«نبض الخليج»
لم يقدَّر للأميركية من أصل إيراني، ريبيكا شريعة طالقاني، أن ترى كتابها “أدب السجون السوري: بويطيقا حقوق الإنسان” بالعربية، بعد أن ترجمه حازم نهار وصدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات قبل أشهر، ذلك أن الموت خطفها، عام 2023، بعد سنتين من ظهور كتابها هذا بالإنكليزية، مستمداً من أطروحة الدكتوراه التي قدّمتها في جامعة نيويورك، عام 2009.
طالقاني، القادمة من العالم المنظم للتقارير الحقوقية، رأت أن التركيز على التوثيق بطريقة منظمات حقوق الإنسان يمكن أن يطمس، من دون قصد، أصوات المعتقلين وتجاربهم وآلامهم الشخصية وهواجسهم وقلقهم ولحظات ضعفهم وهشاشتهم ووسائل مقاومتهم، لذلك أرادت دراسة “البويطيقا” المتصلة بالموضوع، لا بمعنى “الشاعرية” الحرفي، بل بتناول أشكال التعبير الإبداعي والإنتاج الثقافي كافة؛ الروايات والمذكرات والقصص القصيرة والشعر والمسرح والفنون البصرية التي تندرج تحت عنوان أدب السجون السوري، والذي كان أحد العناصر الرئيسية في ثقافة المعارضة السياسية وركناً رئيسياً من أركان الثورة.
تقول طالقاني إن أدب السجون نوع أدبي غير متبلور في الأدب العربي. إذ يمكن تحديده من خلال موضوعه؛ أي أنه النصوص عن التجربة السجنية بما في ذلك ما كتبه مؤلفون لم يعتقلوا قط..
ولذلك اختارت الأعمال التي ستعالجها من حقبة الأسدين حافظ وبشار، بداية من استيلاء الأب على الحكم في العام 1970، رغم أن الكتابات الأولى عن السجن في سوريا، من مذكرات ورسائل وقصائد قليلة، تعود إلى أوائل القرن العشرين.
تقول طالقاني إن أدب السجون نوع أدبي غير متبلور في الأدب العربي. إذ يمكن تحديده من خلال موضوعه؛ أي أنه النصوص عن التجربة السجنية بما في ذلك ما كتبه مؤلفون لم يعتقلوا قط، كما يمكن تحديده بحسب مكان إنتاجه وزمانه؛ بمعنى النصوص التي كتبها مؤلفون في أثناء وجودهم في السجن، ومن ضمنها النصوص التي ربما لا تشير مباشرة إلى تجربة الاعتقال.
وتنقل أن الارتباط بين الإنتاج الأدبي والواقعية الاجتماعية بوصفها أداة للمشاركة السياسية، لا سيما في سوريا، أدى إلى تسييس كثيف للأدب، فصار هذا النوع من الكتابة شكلاً من أشكال مقاومة القمع، ووسيلة لتقديم رواية مضادة للتاريخ الرسمي، لكنه ظل تدخلاً جمالياً ضد انتهاكات حقوق الإنسان.
فقد نمّى العديد من السجناء مهارة التأليف الشفوي التي أتاحت لهم مقاومة الجدران إذا كانوا محرومين من أدوات الكتابة، ريثما يخرجوا ويدوّنوها. في حين تسعى تقارير حقوق الإنسان إلى رسم خرائط ومعايير وإحصاءات وعرض المواقع الجغرافية التي حصلت فيها الانتهاكات.
وفي الآونة الأخيرة بدأت برسم خرائط دقيقة لأماكن التعذيب والاحتجاز باستخدام صور الأقمار الصناعية، ويسمح الشكل الجديد من التقارير الرقمية التفاعلية بإدماج السجين بصفته فرداً متكلماً، إذ قدّم بعض الكتّاب وصفاً سردياً شبيهاً بالمخطط لبعض السجون يشبه، في بعض النواحي، تقارير حقوق الإنسان، تضمّن وصف الهيئة الخارجية وأبعاد الغرف والزنازن.
وبمقارنة أخرى ذات دلالة ظهر مصطلح “أدب السجون” لأوّل مرة في الفضاء النقدي السوري، عام 1973، وبعد ثلاث سنوات أسست نقابة المحامين السوريين، أوّل جمعية رسمية من نوعها في البلاد تحت اسم “لجنة حقوق الإنسان”.
يتناول الكتاب معظم ما نعرفه من الكتب الشهيرة في مجاله، مثل “خيانات اللغة والصمت” لفرج بيرقدار، الذي وثّق في مذكراته هذه التعذيب الذي تعرّض له والعقوبات غير العادية التي عاناها وشهدها، في حين سجلت حكاية تهريب قصائد مجموعته الشعرية “حمامة مطلَقة الجناحين”، وطباعتها في الخارج واقعة حظيت باهتمام واسع.
وكذلك “بالخلاص يا شباب: ستة عشر عاماً في السجون السورية” لياسين الحاج صالح، ويضم مقالات كتبها على مدى سنوات عديدة بعد الإفراج عنه، إضافة إلى مقابلات يتحدث فيها عن السجن وعن أحوال المعتقلين السياسيين السابقين.
والمجموعات القصصية لإبراهيم صموئيل، الذي تعدّه المؤلفة الأشهر، ربما، بين مؤلفي أدب السجون السوري، والمجموعات القصصية لجميل حتمل الذي دمج السجن بالمنفى الفرنسي الذي توفي فيه شاباً.
ومجموعة “أصابع الموز” القصصية لغسان الجباعي الذي جرّب هنا طيفاً من السرديات بين الواقعية والرمزية السريالية، و”توقاً إلى الحياة” لعباس عباس، والذي ضم مجموعة أوراق ومقالات وقصص عن السجن ونشر بعد وفاة مؤلفه بسنوات، ونص “دُوار الحرية” لمالك داغستاني، الذي خرج من الحبكة التقليدية لرواية السجن، من الاعتقال حتى الإفراج، إلى الفانتازيا.
وكذلك “نيغاتيف: من ذاكرة المعتقلات السوريات” لروزا ياسين حسن، التي تصنّف عملها على أنه نوع من الرواية التوثيقية لأنه يقدّم الشهادات الشفوية كما هي، و”خمس دقائق وحسب: تسع سنوات في سجون سوريا” لهبة الدباغ، المعتقلة الإسلامية رهينة عن أخيها.
وتعرض الكاتبة تجربة مجموعة “أبو نضارة” لصناعة الأفلام، التي أنتجت مئات الفيديوهات القصيرة عن القمع والثورة والحرب والتهجير..
و”الشرنقة” لحسيبة عبد الرحمن التي تتحدث عن سيرتها الذاتية في أول نص كتبته سجينة سياسية سورية، وأثار كثيراً من النقد عندئذ في حين دافعت صاحبته بالقول إنها لن تستطيع تصوير أبطال في زمن الهزائم.
وعن السجن الصحراوي الرهيب “تدمر: شاهد ومشهود” مذكرات الإخواني الأردني محمد سليم حماد، و”من تدمر إلى هارفارد: رحلة سجين عديم الرأي” لبراء السرّاج، الذي يقدّم وصفاً دقيقاً وشمولياً مكتوباً بلغة وصفية واضحة ومزوداً بصور القمر الصناعي المأخوذة عن غوغل إيرث لسجن تدمر وسواه، و”القوقعة: يوميات متلصص” لمصطفى خليفة، الذي كتب أول رواية تركّز على سجن تدمر واصفاً روتينه اليومي الذي قد يؤدي إلى الموت في أي لحظة.
والفيلم الوثائقي “رحلة في الذاكرة” لهالة محمد عن سجن تدمر. وفيلم “تدمر” للقمان سليم ومونيكا بورغمان، الذي نفّذه سجناء لبنانيون ناجون.
وتعرض الكاتبة تجربة مجموعة “أبو نضارة” لصناعة الأفلام، التي أنتجت مئات الفيديوهات القصيرة عن القمع والثورة والحرب والتهجير، وتختم بفيلم “سلّم إلى دمشق” للمخرج الشهير محمد ملص، والذي يحكي قصص شبان وشابات من بيئات مختلفة كانوا يعيشون في بيت قديم في أثناء بدايات الثورة.
للمزيد: تابع موقع نبض الخليج ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر
مصدر المعلومات والصور : شبكة المعلومات الدولية