جدول المحتويات
كتب: هاني كمال الدين
تستعد شركات النفط الكبرى حول العالم لدخول واحدة من أصعب الفترات في تاريخها منذ تفشي جائحة كوفيد-19، وذلك في ظل تراجع أرباحها بصورة حادة مقارنة بالأعوام السابقة، إلى جانب انخفاض أسعار النفط العالمية واهتزاز ثقة المستثمرين.
مع اقتراب موعد إعلان النتائج الفصلية، يتفاقم القلق في أروقة شركات الطاقة العملاقة التي تواجه تحديات متصاعدة بفعل تراجع الإيرادات وتضاؤل الآمال في استمرار توزيعات الأرباح السخية وعمليات إعادة شراء الأسهم التي ميزت الأعوام الماضية.
تراجع ضخم في الأرباح
تشير التقديرات إلى أن صافي الأرباح المعدل لأكبر خمس شركات نفط غربية – “إكسون موبيل”، “شل”، “توتال إنيرجي”، “شيفرون”، و”بي بي” – سيتراجع بمقدار 90 مليار دولار بين عامي 2022 و2024. ويعد هذا الانخفاض الحاد صدمة قوية بعد المكاسب التاريخية التي سجلتها هذه الشركات في أعقاب اندلاع الصراع في أوكرانيا عام 2022، والذي رفع أسعار النفط بشكل غير مسبوق.
ومع حلول عام 2025، تشير البيانات إلى أن هذه الشركات قد تشهد تراجعًا في معدلات الإنفاق على الاستكشاف والإنتاج لأول مرة منذ عام 2020، مما ينذر بمرحلة انكماش قد تطال مختلف جوانب صناعة النفط والغاز عالميًا.
تأثير الأسواق وضغوط أوبك
ساهم ارتفاع الإمدادات من دول “أوبك” وزيادة التوترات التجارية العالمية، خاصة في ظل عودة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في تضييق الخناق على شركات النفط الكبرى. في الشهر الحالي، هبط سعر خام برنت لفترة وجيزة إلى أقل من 60 دولارًا للبرميل، وسط توقعات بأن تنخفض الأسعار بأكثر من 20% خلال النصف الثاني من عام 2025 مقارنة بمتوسط السعر البالغ 81 دولارًا في العام السابق.
هذا الانخفاض الحاد في الأسعار دفع العديد من المستثمرين للتساؤل: هل يمكن لشركات النفط الكبرى الحفاظ على توزيعات أرباح مرتفعة وإعادة شراء الأسهم كما فعلت في السنوات السابقة؟
ردود أفعال متفاوتة من الشركات
في خطوة تعكس حجم التحديات، أعلنت شركة “إيني” الإيطالية، في نتائجها الفصلية الأخيرة، أنها ستخفض إنفاقها بما لا يقل عن 500 مليون دولار خلال العام الحالي، متوقعة أن يتراجع تدفقها النقدي بمقدار ملياري دولار، أي بنسبة 15%، عند سعر 65 دولارًا للبرميل. ورغم ذلك، تعهدت الشركة بالحفاظ على نفس مستوى العوائد للمساهمين، وهو ما وصفه محللو “إتش إس بي سي” بأنه “نموذج يُحتذى به”، غير أن هذا النموذج قد لا يكون متاحًا لجميع المنافسين بسبب ضعف ميزانياتهم.
أما شركة “شل”، فقد بدا أنها الأكثر استعدادًا للتعامل مع التراجع، حيث صرّح مديرها التنفيذي، وايل سوان، في مارس الماضي، بأن الشركة ستعيد نصف تدفقاتها النقدية إلى المستثمرين، حتى في حال انخفاض سعر النفط إلى 50 دولارًا، بل وستمضي قدمًا في برنامج إعادة شراء الأسهم مع المحافظة على توزيعات الأرباح عند سعر 40 دولارًا للبرميل.
ضغوط داخلية وخارجية على بعض الشركات
تواجه شركة “بي بي” البريطانية ضغوطًا متزايدة من صندوق “إليوت مانجمنت” الأمريكي، في ظل تعهدها بإعادة ما بين 30% و40% من تدفقاتها النقدية للمستثمرين عند سعر 71.50 دولارًا للبرميل. ووفقًا لبيان سابق للشركة، فإن كل دولار ينخفض من السعر المرجعي يعني تراجعًا في الأرباح بنحو 340 مليون دولار.
في الولايات المتحدة، يبدو أن “إكسون موبيل” قادرة على الاستمرار في توزيع العوائد حتى عام 2026، بفضل قاعدة أصولها القوية، بحسب محلل “تي دي كاوين” جيسون غيبلمان، بينما يتوقع أن تعيد “شيفرون” النظر في برامجها السابقة لإعادة شراء الأسهم، والتي كانت تتراوح بين 10 و20 مليار دولار عند سعر بين 60 و85 دولارًا للبرميل.
الشركات الصغرى في مرمى العاصفة
لم تقتصر الأزمة على شركات النفط الكبرى، بل امتدت إلى المنتجين الأصغر في قطاع النفط الصخري والشركات الخدمية. فقد أعربت كبرى شركات الخدمات النفطية الغربية الثلاث – “بيكر هيوز”، و”هاليبرتون”، و”إس إل بي” – عن قلقها بشأن المستقبل القريب، مشيرة إلى أن استمرار تدني الأسعار قد يؤدي إلى تقليص المشاريع وزيادة البطالة في القطاع.
ترقب كبير للنتائج الفصلية
تُعلن “بي بي” نتائجها الفصلية يوم الثلاثاء، تليها “توتال” يوم الأربعاء، ثم “شل”، “إكسون موبيل”، و”شيفرون” يوم الجمعة. ويرى معظم المحللين أن الأداء سيكون ضعيفًا في ظل البيئة الراهنة، غير أن المستثمرين يترقبون بشكل أكبر التوجهات المستقبلية، خاصة أن التراجع الحاد في أسعار النفط وقع بعد انتهاء فترة التقارير.
السيناريوهات المستقبلية
يبدو أن مستقبل شركات النفط الكبرى مرهون بعدة عوامل، من بينها التوجهات الجيوسياسية، وقرارات “أوبك+”، بالإضافة إلى الاستجابة الجماعية للقطاع تجاه الظروف الصعبة. وبينما تسعى بعض الشركات إلى تعزيز الانضباط المالي، يواجه القطاع برمته تحدي الحفاظ على ثقة المستثمرين في بيئة لا يمكن التنبؤ بها.
وفي حال استمر تراجع أسعار النفط، قد تجد هذه الشركات نفسها أمام خيارات صعبة، أبرزها تقليص البرامج التوسعية وتقليص التوزيعات النقدية، أو حتى خفض أعداد العاملين، مما سيترك أثرًا مباشرًا على الاقتصاد العالمي والأسواق المالية في الدول المعتمدة على الطاقة.
للمزيد: تابع موقع نبض الخليج ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر