل هو ما يحميها لتبقى جميلة.