جدول المحتويات
كتب: زيزي عبد الغفار
في خطوة علمية غير مسبوقة، طوّر باحثون من جامعة ماكاو مادة مبتكرة وواعدة تُعرف بـ”اللاصق السكري الطبي”، تسهم بشكل فعال في تجديد الأقراص الفقرية المتآكلة، والتي تُعد السبب الرئيسي وراء آلام الظهر المزمنة لدى ملايين الأشخاص حول العالم. وقد نُشرت تفاصيل هذا الابتكار الثوري في مجلة Nature Communications المرموقة، ما يعكس أهميته الأكاديمية والطبية على حد سواء.
آلام الظهر: معاناة مزمنة تزداد مع تقدم العمر
تشير الدراسات الطبية إلى أن تدهور الأقراص الفقرية، أو ما يُعرف بـ”الانزلاق الغضروفي التنكسي”، يتزايد مع التقدم في السن، ويعد من أكثر الحالات المسببة لآلام الظهر المزمنة وفقدان المرونة الحركية. هذه الحالة لا تؤثر فقط على الحركة اليومية للمريض، بل تُضعف جودة الحياة بشكل كبير، خاصة في المراحل المتقدمة من العمر.
الاكتشاف المفاجئ: بروتين MFG-E8 ودوره الحيوي
خلال أبحاثهم، لاحظ العلماء تراجعًا ملحوظًا في مستويات بروتين يُعرف بـ MFG-E8، وهو بروتين يلعب دورًا محوريًا في الحفاظ على تماسك الأنسجة في الأقراص الفقرية. يُشبه هذا البروتين بالجسر الجزيئي بين الخلايا والمادة خارج الخلوية، حيث يضمن تواصلًا فعالًا واستقرارًا بنيويًا لأنسجة العمود الفقري. غير أن انخفاض نسبته مع التقدم في السن يُسهم بشكل مباشر في تسارع عملية التدهور الفقري.
لاصق سكري طبي بمفعول مزدوج
من هنا انطلقت فكرة الفريق البحثي في تطوير مادة مستخلصة من الجلوكومانان، أطلقوا عليها اسم GMOC، والتي صُممت لتكون مقاومة للإنزيمات وتؤدي وظائف شبيهة بالغليكوزامينوغليكانات، وهي جزيئات طبيعية ضرورية لصحة الأقراص. لكن ما يجعل هذا اللاصق السكري الطبي فريدًا هو قدرته على تعزيز إنتاج MFG-E8 مجددًا داخل الأنسجة التالفة، ما يوقف سلسلة الانهيار ويحرض على إعادة البناء الطبيعي.
ما يميز GMOC عن حمض الهيالورونيك؟
رغم شيوع استخدام حمض الهيالورونيك في العلاجات الموضعية للمفاصل والأقراص، إلا أن GMOC يتفوق عليه من حيث الثبات والفعالية. فبينما يتحلل الهيالورونيك بسرعة بفعل الإنزيمات في الجسم، فإن GMOC يتمتع باستقرار طويل الأمد، ما يمنحه قدرة علاجية أقوى وأكثر استدامة داخل القرص الفقري.
نتائج مبشرة على الحيوانات
أجريت التجارب الأولية على نماذج حيوانية شملت الفئران والأرانب، حيث تم حقن اللاصق السكري الطبي مباشرة داخل الأقراص المتضررة. وقد سجل الباحثون نتائج مدهشة، تمثلت في انخفاض ملحوظ بمستويات الألم، وزيادة في ترطيب الأنسجة، واستعادة في ارتفاع الأقراص، فضلًا عن تحسن ملحوظ في المتانة الميكانيكية للبنية الفقرية.
حاجز علاجي وداعم في آن واحد
وصف الباحثون هذا الابتكار بأنه “حاجز وقائي وترميمي في الوقت ذاته”، إذ يُسهم في تثبيت البنية الخلوية للقرص ومنع تفككها، كما يعمل على حماية الخلايا من الإجهاد الميكانيكي والموت المبرمج. وأكد الفريق أن هذا اللاصق يمكن أن يشكل نقلة نوعية في معالجة أمراض العمود الفقري بطريقة غير جراحية وآمنة نسبيًا.
تحديات البحث ونداء للتعاون العلمي الدولي
رغم النتائج الإيجابية، أشار الباحثون إلى بعض القيود التي واجهتهم، أبرزها تشابك الجين المسؤول عن إنتاج بروتين MFG-E8 مع جين آخر مهم في الفئران، ما صعّب إجراء تجارب تعتمد على إيقاف تام لتعبير هذا الجين. ولذا، دعا الفريق المجتمع العلمي الدولي للتعاون في بناء نماذج حيوانية بديلة تُسهم في دراسة أعمق لتأثير هذا البروتين وفهم آليات عمله الدقيقة.
الآفاق المستقبلية للعلاج
في ضوء هذه النتائج، يُتوقع أن يمهد اللاصق السكري الطبي الطريق نحو تطوير علاجات فعالة لآلام الظهر المزمنة دون الحاجة إلى تدخلات جراحية مكلفة أو محفوفة بالمخاطر. كما يفتح هذا الابتكار الباب أمام استخدام أوسع لتقنيات الطب التجديدي في علاج العديد من الأمراض التنكسية المرتبطة بالعمر، ليس فقط في العمود الفقري، بل وربما في المفاصل والأنسجة الضامة الأخرى.
ملاحظات ختامية حول الابتكار
يُعد هذا الاكتشاف أحد الأمثلة الملهمة على تلاقي المعرفة الحيوية مع الهندسة الكيميائية الحيوية لإنتاج حلول مبتكرة ومستدامة. ويمثل اللاصق السكري الطبي خطوة متقدمة في مساعي العلم لإطالة عمر الإنسان وتحسين نوعية حياته، خصوصًا لدى الفئات المتقدمة في العمر التي تعاني من أمراض الظهر والانزلاق الغضروفي.
للمزيد: تابع موقع نبض الخليج ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر