جدول المحتويات
«نبض الخليج»
لم يصدر في سوريا أي قرار قانوني صريح يمنع الأشخاص الصم من قيادة السيارات، إلا أن هذا الغياب القانوني لم يمنع تحول ما يمكن تسميته بـ”القرار الاعتباطي” إلى واقع عملي فرضته إجراءات إدارية غامضة داخل مديريات المرور خلال فترة حكم النظام البائد.
إذ وجد الصم أنفسهم على مدار سنوات أمام شروط غير مكتوبة ومعايير متقلبة، وقرارات تتخذ شفهيًا دون أي سند تشريعي واضح، ما جعل حقهم في الحصول على رخصة قيادة أو تجديدها رهنًا لتقديرات فردية غير موحدة ولا تخضع لأي إطار قانوني ثابت.
وزاد الوضع تعقيدًا مع وجود اشتراطات طبية متباينة ونسب “اعتباطية” لفقدان السمع، بالإضافة إلى لجان لا تمتلك آليات تواصل مناسبة مع فئة تواجه صعوبات أصلاً في الوصول إلى المعلومات غير الدقيقة وفهم الإجراءات البيروقراطية.
وفي ظل غياب أي تفسير رسمي، تحول المسار الإداري إلى حلقة مفرغة من التأجيل والمراجعات المتكررة مع وعود بإصدار “قرار لاحق” لم يرَ النور، ليفتح الفراغ القانوني الباب على ظهور ممارسات غير رسمية، دفعت بعض المتضررين للجوء إلى حلول استثنائية خارج المسار القانوني، قبل أن تلغى هذه الاستثناءات لاحقًا بشكل كامل، ويبقى الجميع في حالة تعليق جماعي بلا إجابات واضحة.
ومع سقوط النظام، زاد الالتباس وظهرت اعتقادات لدى كثيرين بوجود قرار يمنع الصم من القيادة، بينما تشير الوقائع إلى أن الملف مجمد بشكل عام دون تمييز بين فئة وأخرى.
حقوق الصم والبكم بين إرث النظام المخلوع والأمل بالتغيير
أميرة فيصل( 52 عاماً ) ربة منزل ومتطوعة في جمعية رعاية الصم بريف دمشق، تجسد تجربة الصم مع القيود الإدارية التي خلفها النظام السابق، وتروي معاناتها في استعادة حقها في القيادة.
أوضحت لموقع تلفزيون سوريا أنها كانت تمتلك رخصة قيادة في السابق، لكنها لم تتمكن من تجديدها خلال فترة النظام البائد.
وأضافت أنها اكتشفت هذا الواقع من خلال زوجها وابنها الصم، مؤكدة أن القرار لم يؤثر عليها فقط، بل شمل جميع أصدقائها من الأشخاص الصم الذين كانوا يقودون أو يسعون للحصول على رخصة قيادة، رغم اجتيازهم التدريبات اللازمة في مدارس القيادة ومعرفتهم بأساسيات القيادة بشكل جيد.
وقالت أميرة “كل أصدقائي في دول مجاورة وغير مجاورة يقودون سيارات بكل سهولة، أما نحن فمحرومون رغم أننا جزء من هذا الوطن، ليش نحنا بس”، وطرحت مثالًا عن صديق لها أصم، اضطر لمغادرة البلاد إلى دولة الإمارات، وهو الآن يقود سيارته هناك بشكل طبيعي، ما يوضح لها أن الأمر ليس استحالة طبيعية بل عائق إداري وسياسي.
وأكدت أنهك يتطلعون إلى أن يصبح هذا الحق جزءا من التغيير الذي يصاحب سقوط النظام، مؤمنة أن إصلاح هذه الممارسات يجب أن يكون جزءا من إعادة الاعتبار لحقوق المواطنين الصم في سوريا.
إجراء بلا سند قانوني ورثته المؤسسات السورية
بعيدا عن النصوص القانونية والجدل الإداري، تكشف تجارب الصم اليومية حجم التأثير الذي يخلفه هذا الملف على حياتهم العملية والاجتماعية.
لؤي يوسف متزوج وأب لعدد من الأطفال بينهم أطفال صم، أوضح في حديثه لموقع تلفزيون سوريا، أنه يقيم في ريف دمشق بمنطقة عدرا العمالية، ويعمل في صيانة الكهربائيات والماكينات، إلا أن ظروفه المهنية تراجعت مؤخرًا إلى حد شبه التوقف نتيجة صعوبات التنقل.
ويشير يوسف إلى أنه ناشط ومتطوع ضمن جمعية الصم بدمشق، ويسعى من خلال عمله المجتمعي إلى دعم الأشخاص ذوي الإعاقة السمعية، مؤكدًا أن امتلاك رخصة قيادة يشكل حاجة ملحة للصم، سواء في إطار العمل أو في تسيير شؤون الحياة اليومية، بما في ذلك نقل الأشخاص الصم والأطفال وتلبية احتياجاتهم الأساسية.
كما يلفت إلى ضرورة تحسين آليات التواصل بين الجهات الرسمية ومجتمع الصم، عبر توفير ترجمة للقرارات والتعليمات والأخبار العامة، إلى جانب إشراكهم في صياغة السياسات التي تمس حياتهم بشكل مباشر.
وختم حديثه يوسف بدعوة الجهات المعنية إلى التعامل مع ملف قيادة الصم بوصفه حقًا مدنيًا، مشددًا على أنّ الصم مواطنون كاملو الحقوق، وجزء لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي السوري.
الصم والبكم في سوريا.. حقوق دون أثر
في السياق نفسه، يلفت مازن رسلان المتزوج وأبّ لأطفال صم أيضاً، في حديثه لموقع تلفزيون سوريا، إلى أنه كان يعمل سابقًا في مجال الموزاييك والمفروشات، قبل أن يخرج من سوق العمل في الفترة الأخيرة، مكتفيًا حاليًا بإدارة محل يملكه ويتقاضى بدل إيجاره.
ويعكس رسلان من خلال تجربته، جانبًا من التحديات الاقتصادية التي يواجهها الأشخاص الصم في ظل محدودية فرص العمل المتاحة لهم.
مؤكداً ن أحد أبرز مطالب مجتمع الصم يتمثل في توفير فرص عمل حقيقية لهم في القطاعين العام والخاص، مشيرًا إلى أن هذا الحق منصوص عليه أصلًا في مراسيم وتشريعات نافذة، إلا أنه غالبًا ما يتجاهل على أرض الواقع، حيث يستبعد الصم من التوظيف بحجة إعاقتهم السمعية، رغم امتلاك كثيرين منهم خبرات مهنية متنوعة، ووصول بعضهم إلى مراحل تعليمية متقدمة، بما في ذلك التعليم الجامعي.
كما شدد على أن صعوبات التعليم والتواصل مع الصم، ولا سيما في المراحل التعليمية المتقدمة، لا تزال دون حلول فعالة، ما يستدعي تدخلًا جديًا لتطوير آليات دعم تضمن استمرارية تعليمهم وعدم إقصائهم من التحصيل العلمي.
وفي هذا الإطار يدعو إلى تعزيز ثقافة التواصل مع الأشخاص الصم، خصوصًا داخل المؤسسات الحكومية، بما يسهل حصولهم على الخدمات المختلفة دون عوائق.
ويضيف رسلان أن دعم الحكومة للأشخاص الصم في مختلف القطاعات لم يعد خيارًا، بل ضرورة ملحة لمنع تهميشهم وإقصائهم، مؤكدًا أن مطلب الحصول على رخصة قيادة سيارة يشكل جزءًا أساسيًا من هذا الدعم، نظرًا لحاجة الصم إلى التنقل والعمل والاستقلالية شأنهم شأن أي مواطن آخر.
ويختم بالقول إن التجربة أثبتت أن الأشخاص الصم غالبًا ما يتميزون بانضباط أعلى والتزام أكبر بقوانين السير مقارنة بغيرهم، ما ينفي الذرائع المستخدمة لحرمانهم من هذا الحق.
آليات رسمية جديدة قيد الإقرار
في هذا الإطار تواصل تلفزيون سوريا مع المكتب الإعلامي في وزارة الصحة، الذي أوضح في تصريح خاص أنه حتى الآن لم تصدر أي قرارات جديدة، مشيرًا إلى أنه سيتم قريبًا تشكيل لجنة تضم ممثلين عن وزارات الصحة والداخلية والنقل، بهدف وضع إجراءات جديدة تسهّل حركة الأشخاص ذوي الإعاقة السمعية على الطرق العامة.
من جانبها أكدت وزارة الشؤون الاجتماعية أنها تعمل على تقديم حزمة متكاملة من الخدمات للأشخاص ذوي الإعاقة، بما في ذلك ذوي الإعاقة السمعية، من خلال المنظمات غير الحكومية والمعاهد التابعة للوزارة.
وتشمل هذه الخدمات التعليمية وفقًا لمنهاج وزارة التربية، مع الاستعانة بمعلمين لغة الإشارة داخل الصفوف، بالإضافة إلى الدعم النفسي والاجتماعي، كما يتم مساعدة ضعاف السمع في الحصول على المعين السمعي المناسب، وتأهيل الحالات القابلة للتواصل عن طريق الكلام واللغة، بهدف دمجهم في المجتمع على قدم المساواة مع الآخرين.
وعملت الوزارة بعد التحرير على تشكيل لجنة لإعداد القاموس الإشاري الموحد في سوريا، وما زال العمل جاريًا بهذا الخصوص.
وفيما يخص تجديد رخص القيادة، أفاد المكتب الإعلامي أنه يعمل على التباحث مع وزارة الداخلية حول إمكانية منح رخص قيادة وفق القوانين النافذة، مشيراً إلى أن قانون السير والمركبات في المادة 161 يجيز منح الأشخاص ذوي الإعاقة رخصة قيادة خاصة بعد اجتياز الفحص الطبي، الذي تجريه لجنة طبية تشكلها وزارة الصحة، للتحقق من أن الإعاقة لا تمنع الشخص من القيادة.
كما أوضح المكتب أن وزارة الداخلية خاطبت وزارة الصحة لتشكيل لجنة مشتركة لمراجعة هذا القرار ووضع آلية جديدة لتطوير عملية الفحص الصحي وتحديد شروط الحصول على الرخصة.
وأشار المسؤولون إلى أن المرسوم التشريعي رقم 19 لعام 2024 وضع إطارًا شاملًا لتحديد أدوار الجهات العامة والخاصة والأهلية في تقديم الخدمات للأشخاص ذوي الإعاقة، ومنع تداخلها بما يضمن حقوقهم ويدعم اندماجهم الاجتماعي والعيش المستقل والمشاركة الفاعلة في المجتمع.
كما أحدث المرسوم المجلس الوطني لشؤون الأشخاص ذوي الإعاقة كجهة رسمية تنسق بين كافة الجهات المعنية لضمان التزامها تجاه هذه الفئة. وأكدت الوزارة أنها خاطبت الأمانة العامة لرئاسة الجمهورية لتشكيل هذا المجلس، كما عملت على وضع معايير لاختيار الخبراء والمنظمات غير الحكومية وممثلي الأشخاص ذوي الإعاقة في المجلس، وأن مشروع قرار تشكيله قيد الرفع لإصداره رسميا.
للمزيد: تابع موقع نبض الخليج ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر
مصدر المعلومات والصور : شبكة المعلومات الدولية