جدول المحتويات
«نبض الخليج»
بدأ موظفو القطاع العام في سوريا بتحميل تطبيق “شام كاش“، وذلك بعد قرار وزارة المالية اعتماد التطبيق كوسيلة رسمية لصرف الرواتب اعتباراً من أيار الجاري، عبر إيداع الرواتب في حسابات مرتبطة بالتطبيق لدى مصرف سوريا المركزي.
وتفاوتت ردود الفعل حيال القرار؛ إذ رحّب بعض الموظفين بالفكرة بوصفها خطوة نحو التحول الرقمي، بينما عبّر آخرون عن تخوفهم من تعرض خصوصية بياناتهم للخطر، أو من خسارة جزء من الراتب نتيجة اقتطاعات أو عمولات محتملة.
في السياق ذاته، وجّه وزير المالية، محمد يسر برنية، تعميماً إلى جميع محاسبي الجهات العامة، طالبهم فيه بإصدار أوامر الصرف المتعلقة بالرواتب والأجور والتعويضات، وتحويلها مباشرة إلى حسابات “شام كاش” التابعة للموظفين.
وبحسب ما رصده موقع “تلفزيون سوريا”، فقد بدأت بعض مديريات الدولة بنشر قوائم عبر صفحاتها الرسمية على “فيسبوك”، تضم أسماء الموظفين الذين زودوا المحاسبين بأرقام حساباتهم في “شام كاش” تمهيداً لتدقيقها.
وأكد عدد من الموظفين في محافظات عدة أن رواتبهم لشهر أيار تم تحويلها عبر التطبيق يومي 29 و30 من نيسان الماضي، في حين أفاد آخرون بأنهم استلموا رواتبهم بالطرق المعتادة (عبر المعتمدين أو الصرافات الآلية)، بسبب عدم تفعيلهم للتطبيق، مشيرين إلى أن المعتمدين أبلغوهم بضرورة تفعيله لصرف راتب حزيران المقبل حصراً من خلاله.
كما أصدرت بعض المؤسسات إنذارات دعت فيها الموظفين إلى تزويد المحاسب بمعلوماتهم الكاملة، من الاسم الثلاثي واسم الأم والرقم الوطني إلى رقم حساب “شام كاش”، تحت طائلة حجب راتب شهر أيار في حال التأخر.
تجربة سابقة في إدلب
في مطلع كانون الثاني الماضي، طلبت الحكومة السورية الجديدة من عدد من موظفي القطاع العام تحميل تطبيق “شام كاش”، وهو عبارة عن محفظة إلكترونية مخصصة لاستلام الرواتب. اللافت أن التطبيق لم يُطلق حديثاً، بل سبق استخدامه في محافظة إدلب خلال فترة سيطرة “حكومة الإنقاذ”، حيث كان معتمداً لصرف الرواتب لموظفيها.
ووفق الموقع الرسمي لتطبيق “شام كاش”، فإن الجهة الضامنة له هي “بنك شام”، والذي كان يُعرف سابقاً باسم “الوسيط”، وهي شركة صرافة وتحويل أموال كبرى كانت تعمل حصراً في مناطق نفوذ “الإنقاذ”، دون ارتباط مباشر بالنظام المصرفي التابع لمصرف سوريا المركزي خلال فترة النظام المخلوع.
اليوم، بات “شام كاش” جزءاً من المنظومة الرسمية الجديدة، ويُستخدم لصرف رواتب موظفي الدولة، إلى جانب خدمات دفع الفواتير الجامعية، والتحويلات المالية بين الأفراد.
وقال معاون وزير المالية لشؤون الموازنة والسياسة المالية، صالح العبد، إن الوزارات والهيئات والمؤسسات الحكومية رفعت بالفعل القوائم التي تتضمن حسابات “شام كاش” للموظفين، وذلك بعد أن قدم العاملون بيانات حساباتهم إلى المدراء الفرعيين في مؤسساتهم، الذين بدورهم وجهوها إلى وزارة التنمية الإدارية والمحاسبين المعنيين.
وأوضح العبد أنه “بالنسبة للعاملين الذين لم يتمكنوا من فتح حساب على “شام كاش” أو تنزيل التطبيق، لأسباب تتعلق بكبر السن أو عدم امتلاك هواتف ذكية أو عدم الإلمام باستخدام التطبيقات، فإن رواتبهم ستُصرف مباشرة عبر محاسبي الإدارة في الجهات التي يعملون بها.
حلول رقمية وطوابير
ذكر معاون وزير المالية أن اعتماد تطبيق “شام كاش” لتسليم رواتب موظفي القطاع العام يأتي في إطار تسريع الدفع الإلكتروني، وتعزيز الشفافية، وتسهيل وصول المستحقات المالية إلى العاملين، وفق ما جاء في التصريحات الرسمية.
وترى الحكومة أن هذا الإجراء يهدف إلى تجاوز مشكلة الازدحام على الصرافات ونقص السيولة، من خلال تمكين الموظف من سحب راتبه من أقرب مركز حوالات، وفي أي محافظة دون التقيد بالموقع الجغرافي أو بالعطل الرسمية.
وفي هذا السياق، أعلنت شركتا “الهرم” و”الفؤاد” للحوالات المالية بدء التعاون مع “شام كاش” لتسهيل عمليات سحب الرواتب، في خطوة قيل إنها ستخفف الضغط عن الصرافات الآلية، التي لطالما شهدت ازدحاماً كبيراً بسبب قلة عددها، وتقنين السحب اليومي نتيجة سياسة تجفيف السيولة المعتمدة من مصرف سوريا المركزي، إضافة إلى الأعطال المتكررة المرتبطة بضعف الإنترنت أو انقطاع الكهرباء.
لكن التجربة على أرض الواقع جاءت مخالفة للتوقعات، بحسب ما أكده عدد من الموظفين لموقع “تلفزيون سوريا”. فهد نيربي، موظف في دمشق، وصف المشهد أمام أحد فروع شركة “الهرم” في شارع الثورة بأنه “امتداد لطوابير الصرافات”، بعد أن اضطر للانتظار أكثر من أربع ساعات لاستلام راتبه. وأضاف بنبرة ساخرة: “كأنك يا أبو زيد ما غزيت”، في إشارة إلى انتقال الازدحام من الصرافات إلى شركات الحوالات.
ويرى نيربي أن المشكلة مرشحة للتفاقم، خاصة أن عدداً كبيراً من الموظفين لم يفعلوا التطبيق بعد، ما يعني مزيداً من الضغط على مراكز الحوالات في الأشهر المقبلة. وتساءل: “هل تستطيع شركتا الهرم والفؤاد خدمة نحو مليون موظف شهرياً؟ وهل تمتلكان الكتلة المالية اللازمة؟ وأين التنظيم؟ ولماذا لم تُعتمد البنوك العامة والخاصة لهذا الغرض؟”.
من جهتها، أشارت هبة التوتو، وهي موظفة من سكان حي الزاهرة في دمشق، إلى مشكلات إضافية تتعلق بعملية تسليم الرواتب، أبرزها اقتطاع عمولة قدرها 500 ليرة عن كل 100 ألف، فضلاً عن تسليم بعض الموظفين أوراقاً نقدية ممزقة أو ناقصة، ما أثار غضبها ودفعها للتساؤل: “ألا يكفي أن الرواتب ضئيلة، حتى نستلمها منقوصة أو تالفة؟”.
كما أبدى عدد من الموظفين استياءهم من صعوبة تفعيل تطبيق “شام كاش”، الذي يتطلب استقبال رسالة نصية عبر شبكة الاتصالات، وهي خدمة غير متوفرة في العديد من المناطق التي تعاني من ضعف أو انقطاع الشبكة الخليوية، ما يحول دون تفعيل الحسابات واستلام الرواتب عبر التطبيق.
سماسرة على الخط وعمولات “الراحة” تتصاعد
استغل بعض السماسرة حالة الضجر التي انتابت الموظفين نتيجة الطوابير الطويلة أمام مكاتب شركات الحوالات، وبدأوا بالترويج لعروض “استلام فوري” للرواتب نقداً دون الحاجة للانتظار، مقابل عمولات مرتفعة.
هبة التوتو، من سكان الزاهرة في دمشق، تحدثت عن ابنة عمها التي قررت التوجه إلى أحد المحال التجارية لاستلام راتبها، بعد أن ملّت الوقوف لساعات. وأشارت إلى أن المحل اقتطع 5 آلاف ليرة عن كل 100 ألف كعمولة، أي ما يعادل 5% من الراتب، وهو مبلغ يفوق بكثير ما تتقاضاه شركتا “الهرم” و”الفؤاد” والتي تقتصر عمولتهما على 500 ليرة فقط.
وأوضحت التوتو أن ابنة عمها اعترضت على هذا الاقتطاع المبالغ فيه، إلا أن صاحب المحل رد قائلاً إن هذه الزيادة تمثل “ثمن الراحة” وتجنب الزحام، في تبرير يعكس الاستغلال الواضح لحاجة الموظفين.
في المقابل، ترى شادية الحمزة من بلدة الصنمين في محافظة درعا، أن تطبيق “شام كاش” يشكل حلاً عملياً يخفف عن الموظفين عناء التنقل الشهري والبحث عن صرافات تعمل أو تحوي سيولة، فضلاً عن الوقوف لساعات في الطوابير أو تكبد مصاريف نقل عالية، خاصة في المناطق الريفية.
وعن الانتقادات التي طالت اقتطاع عمولات من الرواتب عبر شركات الصرافة، اعتبرت الحمزة أن تلك المبالغ توازي، أو حتى تقل عن، تكاليف المواصلات التي كان يدفعها الموظف سابقاً لاستلام راتبه من المعتمد أو من مراكز الصرافات النادرة.
الاحتيال الإلكتروني يلاحق مستخدمي “شام كاش”
استغل بعض ضعاف النفوس انتشار تطبيق “شام كاش” لتنفيذ عمليات احتيال إلكترونية استهدفت موظفين من القطاع العام، من خلال إعلانات وهمية تنتحل صفة جهات رسمية أو جمعيات خيرية.
وسام، شاب في الثالثة والثلاثين من عمره ويقطن في مدينة حلب، قال لموقع “تلفزيون سوريا” إنه صادف إعلاناً على “فيسبوك” نشرته جمعية تزعم أنها تقدم منحاً لمن يمتلك فكرة مشروع صغير. وبحكم اهتمامه بمجال إعادة التدوير، تواصل مع الجهة المعلنة، التي طلبت منه تسجيل بياناته الشخصية ومعلومات حسابه على تطبيق “شام كاش” عبر رابط إلكتروني، بحجة تحويل الدعم المالي إليه. غير أن صديقه نبّهه في اللحظة الأخيرة إلى أن الأمر مجرد عملية احتيال، وأن آخرين وقعوا في الفخ ذاته، حيث تم سحب الأموال من أرصدتهم بعد إدخال بياناتهم.
وفي محاولة للتصدي لهذه الظواهر، نشرت منصة “شام كاش” الرسمية على “فيسبوك” تحذيراً من مجموعات مزيفة تنتحل اسم التطبيق وتستهدف النساء على وجه الخصوص، بزعم أنها تمثل “مكتب الدعم الفني”، وتطلب منهن معلومات حساسة مثل البريد الإلكتروني وكلمة المرور. وأوضحت المنصة أن هذه المعلومات تُستخدم لاحقاً لاختراق الحسابات الشخصية وابتزاز الضحايا عبر نشر صور ومحادثات خاصة، مشددة على أن فريق الدعم لا يطلب أي معلومات شخصية عبر مواقع التواصل.
وبالرغم من ذلك، عبّر عدد من الموظفين عن استيائهم من ضعف الاستجابة من قبل “الدعم الفني” لتطبيق “شام كاش”. وأشاروا إلى أن التواصل مع الفريق قد يستغرق أياماً، ما يُصعّب حل المشكلات التقنية التي تواجه المستخدمين، رغم تأكيد الموقع الرسمي للتطبيق أن فريق الدعم متواجد على مدار الساعة لضمان تجربة استخدام سلسة وآمنة.
ثغرات أمنية ومخاوف من انتهاك الخصوصية
من جانب آخر، واجه تطبيق “شام كاش” موجة من الانتقادات، خاصة فيما يتعلق بمستوى الأمان وغياب الشفافية القانونية، وهو ما أثار مخاوف المستخدمين والخبراء على حد سواء. فالتطبيق لا يتوفر على متجري “غوغل بلاي” و”آب ستور”، ويمكن تحميله فقط من الموقع الرسمي لـ”شام كاش”، ما يحرمه من اجتياز اختبارات التحقق الأمنية المعتمدة في هذه المتاجر، ويضعف من مصداقيته كأداة مالية رسمية.
وقال مهندس البرمجيات مراد علوان، في تصريح لموقع “تلفزيون سوريا”، إن اعتماد التطبيق من قبل الإدارة السورية الجديدة قد يكون حلاً إسعافياً لتسهيل صرف الرواتب في المرحلة الراهنة، لكنه لا يرقى إلى أن يكون تطبيقاً حكومياً طويل الأمد، بسبب احتوائه على العديد من الثغرات التي تهدد خصوصية المستخدمين.
وأضاف علوان أن التطبيق يفتقر إلى أدنى درجات الشفافية فيما يتعلق بجهة التطوير أو الجهة المالكة له، ولا يقدّم أي معلومات عن سجل تجاري أو مسؤول قانوني واضح، وهو ما يعني غياب جهة يمكن مساءلتها في حال حدوث خرق أمني أو تسريب للبيانات.
كما أشار إلى أن “شام كاش” يطلب من المستخدمين إدخال بيانات شخصية حساسة، مثل الاسم الكامل، الرقم الوطني، رقم الهاتف، وتفاصيل الحساب البنكي، دون أن ينشر سياسة خصوصية توضّح مكان تخزين هذه البيانات أو الجهات التي يمكن أن تطلع عليها. واعتبر أن هذا الغموض يفتح المجال لاستخدام البيانات في أغراض رقابية أو تجارية دون علم أصحابها.
وعلى الرغم من أن التطبيق يستخدم نموذج تشفير متقدم، إلا أنه يرسل مفتاح التشفير إلى الخادم، ما يعني أن مشغل الخادم يمتلك القدرة على فك تشفير البيانات متى شاء، وهو أمر يتعارض مع مبدأ التشفير الطرفي الحقيقي المعتمد في التطبيقات التي تتعامل مع معلومات مالية حساسة.
وأشار علوان أيضاً إلى أن التطبيق يطلب صلاحيات موسعة عند التثبيت، تشمل الوصول إلى الكاميرا، والبصمة، ومنع القفل التلقائي للهاتف، إضافة إلى صلاحيات تتجاوز الحد الأدنى الضروري للعمل، وهو ما يزيد من احتمالات استغلال هذه الثغرات في عمليات تجسس أو احتيال إلكتروني.
للمزيد: تابع موقع نبض الخليج ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر
مصدر المعلومات والصور : شبكة المعلومات الدولية