جدول المحتويات
كتب: هاني كمال الدين
في خطوة جديدة تعكس تصاعد التوترات الإقليمية في منطقة البحر الأحمر، أعلنت جماعة “أنصار الله” (الحوثيون)، التي تسيطر على مناطق واسعة من شمال اليمن، عن حظر مرور السفن البريطانية في المياه الإقليمية اليمنية في البحر الأحمر وخليج عدن، في تصعيد مباشر يأتي بعد إعلان لندن نيتها الانضمام إلى العمليات العسكرية الأمريكية ضد الجماعة.
وبحسب مصدر في الحركة نقلت عنه وكالة “ريا نوفوستي” الروسية، فإن هذا القرار يدخل حيز التنفيذ فورًا، ويشمل منع جميع السفن التجارية البريطانية من المرور في البحر الأحمر، والبحر العربي، وخليج عدن، وذلك “تطبيقًا للإجراءات التي سبق أن اتخذت بحق السفن الأمريكية والإسرائيلية”.
وأكد المصدر ذاته أن هذا الحظر الجديد لن يكون مجرد إعلان رمزي، بل خطوة استراتيجية تهدف إلى الضغط على لندن، وقال: “نعتقد أن هذا القرار سيؤثر بشكل ملموس على الاقتصاد البريطاني، نظرًا لأهمية هذه الممرات البحرية الحيوية في حركة التجارة العالمية”.
خلفية القرار: لماذا بريطانيا الآن؟
جاء قرار الحوثيين بمنع السفن البريطانية بعد تصريحات رسمية من لندن تفيد بعزم المملكة المتحدة الانضمام إلى العمليات العسكرية التي تقودها واشنطن ضد مواقع الحوثيين في اليمن. ويبدو أن هذا التطور هو ما دفع الجماعة إلى اتخاذ قرار فوري بتوسيع دائرة الحظر البحري لتشمل بريطانيا، بعد أن كانت محصورة سابقًا على السفن الإسرائيلية والأمريكية فقط.
وقد شهدت الأسابيع الماضية تكثيفًا ملحوظًا في الضربات الأمريكية على مواقع تابعة للحوثيين، خاصة في محافظتي الحديدة وصعدة. وفي أحدث هذه الضربات، نفذت القوات الأمريكية هجومًا على ميناء رأس عيسى في 25 أبريل الجاري، وهو ما وصفه وزير الخارجية في حكومة أنصار الله، جمال عامر، بأنه “عدوان أمريكي يستهدف تعطيل تفريغ شحنات النفط من السفن”.
مضيق باب المندب في قلب الأزمة
يُعد مضيق باب المندب، الرابط الحيوي بين البحر الأحمر وخليج عدن، من أهم الممرات البحرية في العالم، حيث يمر عبره أكثر من 10% من التجارة العالمية. ومن هنا، فإن أي تهديد لحركة الملاحة فيه يمثل أزمة دولية بامتياز.
وتأتي خطوة الحوثيين بمنع السفن البريطانية في سياق استراتيجيتهم الرامية إلى استخدام موقعهم الجغرافي كورقة ضغط سياسية وعسكرية، خصوصًا في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، والدعم الغربي الواسع الذي تتلقاه تل أبيب.
وقد سبق للحوثيين أن أعلنوا في ديسمبر الماضي استهدافهم المباشر للسفن الإسرائيلية أو المرتبطة بإسرائيل، باعتبارها جزءًا من “معركة نصرة غزة”، ثم توسعت هذه السياسة لتشمل السفن الأمريكية، لتأتي بريطانيا اليوم كطرف ثالث يدخل دائرة الاستهداف.
التداعيات الاقتصادية على بريطانيا
لا يُخفي الحوثيون نيتهم بأن تؤدي قراراتهم إلى أضرار اقتصادية على الدول المستهدفة، حيث أكد المصدر الحوثي لوكالة “ريا نوفوستي” أن قرار الحظر على السفن البريطانية “سيؤثر سلبًا على اقتصاد المملكة المتحدة”، في إشارة إلى اعتماد كثير من الشركات البريطانية على خطوط الشحن البحري عبر قناة السويس والبحر الأحمر للوصول إلى أسواق آسيا وأفريقيا.
ويُتوقع أن يؤدي هذا الحظر إلى ارتفاع تكاليف الشحن والتأمين على السفن البريطانية، وقد تضطر الشركات إلى استخدام مسارات أطول عبر رأس الرجاء الصالح، ما يزيد من زمن وتكلفة الرحلات التجارية.
الرد البريطاني المحتمل: تصعيد أم تهدئة؟
حتى الآن، لم يصدر رد رسمي بريطاني على القرار الحوثي، لكن المتابعين للشأن اليمني يتوقعون تصعيدًا من الجانب البريطاني، سواء على شكل انخراط أوسع في العمليات الجوية، أو عبر إجراءات بحرية مشتركة مع واشنطن لحماية سفنها.
ويأتي هذا في ظل استمرار الجدل داخل الأوساط الغربية حول مدى جدوى هذه العمليات العسكرية، خاصة أن الحوثيين ما زالوا يحتفظون بقدرة هجومية لا يُستهان بها، سواء باستخدام الطائرات المسيّرة أو الصواريخ الباليستية البحرية.
الأبعاد الجيوسياسية للقرار الحوثي
يمثل قرار الحوثيين بمنع السفن البريطانية من المرور في البحر الأحمر وخليج عدن تطورًا نوعيًا في مسار الأزمة اليمنية – الغربية. فهو ليس فقط ردًا مباشرًا على التصعيد العسكري، بل يعكس أيضًا تحولًا في التوازنات الجيوسياسية، حيث باتت جماعة أنصار الله تتصرف كقوة إقليمية قادرة على فرض قراراتها في أحد أهم الممرات المائية الدولية.
وقد أعاد هذا القرار طرح التساؤلات بشأن فاعلية التحالفات الغربية في احتواء التمدد الحوثي، خصوصًا في ظل التورط الإسرائيلي في حرب غزة، والضعف الملحوظ في الموقف الدولي من ممارسات الاحتلال.
هل تتسع دائرة الحظر أكثر؟
يرى محللون أن قرار الحوثيين قد يكون مقدمة لتوسيع أكبر لدائرة الحظر البحري، لتشمل دولًا أوروبية أخرى في حال انضمت إلى التحالف العسكري الذي تقوده واشنطن. وفي ظل مؤشرات إلى احتمال تورط فرنسا أو ألمانيا مستقبلاً، قد نشهد مزيدًا من التصعيد.
ويبدو أن الحوثيين يستخدمون ورقة البحر الأحمر بذكاء استراتيجي، إذ يدركون أهمية هذا الممر للمصالح الغربية، ويضعون كل دولة أمام تكلفة قرارها السياسي أو العسكري في المنطقة.
للمزيد: تابع موقع نبض الخليج ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر